السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طولي 170 سم، واعتبر من قصار القامة عالمياً ومحلياً، وعندما أمشي في الأسواق أرى النساء بطولي أو أطول، وعند الرجال يصير قصر قامتي واضحاً، وكان من الصعب جداً عليّ أن أتقبل قصر قامتي، وكنت دائماً أفكر وأحاول أن أصل إلى 180 سم وأطول، ولكن عندما علمت أن هذا قدري ولا يمكن تغييره تقبلت ذلك -والحمد لله-.
تقبلت هذا الأمر أخيراً؛ أني اعتبر من قصار القامة، وأنا أسأل عن جزاء من ابتلوا بقصر القامة من أمثالي، ماذا أعد الله لهم في الآخرة؟ هل لهم أجر إن هم صبروا على قصر قامتهم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الكريم- ، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
أخي الكريم: لقد قرأنا أن الطول 170 سم، فهل كانت الكتابة بالخطأ؟ فحديثك عن قصر قامتك لا يتناسب مع هذا الرقم مطلقا!
نعم تأتينا رسائل يتحدث فيها بعض الشباب عن قصر قامتهم وكيفية الصبر على هذا الابتلاء، ولكن أطوالهم بين 150 و160، ولم نجد من يتجاوز 165 يراسلنا مطلقاً، أو يجد فيها مشكلة.
لذا لعل الرقم غير صحيح، إذا لو كان صحيحاً فإن الخلل عندك أنت في نظرتك إلى نفسك، وما نظر الناس لك إلا صدىً من نظرتك إلى ذاتك -أخي الكريم-.
فإن كنت فعلا أخطأت الرقم، وأنت دون 165 فهذا جوابنا عليك:
أولاً: اعلم -أخي الحبيب- أننا عبيد الله، خلقنا ورزقنا وسوانا، بيده وحده والأمر كله له، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فإذا آمنا بذلك وسلمنا لله الأمر أخذنا الأجر، وصرف الله عنا الهم والغم، وأبدلنا الله خيراً مما أردنا، وإذا اعترضنا -عياذاً بالله- فلن يتغير من قدر الله شيء، ولن نحصّل الأجر الذي هو غاية المؤمن، ولن نسعد بالحياة، ولن نجد السكينة.
ثانياً: مسألة قصر الطول هي مشكلة تبقى عارضة بين المشاكل الأخرى، فأنت مسلم وتعلم أن كل إنسان له حظ من البلاء، والله يبتلي عباده ليثبت أهل الحق ويعرف أهل الزيغ، وقد ابتلاك الله بقصر القامة وابتلى غيرك بالعمى، وابتلى غيرك بالعرج، وابتلى غيرك بالجنون، وابتلى غيرك بالسرطان، وغيرك وغيرك وغيرك كثير، فانظر -يارعاك الله- أي الابتلائين أهون: أن يكون طولك 160 سم وأنت في نعمة وعافية، وليس عندك من عضال الأمراض ما يقعدك عن الحياة، أم غير ذلك؟
أخي الكريم: أتعلم أن هناك شباباً كثر أول عمل يعملونه حين يستقيظون صباحاً هو الذهاب إلى المستشفى لغسل الكلى! هذا هو فطورهم اليومي، وبعضهم راض وبعضهم ساخط، ومن رضي أخذ الأجر ومن سخط فعليه الوزر، ولا يغير رضا أو سخط من أقدار الله الماضية.
ثالثا: اعلم -أخي الكريم- أن الصبر على البلاء -أي ابتلاء- له أجر عظيم عند الله تعالى، فإن الله تعالى وعد الصابرين أن يوفيهم أجرهم بغير حساب كالماء المنهمر، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وأخبر سبحانه أنه معهم بهدايته ونصره: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ووعدهم بالرحمة والتوفيق والهداية متى ما صبروا واحتملوا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وفي الصحيح عن صُهيب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر فكان خيرًا له”، ومن المعلوم أن “عِظم الجزاءِ من عِظمِ البلاء، وإنَّ الله عز وجلَّ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رَضِي فله الرضا، ومَنْ سَخِط فله السُّخْط”، وأن الإنسان مأجور في كل أحواله، فقد قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “ما يُصيب المؤمنَ من وصبٍ ولا نصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا غمٍّ ولا أذًى، حتَّى الشَّوكة يُشاكُها – إلاَّ كفَّر الله بها من خطاياه”.
رابعا: نود منك أن تقرأ عن أحوال السلف في الابتلاء، وماذا كانت رؤيتهم له؟ فإن هذا أدعى إلى القبول والرضا، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “لأن يعضّ أحدكم على جمرة حتى تبرد، أو يمسك عليها حتى تبرد، خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليته لم يكن”، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال: “ذروة الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب -عز وجل-“، وروي عن مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء، دخل على رجل وهو يموت ويحمد الله، فقال أبو الدرداء: “أصبت؛ إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به”، وعن علي بن الحسين، قال: كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال له كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: “ملك الدنيا منقطع إلى الله ما لي إليه من حاجة إلّا أن يتوفاني على الإسلام”، وقال ابن عون: “ارضَ بقضاء الله على ما كان من عسر ويسر؛ فإن ذلك أقل لهمك وأبلغ فيما تطلب من آخرتك، واعلم أنّ العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر، والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء”.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، والله الموفق.