السؤال
السلام عليكم.
لدي أخ عمره ٣٣ سنة، وهو عاطل عن العمل، وليس لديه النية في البحث عن عمل؛ لأنه دائماً يردد ويختلق الأعذار بأنه لا يوجد عمل، وأن الدولة فاسدة، وأن المجتمع ظالم، وأن الوقت قد فاته، وأنه مضى عمره بدون نتيجة..إلخ.
مضت ١٠سنوات وهو عاطل عن العمل، يعمل لفترة قصيرة جداً ومن ثم يترك، ولا يريد أن يغير حياته؛ لأنه باعتقاده أن الوقت قد فاته، وهذا الأمر يؤثر سلباً على أبي وأمي، هم كبار في السن ولا يقدرون على العمل، وهو جالس في المنزل يأكل ويتصفح الهاتف وينام، كسول جداً لدرجة أنه ينتظر أمي أن تقدم له الطعام، ولكن إلى متى؟ ماذا سيفعل إذا مات والدي وبقي وحده؟
لا أدري ماذا يجب أن أفعل، ولكن الأمر قد فاق حده، فقد صبر والدي عليه عشر سنوات ولكن بلا نتيجة، لا بد أن أذكر أن أبي يشتغل أعمالاً حرة، ووضعه المادي سيئ جداً، ولا يستطيع أن يساعده بشيء، وأبي لا يريد منه شيئاً، جل ما يريده أن ينهض ويعمل ويؤمن احتياجاته فقط لا غير، ولكنه مهمل وكسول جداً.
أتمنى الإجابة بشفافية، وأريد حلاً فقد ضاق صدري منه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولاً: إننا نحمد الله أنك لست في موقع أخيك! نحمد الله أنك لست المبتلى، فاحمد لله أنك المعافى والمنعم عليه، فلا تظنه أخي سعيداً بما هو فيه، ولا تظنه غير متألم، ولا تظنه مرتاحاً وإن بدا لك غير ذلك! هو أشبه ما يكون بإنسان ركب القطار ثم علم أن السائق قفز منه، والقطار في أقصى سرعته، ومن ثم فهو في انتظار لا يدري متى، لكن موقن بأنها الخاتمة.
وهذا أخي هو الداء الذي لا علاج منه، هو كل يوم يعيش اليأس الذي تمكن منه لدرجة أنه حتى لن يحاول أن يفكر في مخرج، فقد صار على يقين بأن القطار لا يمكن القفز منه ولا النجاة؛ فاستسلم عاجزاً لوهمه!
ثانياً: إن ألمنا على الوالد والوالدة كبير؛ لأنهما يعيشان معه الألم لحظة بلحظة، والمصيبة أنهما كذلك يعلمان أن أيديهما قاصرة عن المساعدة، وأنهما لن يستطيعا تقديم شيء له ما دام هو على مثل هذه الحالة من الكسل واليأس.
ثالثاً: أخي الكريم، إننا ننصحك بتجاوز ألمك والبدء بمساعدة الوالد والوالدة ما استطعت خاصة في الجانب النفسي، نقول ذلك ونحن ندرك البعد النفسي الثقيل عليك، لكن نطلب منك ذلك التماساً للأجر وعوناً على البر، والأجر على قدر المشقة، ووالداك ليس لهما بعد الله إلا أنت، ودعمهما النفسي خاصة والمادي في هذا التوقيت من أعظم البر، وتذكر ما أعده الله للبارين خصوصاً، وللواصلين لأرحامهم عموماً، فإن ذلك محفز قوي لك.
– يكفيك أن تعلم أنك بتلك الصلة موصول من الله تعالى، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله: أنا الرَّحمن، وهي الرَّحِم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، مَن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتتُّه) وأن هذا دليل صدق على إيمانك بالله رب العالمين، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحمه..)
– ثم هذه الصلة لها مردودها الإيجابي على رزقك وعمرك، فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثرِه، فليَصِل رَحِمَه))؛ (البخاري ومسلم)، وفي شرح الحديث الشريف قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: “وذلك أنَّ الله سبحانه يجازي العبد من جنس عمله؛ فمَن وصَل رحمه وصل الله تعالى أجَلَه ورزقه، وصلًا حقيقيًّا، وضده: مَن قطع رحمه، قطَعه الله تعالى في أجَلِه وفي رزقه”.
رابعاً: إننا نود منك التواصل مع بعض المختصين من أهل الدين؛ ليقوموا بزيارة أخيك، ويتحدثوا معه على أمرين:
1- أن هذا الكسل مورد للهلاك، وأنه ضد تدين المسلم، وأن الحركة تجلب الرزق، وأنك لا زلت في طور الممكن، وأن من يعيش لك اليوم ويساعدك وأنت قادر غداً سيتركك وستكون عندها عاجزاً.
2- فتح آفاق جيدة وواقعية، لا تكون مثالية؛ حتى لا يعيش في الأحلام، يكفى أن يبدأ وأن يستمر، وأن يستشعر أنه يتقدم ولو خطوة للأمام، ودعمك النفسي والديني له في هذه المرحلة مع المختصين سيكون له أبلغ الأثر -إن شاء الله-.
وأخيراً: بارك الله فيك، وكتب الله أجرك، وإنا لنرجو الله أن يعظم لك الثواب، وأن يرفع لك الدرجة، استوص بوالديك خيراً، وبأخيك كذلك، واطلب العوض والأجر من الله، وستجد الخير أمامك.
وفقك الله ورعاك، والله ولي التوفيق.