السؤال
السلام عليكم
أنا صراحة أشعر بأخطاء كثيرة في شخصيتي الاجتماعية، ولا أجد من أعتبره قدوة حسنة حقيقة أمامي في كل شيء، ماذا أفعل؟ أريد التصالح مع نفسي، ولكني لا أعلم من أين أبدأ، وكيف أكون ناجحًا اجتماعيًا؟ هل هناك كتب أو شيء لتصحيح أخطائي؟ أعلم أن الحل الأمثل لي أن أتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة لي؟ ولكن كيف أبدأ بتحقيق هذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يجعلك من عباده المتقين، إنه ولي ذلك ومولاه.
أخي الكريم: سؤالك جيد وعملي، ونحن سنجيبك من خلال عدة نقاط بطريقة عملية، نرجو الله أن يكون فيها النفع لك.
أولاً: التخلية قبل التحلية منهج أهل الرشاد والسداد، وهذا يعني أن البداية تكون بحصر المعاصي، ثم حصر الأسباب التي تعينك على المعصية، ثم بوضع المنهج القويم الواقعي لعدم الوقوع في المعصية، ثم إحلال الطاعة محل المعصية، ودعنا نضرب لك مثلاً على ذلك، لنفترض أن شابًا أدمن ممارسة العادة السرية، ويريد أن يتوب إلى الله ويصلح حاله، نبدأ إذن بتطبيق القواعد الأربع عليه:
1- تحديد المعصية: ممارسة العادة.
2- الأسباب المعينة على المعصية: وجود فراغ، وجود جوال، أو لاب توب، وجود اختلاط، المهم تعداد كل الأسباب التي تعينه على تلك المعصية.
3- المنهج القويم العملي: الاجتهاد في قتل الفراغ، إما بالعمل أو المذاكرة، أو الخروج مع الأصحاب الصالحين، عدم التواجد في مكان مغلق، عدم الذهاب للنوم إلا والجسد مرهق، الابتعاد عن الجوال، وضع اللاب توب في الصالة أمام الجميع، وهكذا أخي تتعدد المناهج العملية لمواجهة المعصية.
4- إحلال الطاعة محل المعصية: الاجتهاد في الزواج، فإن لم تقدر فالصيام، المحافظة على ورد ثابت في أوقات الفراغ، العمل مع بعض الصالحين على برنامج دعوي، أو اجتماعي، وبهذا لا يكون القلب فارغًا.
ثانيًا: القدوة مطلب جميل -أخي الكريم-، لكن لا بد من تعريف القدوة، وكذلك وضعها في إطارها الطبيعي، فمثلاً ليس من شرط القدوة أن يكون في كل شيء متميزًا، ولا من شرط القدوة أن لا يخطئ أبدًا، بل القدوة هو من تميز في أمر ما واجتهد وبذل وسعه، مع وجود تدين يحفظه وأخلاق يحاول الثبات عليها.
أما المثالية في إيجاد شخصية قيادية في الأخلاق والتربية والتوجيه والتزكية والعلم والمعارف والسلوك والتدين، فهذا أمر عزيز المنال.
ثالثًا: لا شك أخي الكريم أن أعظم قدوة لنا في الحياة: هي اتباع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
يقول ابن حزمٍ: مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاقتداء به بمَنِّه، آمين.
والبداية الطبيعية أخي تكون بالتعرف إليه، فإن من عرف أحداً أحبه، ومن أحبه تمثل به، ومن تمثل به سار خلفه واتخذه قائدًا، وإننا ننصحك في هذا الإطار أن تبدأ بقراءة صحيح الإمام البخاري، فهذا الجامع الصحيح هو ديوان مصغر لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ابدأ القراءة واتخذ شيخًا يظهر لك فوائد وفرائد التصنيف، أو استمع إلى بعض الشروحات للصحيح وهي كثيرة.
وأخيرًا: أنصحك أخي بالصحبة الصالحة، فإن المرء بإخوانه وإخوانه بدونه، ولا تبحث عن صاحب ليس له أخطاء، فإن هذا محال، بل عليك أن تبحث عمن كثر خيره وقل شره.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.