السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا في حيرة من أمري، فوالدتي -هداها الله- أكلمها بين فترة وفترة، فأنا متزوجة، ولا أجد وقتاً أحياناً للتواصل معها، وأزورها بين فترة وفترة، ولكن المشكلة أنني عندما أزور أمي، فإنها تكثر من لومي وعتابي بأني لا أسأل عنها ولا آتيها، ولا أحضر لها الطعام! بينما هي لا تتصل عليّ، وتنتظر أني أنا من تتصل، على الرغم من أنها تقرأ وتكتب، وتعرف كيف تتصل!
لقد جرحتني بكلامها، وما ذنبي أنهم زوجوني ثم بعدها يقولون لي كلاماً كهذا؟ ألا يعرفون بأن عندي ارتباطات وظروفاً؟
لقد تعبت من كثرة التفكير بكلام أمي، ومتضايقة جداً، حتى أني عندما أتصل عليها، لا تقول لي كلمةً طيبةً، فكل كلامها شجار في شجار، ليست كباقي الأمهات عندما يرحبون ببناتهم: (هلا ببنيتي هلا بحبيبتي)، فالوالدة -هداها الله- كلما تتصل تخاصمني.
وهل لديكم أرقاماً أو بريداً الكترونياً يمكنني التواصل عليه غير الموقع؟
شكراً، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا الاهتمام والحرص على بر الوالدة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقك برها، وأن يعين الوالدة على الخير، وأن يستخدمنا جميعًا فيما يُرضيه.
وأرجو أن تعلمي أن هذا دليل على مكانتك الغالية والعالية عند الوالدة التي ينبغي أن تتفهم فعلاً أن الوضع تغير، ومع ذلك فنحن ندعوك إلى أن تجتهدي قدر المستطاع في الاهتمام بالوالدة والسؤال عنها ورعايتها، وبذل الهدايا، والطعام الجيد تصحبينه معك عند زيارتها، هذه الأمور البسيطة -إن شاء الله تعالى– أنت تؤجرين عليها عند الله تبارك وتعالى إذا كان في استطاعتك.
وأرجو ألا تتضايقي من هذا الكلام؛ لأنه يدل على شيء واحد أنها تحبك، وأنها تغار على هذا الزوج الذي جاء فأخذ منها فلذة كبدها، وهذا كثير عند كثير من الأمهات التي تعبت وربّت، فهي تغار على زوجة ابنها، وتغار على بنتها من زوجها، وتريد أن يضاعف الاهتمام.
وحقيقةً ندعو الشباب والفتيات عندما يتزوجون أن يضاعفوا الاهتمام ولو بالكلام، ولو بالسؤال عن آبائهم وأمهاتهم، حتى لا يشعروا بأن البساط سُحب من تحتهم، ومع أننا نؤكد لك من الناحية الشرعية أن أولى الناس بالمرأة زوجها، وأولى الناس بالزوج أمه، فالرجل يُطيع الأم ويجتهد فيها، وكذلك البنت أيضًا، لكن حق الزوج مقدم على حق الأم، وأرجو أن يكون الزوج أيضًا متفهماً للوضع، ليس من الضروري بأن تكلميه بهذه التفاصيل، ولكن أرجو أن يكون عونًا لك على البر والاهتمام بالوالدة والسؤال عنها.
ومهما كانت الردود التي تأتيك من الوالدة فيها جفاف أو فيها جفوة ينبغي أن تتحملي لأنك مأجورة، ولأنك تنالين حسنات على صبرك على الوالدة، وعلى إحسانك لها، وعلى اهتمامك بها، ومهما كان هذا الكلام من الوالدة فأنت لا ينبغي أن تقصري، بل ندعوك إلى أن تزيدي من الاهتمام وتحتسبي الأجر عند الله تبارك وتعالى.
ولستُ أدري هل للوالدة بنات أخريات أم أنك الوحيدة، أم أنت الكبيرة، أم أنت المحبوبة التي كنت تدللين الوالدة، والآن هي فقدت هذه الأشياء؟! غالبًا هناك سبب لهذا الذي يحدث من الوالدة، ولكن في كل الأحوال أنت -إن شاء الله تعالى– على خير، وهذا السؤال يدل على أنك تهتمين لهذا الجانب، ولكن نريد ألا تغتمي لكلامها، الاهتمام مطلوب، لكن الحزن والتأثر وإعطاء الموضوع أكثر من حجمه، هذا الذي لا نريده.
فنحن نتمنى أن تزيدي من البر والاهتمام والإحسان للوالدة، وتصبري على كلامها، حتى إن قالت هذا الكلام فقولي: (أبشري يا والدة -إن شاء الله–، أنا عندي ظروف، لكن عندما يتحسن الوضع، وأنا والله أتمنى أن أكون عند رجليك، وأقبل هذه الأقدام، أنت غالية عندي وعزيزة) ولو بهذا الكلام الجميل.
ولا أظن أن هناك صعوبة عندما تزورين الوالدة أن يكون معك بعض الطعام الجميل وبعض الهدايا الطيبة، وإن كانت قليلة القيمة، فإنها ستشعر هذه الوالدة أن مكانتها محفوظة، وأن منزلتها عندك محفوظة، وأنت تؤجرين على هذا العمل وإن كان قليلاً، وهذا هو الذي نريده.
فإذن لا تفكري في الكلام، واعتبري هذا الوضع طبيعياً، ويوجد نماذج من الأمهات بهذه الطريقة، وأنت أعرف الناس بأمك أيضًا، ولكن ربما هذا شيء جديد عليك، لكن ليس جديدًا علينا، فتمر علينا استشارات كثيرة، فالوضع طبيعي، وليس هنالك داعي لأن تقولي (زوجتموني، ليش كذا) الأصل أن المرأة تتزوج، وإذا ما تكلمت الوالدة فنحن ندعوك إلى زيادة الاهتمام بالزوج وطاعة الزوج وأن أمره مقدم، لكن ليس معنى ذلك أن تُهمل الوالدة، خاصة إذا كان الزوج يتيح لك هذه الفرص، خاصة إذا كان هناك ساعات طويلة تجلسين وحدك وزوجك غير موجود، فهذا الوقت تعطين الوالدة منه جزءًا للسؤال عن أحوالها.
وإذا كان عندك أموال – ولله الحمد – أو زوجك ميسور الحال فلا تقصري في مساعدتها وتقديم ما تحتاجه حتى لو كانت غنية، فإن الوالد – والوالدة – له قيمة كبيرة للدرهم والدينار والهدية والطعام الذي يأتيه من الأبناء والبنات، وهذا طبعًا فيه جوانب نفسية لا تخفى على أمثالك، فنسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يرزقك بر والدتك، وهوني على نفسك.
ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها {لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها}، فأدي ما عليك ولا تبالي بما يحدث بعد ذلك من هذه الوالدة؛ لأنك إذا أديت ما عليك فإنك مطيعة لله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى بعد أن قال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} يأتي قوله تعالى بعد ذلك: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من البر والإحسان والرغبة في الخير، والحب للآباء والأمهات {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا}.
وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بطاعة الزوج، ثم بالاهتمام بالوالدة، ثم بالصبر على كلامها، ثم باستقبالها بالكلام الجيد، ثم بالسؤال عنها ومساعدتها بقدر ما تستطيعين، وحمل التُحف والطعام الجيد والأشياء الطيبة التي تحبها الوالدة لها، إذا كان ذلك في استطاعتك، وإذا لم يكن هذا في استطاعة الزوج، فيكفي الكلمة الجميلة والألفاظ الجميلة، وإظهار الاهتمام، مهما كان الرد من الوالدة فإنك تؤجرين على هذا العمل.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ونكرر شكرنا لك على هذا التواصل بالموقع، ونحن في خدمة أبنائنا والفتيات، ونسأل الله أن يرزقك بر الوالدة، وأن يلهمك السداد والرشاد.