السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مخطوبة لشخص بدأ يعاني من الخوف منذ اليوم الأول من الخطبة، فهو بدأ يخاف من السباحة مع أنه كان يسبح قبل ذلك، وبدأ يخاف من دخول المراكز التجارية الكبيرة، ويخاف حتى من العملية الجنسية نفسها، ودائماً أسمعه يردد جملة: أخاف أني ما أستمتع، حتى إن الأمور وصلت معه إلى حد التقيؤ والتعب الجسدي الدائم، حتى إنه أجل موعد الزفاف مرتين، كما أنه بدأ مؤخراً بترديد جملة: أنا لا أريد الزواج إطلاقاً، وعندما أقول له: لماذا خطبتني إذن؟ فلا يجد جواباً.
وأنا الآن أتساءل: هل أستمر معه؟ علماً بأنه يطلب مني باستمرار أن أتركه حتى يرتاح، وقد قمت مؤخراً بإخباره أنني بالفعل لا أريد الزواج منه وهو بهذه الحالة، إلا أنه لم يقم باتخاذ أي إجراء، وكلما أسمع المخاوف التي يرددها أتساءل: هل هي مخاوف عادية وستزول مع الزواج أم أنها مرض نفسي سيستمر معه حتى بعد الزواج وسيصعب الحياة معها؟! وهل هناك طريقة للتمييز؟!
وبعبارة أخرى: ما الفرق بين الخوف العادي والمرض النفسي؟ وكيف يمكن للإنسان أن يميز بينهما؟!
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالفرق بين الخوف العادي والمرض النفسي هو أمر نسبي، فالخوف العادي يعتبر نوعا من الدفاعات النفسية المطلوبة، أي أن يشعر الإنسان بأنه خائف أو قلق إذا كان الموقف يتطلب هذا الخوف، بشرط أن لا يكون الخوف معيقاً، وبشرط أن يرفع الخوف من درجة يقظته وانتباهه ويحسن من أدائه لمواجهة الموقف.
ونحن نقول: إن الخوف والقلق وحتى التوتر والوساوس بدرجة بسيطة هي مطلوبة كطاقات نفسية، وأما إذا وصل الأمر إلى مرحلة الإعاقة وأن لا يكون الإنسان فعّالاً وأن تعطله هذه الأعراض من القيام بالأشياء العادية التي يقوم بها الناس في نفس عمره ووضعه ومرحلته؛ فهذا بالطبع يعتبر نوعا من المرض النفسي أو الحالة النفسية التي تتطلب العلاج، ونحن نقول أن الأعراض المرضية مهمة، ولكن الأهم من الأعراض هي درجة الإعاقة أو درجة التعطيل التي تحدث في الإنسان ويفتقد من خلالها القدرة على القيام بواجباته الاجتماعية والعملية.
ولابد أن نعترف أن هذا الأخ يعاني من مشكلة حقيقية، ولكن الذي أود أن أشير إليه هو أن يعتقد أنه لابد أن يكون لديه بعض الأعراض المرضية منذ فترة، وأرجو أن لا يكون ذلك مصدر شك بالنسبة لك، ولكن هذه الأعراض أتت بهذا الحجم وهذه القوة الشديدة لوجود خلفية مرضية في الأصل، وعلى العموم المخاوف حتى وإن كانت موجودة مسبقاً فهي حالات يمكن علاجها، وهي لا تعتبر مرضاً عقلياً، ولا تعتر مرضاً ذهانياً معيقاً، ويمكن علاجها إذا سعى الإنسان لذلك وكان لديه الاستعداد والإرادة.
وأرجو الصبر على حالته، وأرجو إرشاده لمقابلته الطبيب النفسي، والحمد لله الأردن فيها الكثير من الإخوة الأطباء.
ثانياً: ليس من المستحسن أن يردد هذه العبارات أمامك، خاصةً عن العملية الجنسية، وبالطبع أنا لا أنصح مطلقاً أن تتركيه، فهو الآن في لحظة ضعف وفي لحظة مرض ويتطلب بالطبع المساندة منك، وكما ذكرت لك أن هذه الحالة يمكن علاجها، والمخاوف يمكن أن تختفي تماماً بعد أن يتم علاجها، لأنها في الأصل هي مكتسبة، والإنسان يستطيع أن يعيش حياة طبيعية تماماً إذا أعطى نفسه الفرصة بأن يكون فعالاً في عمله وفي تواصله الاجتماعي، وأن يشعر بقيمة ذاته وأن يواجه المخاوف ويحقرها، وأن لا يستسلم لها مطلقاً.
وهذا الأخ يمكن أن تساعده الأدوية النفسية كثيراً، بالرغم من أني ذكرت لك أنه من الأفضل أن يذهب ويقابل الطبيب، ولكن لا مانع من أن أذكر لك بعض الأدوية النفسية الفعالة جداً في هذا السياق، فهناك عقار يعرف باسم زيروكسات، وهو من الأدوية التي بحثت كثيراً وجربت على نطاق واسع واتضح أنها تعالج المخاوف بصورة جيدة، والجرعة المطلوبة في البداية هي نصف حبة عشرة مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، وفي مثل حالة هذا الأخ ترفع الجرعة بالتدريج بمعدل نصف حبة كل أسبوعين أيضاً حتى تصل إلى 40 مليجرام في اليوم – أي حبتين -، وأعتقد أنه يحتاج أن يستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يبدأ في تخفيض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهر حتى يتوقف عن تناول هذا الدواء.
ولا شك أنه يحتاج أيضاً إلى المساندة من قبلك وإلى المساندة من الأصدقاء ومن الأهل، وعليه أيضاً أن يقوي من إيمانه وأن يلتزم بعباداته وأن يتلو القرآن، ويكون له ورد يومي، وأن يحافظ على صلاة الجماعة، ويذكر الله ويدعو لنفسه، فهذه هي من مفاتيح الخير إن شاء الله، وبسببها يرفع عنه هذا البلاء بإذن الله.
أسأل الله له الشفاء والتوفيق والسداد، وأن يتم الزواج على بركة الله.
وبالله التوفيق.
انتهت إجابة الدكتور /محمد عبد العليم استشاري أمراض نفسية، ويليها إجابة المستشار الشرعي الشيخ / أحمد مجيد الهنداوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقبل الإجابة عن سؤالك: هل تستمرين مع هذا الخاطب أم لا؟ فنود الإجابة على سؤالك الأخير لأنه كالتمهيد لهذه الإجابة.. وقد سألت عن الفرق بين الخوف العادي والخوف الذي هو من جنس الأمراض النفسية وعن كيفية التمييز بينهما؟!
والجواب: أن الخوف ينقسم إلى قسمين:
1- خوف راجع إلى طبيعة الإنسان الفطرية، بحيث يكون الخوف غريزة طبيعية موجودة في طبع الإنسان، وهذا هو الخوف الطبيعي، ولذلك فإن هذا الخوف يوجد في عامة البشر الصالحين منهم حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، كما قال تعالى عن نبيه موسى: (( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ))[الشعراء:21]، وقال تعالى على لسانه: (( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ))[القصص:33]، فهذا النوع خوف جبلي طبيعي وهو من حكمة الخالق جل وعلا؛ لأن الخوف في هذه الحالة يبعث على التيقظ والفطنة والاحتراز واتخاذ الأسباب التي تدفع الشر والضرر عن النفس كالخوف من الحيوان المفترس والخوف من الظلام والأماكن الموحشة ونحو ذلك من الأمور المعروفة.
2- خوف مرضي يرجع إلى طائفة الأمراض النفسية العصابية، وهذا يكون تارة بصورة واضحة وتارة أخرى بصورة خفية، فمن الصور الواضحة أن يخاف الإنسان من الدخول إلى الأسواق مثلاً أو من ركوب السيارة أو من مجرد الاجتماع العادي بالناس، أو الخوف من الأماكن الضيقة أو المتسعة، فمثل هذا الخوف يتجه اتجاهاً مرضيّاً وليس اتجاهاً طبيعيّاً فطريّاً.
وطريقة التفريق بين هذين النوعين ظاهرة غالبة، فأنت تلاحظين أن الخوف المرضي يتجه اتجاهاً شإذن غير مألوف، مثلاً ليس طبيعيّاً أن يخاف الرجل من دخول المراكز التجارية الكبيرة، وليس طبيعيّاً أن يخاف من الزواج إلى درجة تحمله على التقيؤ والتعب الجسدي الدائم حتى يؤجل موعد الزفاف مرتين أو يطلب الفراق من مخطوبته بسبب هذا الخوف.
فمثل هذه التصرفات تدل على وجود خوف راجع إلى مرض نفسي، فاستبان بذلك أن الفرق يكون بالقياس العام الذي يدرك بأدنى انتباه وتأمل، فما يعتاده البشر من الخوف بحسب طباعهم المركوزة فيهم فهذا من الخوف الطبيعي.
وأما الصور الشاذة من الخوف – كما أشرنا – فهذا النوع مرده إلى الخوف المرضي الذي هو راجع في الأصل إلى قلق نفسي مرضي أيضاً.
إذا علم هذا فإن هذه الحالة التي أصابت خاطبك هي راجعة إلى الخوف المرضي النفسي، فإن لديه رهبة زائدة عن الحد المعتدل، وهذا يدل على أن لديه قلقاً نفسيّاً أدى به إلى هذه الحال، غير أننا نود أولاً أن تنظري قبل البحث في علاج هذا الشاب إلى أمر هو أوكد من ذلك وأعظم وهو: هل هذا الشاب صالح في دينه وفي خلقه؟
فإن كان صالحا فيه دينه وخلقه فهذا الشاب ممن ينبغي أن يُحرص عليه، وإن كان مختلاً في دينه أو في خلقه فهذا لابد من تركه سواء كان لديه هذه الأمراض أو كان خاليّاً منها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي.
ومع هذا فنود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية مجيبة على هذه الأسئلة:
1- ما هو مستوى صلاح هذا الخاطب في دينه وخلقه؟
2- هل هذه الحالة التي أصابته مخالفة لما عرف عنه من الطبيعة قبل أن يخطبك أم أنه كان في الأصل شاباً خجولاً رقيقاً حساساً؟
3- هل يوجد لدى هذا الخاطب أحلام مزعجة يراها ويتكرر معه؟
4- هل ينفر من مجرد رؤيتك مع حرصه عليك قبل خطبتك؟
5- هل ينفر من سماع القرآن والصلاة ونحو ذلك؟
6- هل لديه أعراض مصاحبة لهذه الحالة كبرودة الأطراف والزيادة في معدل ضربات القلب واصفرار ( شحوب ) الوجه، ونحوها من الأعراض؟
7- هل جالست أهله واستفهمت عن سبب هذه الحالة؟ وماذا أخبروك عنه؟
فنود أن تعيدي الكتابة إلينا عاجلاً لتجدي الجواب العاجل بإذن الله تعالى، ولو تكرمت بالإشارة إلى رقم هذه الاستشارة، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد وأن يفرج كربكم وأن يزيل همكم.
وبالله التوفيق.