السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة أحلم أن أكون طبيبة لدرجة الهوس، ودعوت الله كثيرا أن يحقق لي هذا الحلم، فلم يتم قبولي في الكليات الصحية، لكنني لم أفقد الأمل، وقالوا إن هناك فرصة للتحويل، لكن بعد الانتهاء من السنة التحضيرية وسنة من التخصص، وقد شارفت سنة التخصص على الانتهاء، إلا أن حالتي تزداد سوءا؛ لأنني لم أستطع الحصول على المعدل الذي يتيح لي فرصة الالتحاق.
وفقدت الأمل في القبول، لكنني لا أريد أن أستسلم، ولم يبق أمامي سوى التحويل إلى جامعة أخرى خارج مدينتي؛ لأنهم يقبلون المعدلات المنخفضة، أشعر أنني لست موفقة، ولا تقولوا لي لعل الله لم يقدر لي ذلك، فقد حاولت كثيرا تقبل هذه الحقيقة، لكنني لم أستطع، فأنا أرغب بشدة أن أكون طبيبة، وفكرة حرماني من ذلك تبكيني.
أما بشأن التوفيق، فقد سمعت أن بر الأم مهم جدا، ووالدتي مختلفة عن بقية الأمهات، فقد تخلت عني وعن إخوتي، وتزوجت، ولا تجيب على اتصالاتنا، فلا أراها إلا صدفة بعد سنوات، وخالتنا هي التي تعتني بنا، وقد طلبت مني الابتعاد عن أمي حتى لا أتصف بصفاتها، فقد ألحقت أمي الضرر بالكثير من الأقارب، وخاصة أبي، فماذا أفعل؟ كيف أرفع المعدل؟ ما هي طريقة الحفظ والمذاكرة الجيدة؟ ساعدوني، وفقني الله وإياك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه ، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.
وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: التعلق بالله -أختنا- لا يتنافى مع التعلق بعمل خير أو بتحصيل علم، بل قد يكون ما تمنيت سبيلا لحصد الدرجات ورفعة المكانة التي لك عند الله، فلا تجعلي -أختنا- تعلقك بالطب مناقضا لتعلقك بالله، بل أحدثي نية صالحة لك حتى تصير كل مذاكرتك عبادة تأخذين الأجر عليها من الله، فلو نويت -أختنا- أن تتعلمي الطب لمساعدة الفقراء من المسلمين ومداواتهم مجانا، وأن تخصصي جزءا من وقتك أو من مالك لذلك، بهذه النية تصير كل دقيقة وكل معلومة قربة تتقربين بها إلى الله.
ثانيا: لله قانون لا يتخلف في الحياة: من جد وجد، ومن زرع حصد، والأمل الذي زرع في نفسك لا بد أن توجدي له جهدا يتناسب مع ما تمنيت لنفسك، فنحن هنا لن ننصحك حتى تكوني طبيبة بالإكثار من الصلاة والذكر وصلة الأرحام، مع أن هذا مهم في دينك ودنياك، ولن نحيلك على الصبر والرضى بالقضاء والقدر، مع أن هذا أحد أركان الإيمان، ولكنّا نقول لك -أختنا الكريمة-: ” الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ “، وهذا هو الفارق بين المؤمن القوي وغيره العاجز، ممن يحتج على فشله بالقدر، فلا بناء شيد ولا إنتاجاً أخرج ولا معدلا وصل إليه إلا بعد جهد واستعانة بالله، ثم بعد هذا الفشل يحتج بالقدر، وهذا هو العجز بعينه، ولذلك قال السلف: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير. وقال الشاعر الفيلسوف المسلم الدكتور محمد إقبال:(المؤمن الضعيف هو الذي يحتجُّ بقضاء الله وقدره، أما المؤمن القوي فهو يعتقد أن قضاء الله الذي لا يُرد، وقدره الذي لا يُدفع).
ثالثا: اجتهدي أن توثقي علاقتك بالله عز وجل، وأن تقتربي من الله أكثر، وأن تكثري من دعائك: اللهم قدر لي الخير حيث كان ورضني بالقضاء. لكن نكرر: الصلاة والذكر والدعاء دون اجتهاد منك لا يوصلك إلى ما تمنيت، فالطريق إلى أمنيتك لا يتم إلا على جسر من الجهد والتعب والعناء، ثم بعد ذلك الدعاء.
رابعا: بالنسبة لأمك وما ذكرتيه -أختنا- فنحن لا نعلم بالضبط ما حدث وما فعلت، ولا نعلم كذلك أثر تواصلك معها عليها وعليكم، ولذلك نترك الأمر بعد الله لخالتك.
ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله المستعان.