السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ أبلغ من العمر 21 عاماً، عانيت في طفولتي ومراهقتي وإلى الآن من الجفاف العاطفي، فلم أسمع في حياتي أي كلمة عطف على الأقل، وقد توفي والدي وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وطالما احتجت إليه في السنوات التي تلت موته.
أمي أحسها تكرهني، ودائماً ترميني بأبشع التهم، وتوجه إلي أقسى الكلام، وكذلك أخواتي، لكني نسيت كل ذلك ولله الحمد، ودائماً أواسي نفسي بأنني أنا المخطئة، فقد كنت في مرحلة المراهقة ولا أحد يحتملني، لكن كل ذلك كان له أثر علي من ناحية كوني مسالمة، ولا آخذ حقي، ولا أحد يحس بي، ولا أستطيع أن أعبر عن رأيي، وأحس أنني مريضة نفسياً مما جرى لي، وأحمد الله أنه حفظ علي عقلي، واستطعت أن أحافظ على ديني وسمعتي وأخلاقي مع الناس.
لكن ما يقتلني الآن أنني أحس أنهم لا يرغبون بي داخل محيط الأسرة، ويتمنون الخاطب متى يأتي، وأنا كذلك لطالما انتظرته منذ أن كنت في السادسة عشرة، مما جرني ذلك إلى أحلام اليقظة وما وراءها من تبعات.
الآن ما أود أن أرتاح لسماعه هل إذا تقدم لي خاطب أقبله؟ وهل لأحلام اليقظة علي من تبعات؟ (وأنتم تفهمون ما أقصد مما أخشى أن أذكره فيكون له أثر على مستقبلي الزواجي)، وهل صحيح أن كل إنسان يحصل معه هذا الأمر؟ أيضاً نفسيتي محطمة، فهل سأنجح في تعاملي مع حياتي؟
أرجوكم ساعدوني، لا أريد أن أفقد آخر حلم لي في هذه الحياة، وتقبلوا تحياتي واحترامي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نحن نرى -أيتها الكريمة- أن ما تجدينه من مشاعر وأحاسيس بأن والدتك تكرهك، وأن أفراد الأسرة كلهم يرفضونك أو يتمنون ذهابك؛ كل ذلك مجرد خطرات تخطر في نفسك ليس لها رصيد في الواقع، فمن البعيد جدًّا المجافي للحقيقة أن نجد أمًّا تبغض ابنتها وتكرهها هذا الكره الذي تصفينه أنت، فربما كان هذا الشعور ناشئًا عن تعامل أمك معك، ولكن هذا لا يعبر عن بُغضها لك وكراهيتها إياك، فهذا على خلاف الفطرة، فإن الفطرة التي فطر الله -عز وجل- الناس عليها محبة الأمهات للأبناء والبنات ولو كنَّ من البهائم العجماوات، فكيف يتصور بعد ذلك بالإنسان العاقل السوي أن تصدر منه كل هذه الكراهة، لا سيما لمثلك ممن لا أب لها؟! فهذا بعيد كل البعد، ونحن نظن أنه فقط محاولة من الشيطان لإيجاد الحزن في قلبك، ولإبعادك عن المجتمع من حولك.
ولذا ننصحك بأن تكسري هذا الجدار من الوهم وصارحي أمك بحبك لها وكذلك أخواتك، وستجدين منهم التصريح المماثل والمشابه؛ حينها ستعلمين أن كل هذا الذي تجدينه مجرد أوهام.
قد تكون الأم تريد لك الخير بزجرك عن بعض المواقف أو التصرفات أو نحو ذلك، فتسيء الأسلوب نظرًا لثقافتها أو لغير ذلك، أو لطبائعها في الحدة والقسوة، ولكن هذا كله لا يعني ولا يترجم ما في قلبها من حب لك، فنحن ننبهك ونحذرك كل الحذر من أن يتسلل الشيطان إلى قلبك فيغرس فيه البغض والكراهية لمن حولك من أفراد أسرتك لمثل هذه الحجج الواهية الضعيفة التي لا تستند على شيء.
وقد أحسنت -أيتها البنت الكريمة- في مسامحتك لهنَّ رغم وجود هذا الشعور فيك، ونحن نتمنى منك أن تتجاوزي هذا بخطوات، ولا تقتصري على مسامحتهنَّ في ذات نفسك، بل ينبغي لك أن تمدي يد الصفح والعفو إلى من حولك، وتصرحي لأمك وأخواتك بالمحبة والتوقير، وستجدين هذا أو أكثر عندهنَّ.
وأما رغبتهنَّ في زواجك وتمنينهنَّ لذلك، فهذا أيضًا من علامة حب الخير لك، فكل أحد في الأسرة يتمنى الخاطب للفتاة الشابة في هذه الأسرة، ليس للتخلص منها، ولكن لأن في هذا سعادتها وبناء حياتها وإنشاء أسرتها، وهذه كلها مصالح للفتاة تتمناها وتتعلق بها فطرتها، فلا غرابة ولا عجب أن تكون الأم والأخوات حريصات على تحقيق هذا المقصود لك، وإذا تقدم لك من يصلح لك لاسيما إذا كان مرضيًا في خلقه ودينه فإننا ننصحك بالمبادرة والمسارعة إلى الزواج؛ فإن الزواج يحمل في طياته ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى من الخيرات للرجل والمرأة على حد سواء.
ولذلك كان من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه عدَّ ثلاث خصال لا ينبغي أن تؤخر، منها: (الأيم إذا وُجد لها الكفء) يعني المرأة الخالية من زوج إذا تقدم لها رجل مناسبٌ لها، فلا ينبغي أن يؤخر الزواج، وبالزواج -إن شاء الله- ستتغير أحوالك وستتغير حياتك، فاحرصي على اختيار الزوج الصالح، واسألي الله سبحانه وتعالى على الدوام أن يقدر لك الخير والسعادة بالزواج به، وننصحك أيتها الكريمة بالإكثار من التقرب إلى الله تعالى، وتحسين العلاقة به، والاستغفار والدعاء، فإن هذا هو باب السعادة الأعظم الذي من دخله يسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
وبالله التوفيق.