السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة عمري 19 سنة، أحببت شخصاً منذ ثلاث سنوات، وهو بعمر 20 سنة، هذا الشخص يصلي وبار بأهله، لديه صفات جيدة كثيرة، وأحبني ولم يطلب مني لا صوراً ولا أي شيء، وأخبرني بأنه يريدني بالحلال.
كان ضميري يؤنبني لأني أتحدث معه، ولكن علاقتنا لم تكن تتعدى الرسائل، وكنت أدعو الله أن يغفر لي، وأن يجعله حلالي، وهو كذلك كان دائماً يذكرني بأنه يريدني بالحلال.
حصلت مشكلة بيني وبينه، وكانت نفسيتي سيئة فقمت بحظره، وبعدها علمت أنه يكلم فتاة غيري، وعندما سألته أنكر، ثم أخبرني أنه لا يحبها، وقام بحظرها لأجلي، وأنه لا يريد غيري، واعتذر، وأحس بالندم الشديد.
عدنا سوياً، وأخبرني أن حبيبته السابقة دخلت تحادثه، ولكنه لم يعرها أي اهتمام، وأنه قام بحظرها، وبعدها رأيته يتابع حبيبته السابقة، سألته لماذا؟ ولكنه لم يجبني بإجابة صريحة، وقام باللف والدوران.
أخبرني أنه لن يعود إليها، وأنه لا يريدها، ولكن كان يتهرب من سؤالي عندما أسأله لماذا يتابعها؟ يقول إنها طلبت منه إرسال بعض الملابس التي طلبتها، فهو مغترب للدراسة، وهي جارتهم، وأبوها صديق لأبيه، وأخبرني أنه لا يوجد شيء بينهما، فسيقدم لهم هذه الخدمة فقط، ولكنه يتابعها من أكثر من مكان، وكلما أسأله يحلف بأنه لا يوجد شيء، وأنه لن يسمح لها بالدخول في حياتنا، ولكني لم أعد أثق به، فتركنا بعضنا بالتفاهم.
الآن أنا لا أستطيع نسيانه، رغم أني أصلي جميع صلواتي، وقيام الليل والضحى، وأدعو الله كثيراً، وأقرأ القرآن، وأفتح سورة البقرة كل صباح، لأني أستيقظ على ضيق شديد لدرجة البكاء، رغم أني دعوت الله أن لا يجمعني إلا بمن هو خير لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أختنا الفاضلة- ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
بخصوص ما تفضلت به: فنحن ابتداء ندرك ما تشعرين به الآن، ونشعر بما خلفه هذا الحب الزائف من جرح غائر، وندرك أن الصراع العاطفي الذي يقويه الشيطان عن عمد وقصد هو الذي أدى بك إلى ما أنت فيه الآن، نتفهم ذلك جيداً، ونعرف أن الشيطان سيتعرض لك عند أصغر مشكلة، أو أقرب طاعة ليفسد عليك راحتك.
أختنا الكريمة: إن الحزن الذي اعتراك لن يزول بسهولة؛ لأن تلك المعصية -التي ما كنا نتمنى أن تخوضي فيها- لتبعاتها ثقيلة، لكننا نحمد الله الكريم أن المسألة لم تطل أكثر من ذلك، أو لم تتعمق المعصية إلى أكثر مما وصلت إليه، لأن التراجع الثقيل اليوم هو في دائرة الممكن، وتبعاته على المدى البعيد هامشية -إن شاء الله-، أما التراجع بعد تعميق العلاقة أو انحدراها إلى مستوى فاسد، فثقيل جداً، وتبعاته مرة، هو خيار بين متعدد كلها خسائر، والرابح فيها من تحمل الخسائر الأقل فقط.
أختنا الفاضلة: اعلمي جيداً أن الزواج الصحيح لا يبنى على مثل هذه المشاعر المحرمة والمتأرجحة بين الحب والغضب، والشاب الذي تعلقت به قد ظهر كل مرة أكثر من مرحلة عدم أهليته لك، وكان يمكنك من أول مرة الابتعاد عنه، لكن الشيطان قيدك حتى عرفت منه ما يوجب القطيعة، فالحمد لله على العودة والتوبة، وبقي عليك مجاهدة كبيرة حتى تتخلصي من آثار المعصية التي أوقعت نفسك بها، وحتى تعودي كما كنت سابقاً -إن شاء الله-.
أختنا: حتى تتجاوزي هذه المرحلة -بعون الله- لا بد من عدة نقاط:
1- الاطمئنان القلبي التام إلى أن الزواج قدر مقسوم ورزق مكتوب، كتبه الله على ابن آدم قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” فَرَغَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ”، وهذا يطمئنك -أختنا الفاضلة-، فمن سيكون زوجك غداً هو معلوم في قدر الله، سيأتيك وأنت عزيزة كريمة عفيفة، وساعتئذ سيحملك على رأسه لعفتك وصلاحك، بخلاف هؤلاء الذين بنوا حياتهم على وهم وخديعة ومعاص، يظل الزوج مرتاباً من زوجته والزوجة كذلك.
2- اعلمي -بارك الله فيك- أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيراً ويرفض الخير يحسبه شراً، وهذا بعض قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فاحمدي الله الذي نجاك من مصير مظلم، وزواج إن تحقق مفسد لك ولدينك، واشكري الله على فضله، وعليك أن تسلمي الأمر لله خالصاً، وأن تثقي أن اختيار الله لك أفضل من اختيارك لنفسك، ولعل الله ادخر لك من هو خير لك منه.
3- نريدك بعد قطع علاقتك بالشاب أن تحذفي رقمه، وأن تغيري أنت رقمك، وأن تغيري كل وسيلة تواصل كان يصل إليك منها، وأن تحذفي كل وسيلة تواصل كنت تصلين منها إلى أخباره.
4- الابتعاد عن الفراغ، وشغل كل أوقاتك بما يفيدك، لا تتركي وقتاً إلا وفيه عمل، إما تعلم علم أو سماع محاضرة أو قراءة قرآن، أو إنجاز عمل في البيت، مهم جداً ألا تتركي فراغاً يتسلل الشيطان منه إليك.
5- إذا أتاك الشيطان مذكراً فرددي في نفسك: الحمد لله الذي نجاناً من المصير الأسود، وذكري نفسك بمن خدعت في غفلة حتى ذهبت عفتها وتاجها وشرفها ثم تركها لمصيرها، وقد كانت قبل فتاة صالحة، ذكري نفسك بآلاف الضحايا اللاتي ضاع منهن كل نسمة أو أمل في حياة مستقرة بسبب غلطة كهذه.
6- تعرفي إلى أخوات صالحات يذكرنك بالله عز وجل، فالمرء بإخوانه، أختنا الفاضلة.
7- أكثري من الاستغفار والتوبة، وسلى الله السلامة، ولا تخبري مخلوقاً بما كان، ويوم أن يتقدم إليك صالح لا تخبريه حتى وإن طلب منك، فقد تبت إلى الله، والحديث عن مثل هذه الأمور مفسد للزواج.
كما لا يفوتنا أن نخبرك بعدم القبول بمن يتقدم حتى تسألوا عنه وتستشيروا فيه، ثم كما علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نفزع إلى صلاة الاستخارة عند إرادة فعل ما، وهذه سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنا نشير عليك بها، فما ندم من استخار، وقد كان جابر -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).
عليك بالدعاء، فالدعاء سهم صائب لا يضل راميه، نسأل الله أن يوفقك لكل خير، والله الموفق.