السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة جامعية أدرس بكلية الطب، عمري 21 سنة، أحاول أن أدرس وأعمل بجد واجتهاد، حتى أحصل على معدل عال يساعدني في اختيار التخصص المناسب عند التخرج وأصبح طبيبة مُسخرة من رب العباد، لمساعدة الناس ومداواتهم والتخفيف عنهم، لكنني أعاني من مشاكل بسيطة تعوقني عن التقدم دراسياً، وحاولت حلها وتجاوزها ولكن صعب عليّ ذلك:
– أتشتت بشكل كبير مع ملهيات وأمور ومشاكل الحياة، وأشعر بعدم الرغبة في المذاكرة والعمل، عندما لا أكون بمزاج جيد، بسبب مشاكل عائلية أو اجتماعية أو شخصية، فكيف أستطيع الفصل بين مشاكل الحياة وبين الدراسة، حتى لا تعوقني عن الاستذكار والتقدم الدراسي؟
– توفي والدي -رحمة الله عليه- منذ عدة سنين، وأصبحت أمي تشعر بالوحدة يومياً، وهي لا تخرج من المنزل كثيراً، فكلما فرغت نفسي للاستذكار، طرقت باب غرفتي طالبةً مني أن أجلس معها، لأنها تشعر بالملل، فإذا جلست معها ضاع بعض وقت الاستذكار، وإذا اعتذرت منها أشعر بالسوء على تركها، ولا أستطيع التركيز في مذاكرتي لانشغال عقلي بها، وإذا حاولت أن أجلس معها، وأذاكر في الوقت ذاته أفقد تركيزي، لأنها تحب أن نتبادل الأحاديث، أو لوجود إخوتي وتحدثهم معها، ودخولهم وخروجهم من غرفتها بشكل مستمر، فأشعر بالتشتت بسبب ذلك، فكيف أوافق بين قضاء وقتي معها وبين الدراسة؟
– عندما أرى زملائي وزميلاتي يتفوقون عليّ دراسياً أشعر أنني فاشلة مقارنة بهم، وتثبط عزيمتي وتقل ثقتي بنفسي بشكل كبير، وأشعر بالإحباط واليأس والحزن، والقلق والتوتر من المستقبل، وأعلم أن هذا التفكير خاطىء جداً، ولكنني أشعر بصعوبة في التخلص منه، وأحياناً أتلقى بعض السخرية من الزميلات عندما يقارنون نتائجهم العالية بنتائجي المتوسطة، فأحزن كثيراً من سخريتهم وانتقاصهم لي، فكيف أتغلب على هذه العقبات حتى أتقدم دراسياً؟
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
– بارك الله فيك -أختي العزيزة-، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وحرصك على تحري الشرع في معالجة مشكلاتك الدينية والاجتماعية وغيرها, كما أشكر لك حرصك على النجاح والتميز في دراستك، وقصد نفع المرضى والمحتاجين وبرك بوالدتك، ومراعاتك لنفسيتها ومشاعرها، سائلاً الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، وييسر أمرك ويقوي عزيمتك, ويرزقك التوفيق والسداد والنجاح في أمورك عامة.
– من الجميل أن تشعري -حفظك الله- بالضيق والقلق من تأخر مستواك الدراسي, وأن تدركي مواطن الخلل والضعف والقصور في شخصيتك, وهذا يشكّل بداية الحل -بإذن الله- إلا وبصدد المشكلات التي تعانيها, فيجب عليك أولاً بصدد مواجهتها.
– عدم المبالغة في القلق والشعور بالضعف، واليأس والقنوط من التغلب على جوانب الضعف والمشكلات, وضرورة التحلي بحسن الظن بالله تعالى والثقة به, وتنمية الإيمان بملازمة الطاعات والأذكار وقراءة القرآن, حيث لا يخفى ما لذلك من أثر حسن في استمداد عون وتوفيق الرحمن, والشعور بالراحة والاطمئنان وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان, لقوله تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، وقال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وقال -جل شأنه-: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
– كما ينبغي بصدد تعزيز الثقة بنفسك والنجاح والإحساس بالفاعلية, بل والتميز أيضاً, الحذر من وساوس توهم عدم القدرة على النجاح, فإن استرجاع الثقة والطاقة والحيوية والمستوى الدراسي، والإقبال على مصالح الحياة بثقة وتفاؤل، وطموح وأمل يحتاج لعوامل التحلّي بالشجاعة ومرور الزمن وتعزيز الثقة فحسب (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين), وأن تطرح مخاوفك جانباً, وتتغلب على شكوكك وتطرد الأفكار السلبية وتصفي ذهنك وتتحرر من القلق والشعور بالضعف, والدخول في تنافس مع نفسك ومع غيرك فاستعيني بربك وتوكلي عليه، وتيقّني بقدرتك على النجاح وتحقيق غاياتك وأهدافك النبيلة والجميلة, وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
– وبصدد توفر المشكلات العائلية في حياتك, فمن الواجب ضرورة التفهم لهذه المشكلات, وعدم الهروب منها, وإدراك أن الحياة الدنيا طُبعت على المشكلات عامة ومنها الأسرية والاجتماعية, والإخفاق في بعض جوانب الحياة, فلا تبالغي في الانشغال بها, ولا تترددي في مواجهتها بهدوء وحكمة, أو تمتنعي من الاستعانة بمن تأنسين منهم الحكمة من أصدقائك أو أقاربك في مساعدتك بمواجهة هذه المشكلات.
– ضرورة التكيف والتعايش والتعامل معها, ومواجهتها ما أمكن, فلا تصدنا التحديات والأزمات والمشكلات على الاستمتاع بمباهج الحياة والشعور بالراحة والسعادة, والعزم والحزم والإرادة في تجاوز هذه التحديات, بل تزيدنا إصراراً وقوة وتصميماً على تخطيها وعدم الالتفات إليها, فالأبطال الحقيقيون على مدى التأريخ كثيراً منهم عاشوا وعانوا ظروفاً قاسية من خذلان القريب والبعيد وفقد الوالدين أو البصر، أو الصحة والمال ونحوها, ثم لم يصدهم ذلك على التميز, ولك أسوة حسنة في نبينا محمد وعموم سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
– لزوم الصحبة الطيبة والعاقلة, التي تعينك وتساندك في أهدافك الطموحة والكريمة, كما ورد في الحديث الصحيح المشهور: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل), مما يستدعي ضرورة البعد عن أصدقاء السوء والكسل, والحزم في التعامل مع وسائل الملهيات والشواغل.
– التحلي باللباقة مع والدتك, والتوازن والاعتدال في الجلوس معها, والمصارحة بهدوء ولطف ورفق معها ببيان أهمية المذاكرة ومنافعها في الحاضر والمستقبل وعلى النفس والأسرة وفي الدنيا والآخرة, وطلب الدعاء منها.
– اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, متحيّناً أوقات الإجابة, حيث قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)، (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ).
– أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بما يحب ويرضى, ويسعدك في الآخرة والأولى, ويلهمك الصبر والثبات والحكمة والتوفيق والسداد والصواب والرشاد, والله الموفق والمستعان.