السؤال
السلام عليكم.
أعاني من اضطراب وجداني ثنائي القطب حسب تشخيص الأطباء، قبل 6 سنوات كانت أول نوبة هوس مع ذهان متوسط، ونشاط مفرط، وعصبية شديدة، وأكلم نفسي.
استمرت هذه النوبة أربعة أشهر تمامًا، وشفيت منها بدون أدوية، ثم دخلت في اكتئاب حاد استمر لسنتين، ومن أعراضها: تبلد ذهني شديد، خمول، نوم، عدم القدرة على التركيز أو التفكير بأي موضوع صغير، أو القيام بأي عمل، ضيق، قلق، حزن، وانعزال عن الناس.
بعد هذه الفترة دخلت في نوبة هوس شبيهة بالسابقة، وبنفس الفترة، ولكن أقل حدةً من السابقة، وشفيت، ثم دخلت نوبة اكتئاب حاد لمدة سنتين بنفس أعراض الاكتئاب في النوبة الأولى، ولكن يميزها أنها تستقر في بعض الأيام، وتمكنت من العمل قليلاً.
بعدها تعرضت لضغوطات، مما أدى إلى دخولي في نوبة هوس، مع أعراض فصامية، ومختلطة، استمرت هذه النوبة سنةً كاملةً، وكانت هذه شبيهةً بالجنون، مع أعراض اكتئاب، وفترات فرح، وهكذا.
بعدها دخلت في نوبة اكتئاب منذ سنة ونصف وحتى الآن، شديدة جدًا، وأقوى من سابقتها، لدرجة أني لا أستطيع أن آكل أو أصلي إلا بصعوبة جدًا.
استخدمت أدويةً كثيرةً في الفترات السابقة، في فترات الاكتئاب فقط، وهي مضادات اكتئاب، ومثبتات مزاج، ومضادات الفصام، وكنت أتحسن في بداية الاستخدام فقط في أول خمسة أيام.
ذهبت للطبيب، وأخذت شهرًا أتنقل من مجموعة إلى مجموعة أخرى، أتحسن في البداية، وأرجع للاكتئاب، وهكذا.
حاليًا ذهبت لطبيب وصف لي الليثيوم 600 ملجم مرةً في اليوم، والإفكسور75 مرةً، والايستالوبرام 10 ملجم، ومنذ شهر وحتى الآن لم أجد أي تحسن، فماذا تقترح أن أضيف؟ وما هو بديل الليثيوم؟ أريد الخروج من هذه النوبة وهذا العذاب.
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أخي: بالفعل حالتك من الواضح أنها اضطراب وجداني ثنائي القطبية، وكما تفضلت وذكرت تكاثرت عليك النوبات، والهفوات، والانتكاسات بصورة واضحة جدًّا، وقولي هذا يجب ألَّا يكون مزعجًا لك، هي حقيقة علمية أريدك أن تُدركها حتى تتحوط في المستقبل.
الهدف من علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هو: ألَّا تحدث هفوات ولا انتكاسات؛ لأن حدوث هذه الانتكاسات بصورة متكررة -مثلاً إذا حدثت انتكاسة ثلاث مرات في السنة أو أكثر- قد يجعل المرض مرضًا مزمنًا ومُطبقًا، وينتقل الإنسان لمرحلة ما نُسميه بالباب الدوّار، أي أنه يدخل في نوبة ويخرج منها، ثم يدخل في أخرى، وهكذا، ولا نريد لك هذا -أيها الفاضل الكريم-.
وطبعًا علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب هو علاجٌ دوائي في المقام الأول، لكن التأهيل الاجتماعي، والتأهيل الإسلامي، والتأهيل عن طريق العمل، وحُسن إدارة الوقت، وممارسة الرياضة، والقراءة، والاطلاع، والترفيه عن النفس بما هو طيب وجميل؛ أيضًا متطلبات علاجية.
أخي الكريم: يُعتبر الـ (ليثيوم Lithium) هو سيد الأدوية حقيقةً، حتى وإن كان بطيئًا في فعاليته، لكن أنا أنصحك ألَّا تتوقف عنه، وتحتاج قطعًا إلى أن ترفع الجرعة إلى (800 ملغ) على الأقل، (600 ملغ) جرعة صغيرة نسبيًّا، وطبعًا الليثيوم يتحكم في جرعته من خلال قياسه في الدم، لكن في بعض الأماكن قد لا يتيسّر قياس الدم في جميع الحالات، ولذا أنا أقول لك: (800 ملغ) جرعة معقولة جدًّا.
وحقيقةً أنا منهجي لا أنصح بمضادات الاكتئاب في مثل حالتك هذه؛ لأن مضادات الاكتئاب -حتى وإن كان قطب الاكتئاب قطبًا شديدًا ومُطبقًا- قد لا تُساعد الإنسان على المدى البعيد، بل قد تحوّله إلى ظاهرة الباب الدوّار.
أقول هذا مع الاحترام والتقدير طبعًا للطبيب، أيضًا منهجه صحيح، أنا لا أقول أن مضادات الاكتئاب ممنوعة تمامًا، لا، نستعملها في بعض الأحيان، لكن الدواء الأفضل هو الـ (سيروكسات Seroxat/ الباروكستين Paroxetine)، أو هناك دواء آخر يُعرف باسم (بوبروبيون Bupropion)، ويُسمَى تجاريًا (ويلبيوترين)، كلا الدوائين لا يدفعان الإنسان نحو قطب الهوس، يُعالجان الاكتئاب لكن لا يدفعان الإنسان نحو قطب الهوس، فيمكن أن تُشاور طبيبك الكريم حول أحد هذين الدوائين، وإن وافق ينقلك إلى أحدهما، ويمكنك أن تتوقف عن تناول الـ (إفيكسور Efexor) والـ (اسيتالوبرام Escitalopram).
بجانب الليثيوم العلاج الأساسي الآخر هو الـ (لاموتريجين Lamotrigine) والذي يُعرف باسم (لاميكتال Lamictal)، نعم هذا من أفضل مثبتات المزاج، خاصة إذا كان قطب الاكتئاب هو القطب الأقوى أو المتمكّن.
واللاموترجين دواء فاعل، ودواء سليم، لكنّه بطيء الفعالية، يتطلب أن يصبر الإنسان عليه، كما أن الجرعة يجب أن تُبنى بالتدريج، وهذا أمرٌ معروف لدى الأطباء النفسيين، فالإنسان يبدأ بجرعة صغيرة (25 ملغ) ثم تُرفع الجرعة تدريجيًّا، والجرعة المثالية في حالتك سوف تكون (100 ملغ) صباحًا، و(100 ملغ) مساءً، علمًا بأن بعض الناس يحتاجون إلى (300 ملغ) في اليوم من اللاموترجين.
اللاموترجين إذا أدَّى إلى أثر جانبي واحد –وهو الحساسية الجلدية– في هذه الحالة يجب أن يتمّ التوقف عنه، وهذا نادرًا ما يحدث، لكن إذا حدث هذا العرض يجب ألَّا يستمر الإنسان على تناول هذا الدواء، لأن ظهور الحساسية قد يُؤدي إلى ملازمة مرضية تُسمَّى (متلازمة ستيفنز جونسون/ Stevens–Johnson syndrome)، وهذه تُعتبر من الأمراض الشديدة، هذا نادر الحدوث، لكنه تحوّط طبي لا بد أن نذكره في هذه الاستشارات حتى تكون مكتملة.
في حالة ظهور أي أعراض ذهانية طبعًا تناول عقار (أريبيبرازول Aripiprazole)، والذي يُعرف باسم (أبليفاي Abilify)، يُعتبر دواءً مثاليًّا، وإذا كانت هناك اضطرابات في النوم يُعتبر الـ (كويتيابين Quetiapine)، والذي يُسمَّى (سيروكويل Seroquel) هو الأفضل.
أخي الكريم: هذه هي نصيحتي لك، وأنا متأكد أن الطبيب -الفاضل- سوف يُوافق عليها، واجعل حياتك أيضًا مُفعمة بالأمل، مع إيجابية الشعور والأفكار والأفعال، والالتزام القاطع بتناول الأدوية، ويجب أن تصبر عليها.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.