السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب جامعي، أبلغ من العمر 20 سنة.
المشكلة: ذكائي الاجتماعي محدود، وحينما أتحدث معظم كلامي يكون غير موزون، وفيه كما نقول باللهجة العامية -كلام عبيط-، في السابق كنت اجتماعيا حينما كنت طالبا في المرحلة الابتدائية والإعدادية، وعندما دخلت الثانوية بدأت بالانتباه إلى قلة العقل والسفاهة في كلامي، وإلى احتقار الناس حولي.
بعد ذلك قررت الانعزال والابتعاد عن الناس، من الصف الثاني الثانوي وحتى الآن وأنا في السنة الجامعية الثانية، أكملت 4-5 سنوات وليس لدي أي صديق، ولا أخرج من البيت إلا لشراء ما أحتاجه، أو للذهاب إلى الجامعة والامتحانات.
وأيضا في الكثير من المواقف الاجتماعية لا أعرف التصرف، مثال: حينما صرخ أحدهم علي كان من المفترض أن أرد عليه بشكل تلقائي ولكنني لم أفعل، -الحمد لله- كتبت لكم هذا المثال حتى أتمكن من الرد بالمرة القادمة، ويمكنكم القياس على هذا الموقف، هذه المشكلة جعلتني أكره التعامل مع الناس، فلو أحرجني أحدهم سأقوم بشتمه والتشاجر معه، ولا يمكنني الرد كلاميا.
ولدي أيضا مشكلات أخرى: الوسواس القهري، والرهاب الاجتماعي بدرجة بسيطة، وتطور مع الانعزال الاجتماعي.
محاولاتي لحل المشكلة كالآتي:
1- فكرت في تكوين الصداقات، وكان الأمر في بدايته سهلا وبسيطا، أقوم بالتعرف على ناس جدد، وبعد مرتين أو ثلاث مرات من مقابلتهم أجدهم ينفرون مني بسبب كلامي.
2- حاولت الانضمام إلى مواقع التحدث ولكن النتيجة نفسها.
3- حاولت التقليل من كلامي، وما زالت الناس تنفر مني، لا أحد يريد صديقا لا يتحدث إلا بشكل قليل.
4- فكرت في قراءة الكتب ومتابعة دورات تطوير النفس باللغة العربية والانجليزية، ومعظم الدورات للشخصية الانطوائية، وهناك فرق كبير بين الشخصية الانطوائية وبين الشخصية التي يكون كلامها كما وضحت لكم.
5- الحل الذي سمعته كثيرا من بعض الأشخاص على اليوتيوب هو الخروج والتحدث مع الناس وتكوين الصداقات الخ، هذا الكلام نظري ولا يمكن تطبيقه لسبب واحد، أن الصداقة عبارة عن تجارة معنوية بين شخصين ولا أحد يرضى في مصاحبة شخص لا يملك مهارات اجتماعية.
للتنويه: مشكلة محتوي الكلام ليس لها أي علاقة بالقدرة اللغوية.
أتمنى أن تكون الإجابة بها نصائح عملية يمكن تطبيقها، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ، ونشكر لك تواصلك معنا وإن كنت مقلاً في المعلومات الشخصية التي أعطيتنا إياها، ما مجال دراستك مثلاً؟ فهذا يمكن أن يكون له علاقة بالمشكلة التي عرضتها، ذكرت أنك تشعر أن عندك ضعفا في الذكاء الاجتماعي، وتجد الكلام غير موزون، وحتى وصلت إلى مرحلة تجد صعوبة في الخروج من المنزل إلا للضرورة، وتجد صعوبة في الرد على الآخرين، وفهمت من سؤالك أن هذا بدأ ربما في الثانوية واستمر معك الآن في الجامعة، وذكرت أيضاً أنك ربما تعاني من الوسواس القهري ومن الرهاب الاجتماعي.
أخي الفاضل: ما وصفته من صعوبات ومشكلات يصب معظمها في الرهاب الاجتماعي، حيث يمكن أن يفسر كل ما ذكرته من صعوبة لقاء الناس والحديث معهم والخروج إليهم، لا شك أنك تدرك في هذا الوقت أن الناس يختلفون بطبائعهم وشخصياتهم، فهناك الانطوائي وهناك الاجتماعي، ويمكن لشخصين متناقضين واحد انطوائي وواحد اجتماعي أن يتصادقا.
المشكلة الأخرى التي لاحظتها من سؤالك، أنك تجد صعوبة في التفريق بين الأمور النظرية والأمور العملية، فذكرت عدداً من الأمور، 5 أمور، ثم ذكرت في النهاية أنها نظرية وهي في الواقع ليست نظرية، فالخروج إلى الناس والحديث معهم هو أمر عملي تطبيقي كما لاحظت من خلال توصيات الناس عبر اليوتيوب، حيث نصحت بالخروج والتحدث مع الناس، فأنا أتساءل: هل هذا شيئاً نظري أو عملي، إنه بالطبع أمر عملي.
أنا لا أقول أن تخرج وتتحدث مع الناس لتكون صداقات، فالصداقة تأتي بوقت متأخر وهي تحتاج إلى شيء من الوقت، وشيء من الثقة، ولكن لتخرج من الرهاب الاجتماعي عليك بدل التجنب والبقاء في البيت، الخروج إلى الناس ومباشرة الحديث معهم إن كان عندك ما تشعر أنك تريد أن تقوله، فالحديث ليس غاية بحد ذاته، وإنما هي وسيلة للتواصل مع الآخرين.
أريد هنا أيضاً أن ألفت نظرك أننا أحياناً عندما نبذل جهداً كبيراً للحصول على شيء فإنه يهرب منا، كالنوم عندما نبذل جهداً لننام نجد أن النوم بعيد المنال، فأنا أنصحك أن تتخذ خطوات بسيطة صغيرة تخرج بالتدريج وتتواصل مع الناس، ومن ثم تبني ثقتك في نفسك وتتخلص من الرهاب الاجتماعي، وبحيث تجد الخروج والحديث مع الناس أمراً بسيطاً طبيعيا، ومع الوقت سينمو عندك الذكاء الاجتماعي، أو ما نسميه أحياناً الذكاء العاطفي من خلال حسن تواصلك مع الآخرين.
الأمور الأخرى التي أيضاً ذكرتها في سؤالك من قراءة الكتب ومتابعة الدورات وغيرها، نعم هذه كلها يمكن أن تنتهي بتطبيقات عملية تعينك، فالخلاصة أن العلاج الأمثل لرهبة الناس والرهاب الاجتماعي وضعف الذكاء الاجتماعي هو المبادرة والإقبال على الناس رويداً رويداً، حتى تعتاد وتتخلص من التوتر والقلق الذي تصادفه عند لقاء الناس والخروج معهم.
أدعو الله تعالى لك بالصحة والسلامة وبثقة النفس، لتتخلص من هذا الرهاب الاجتماعي.