استشارات اجتماعية

المرأة العاملة .. بين حقوق الزوج وحقوق الأهل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إني متزوج منذ 4 سنوات ولدي طفلة عمرها سنتان، وهذه الزوجة العنيدة لا تطيع إلا أمها وأختها وتكلفني فوق طاقتي رغم أنها تعمل في القطاع الخاص وتعطي راتبها لأمها وأخواتها بحيث تمنعني من مساعدة أمي مادياً بحجة أن أخي ميسور، وتطلب مني أيضاً هذه الزوجة العنيدة أن أقوم بجميع أعمال البيت بغسل الأواني وتنظيف الملابس، وإذا رفضت طلباتها هجرت البيت بدون إذني؟ لأن لديها حماية من طرف أمها وأختها !

أفتوني ماذا أفعل وما حكم هذه الزوجة العنيدة؟ إنني على وشك الانفجار أو أصاب -لا قدر الله- بمرض السكر.

ولكم جزيل الشكر .. والسلام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنك قد وصفت زوجتك بأوصاف عديدة، فالوصف الذي تكرر منك أكثر من مرة هو أنها (عنيدة) فهذا أول وصف.

والثاني: هو أنها موظفة في قطاع خاص وتعطي راتبها كاملاً لأمها ولأخواتها.

والثالث: أنها تمنعك من مساعدة أمك مادياً بحكم أن أخاك ميسور الحال ويمكنه المساعدة.

والرابع: أنها تطلب منك أن تقوم بجميع أعمال البيت مما في ذلك غسل الأواني وتنظيف الملابس.

والخامس: أنك إذا امتنعت عن تلبية طلباتها في أمور البيت والتنظيف ونحوها فإنها تهجر البيت بدون إذنك، فهذه جملة أوصاف زوجتك، والظاهر أنك متضايق غاية الضيق من هذه التصرفات وحُقَّ لك ذلك، فإذا أخذنا هذه الأوصاف بمجموعها لوجدنا أن زوجتك –عفا الله تعالى عنها– ترتكب أخطاءً في تعاملها معك.

فأولاً: لابد أن تنظر في الحقوق الشرعية التي ينبغي أن تكون لك ولها، فعملها أصلاً في وظيفة من الوظائف وخروجها من البيت هو من حقك الشرعي، فإن شئت أبقيتها في بيتها وإن شئت أذنت لها في العمل، وإذا أذنت لها في العمل فتكسبت فهذا المال الذي تكسبه من حقها الشرعي، وبمعنى آخر: أنه يصبح ملكها وليس لك فيه الحق بأن تأخذه منها.. نعم ينبغي لها أن تعاونك وينبغي أن تساعد زوجها، ولكنَّ هذا المال الذي كسبته بجهدها وعملها هو من حقها، فإن النفقة الشرعية واجبة عليك تجاهها، ولهذا كان من حقك أن تمنعها من العمل وكان من حقوقك المجمع عليها عند الأئمة الفقهاء -عليهم جميعاً رحمة الله تعالى- ألا تأذن لها بالخروج من المنزل إلى العمل إن شئت ذلك، فبهذا يحصل لك معرفة الحق الشرعي في هذا الأمر، فإذا أذنت لها فلتتحمل إذن ما قد تقوم به من إنفاق راتبها على أمها وأخواتها ونحو ذلك، وإذا شئت أبقيتها في البيت لتقوم بحقوق الزوجية التي لابد لك منها، ومن هذا أعمال البيت من تنظيف ونحوه فإن هذا من صميم عملها كزوجة وربة بيت، لاسيما إذا نظرت إلى أن كثيراً من النساء العاملات خارج بيوتهنَّ قد يصبن بالإرهاق والتعب فيحدث حينئذ أن يتذمرن ويعترضن على أعمال البيت ويطلبن المساعدة في ذلك، لكنك أشرت إلى أنها تطالب بأن تقوم أنت بجميع هذه الأعمال، فيفهم من كلامك أنها لا تريد أن تعمل أصلاً في البيت، فهذا الكلام فيه نظر وخطأ من جهتها – عفا الله تعالى عنها – فحينئذ لابد أن تبيِّن لها ما ينبغي أن تقوم به من الحقوق الزوجية، إلا إذا كنتم من بلد جرت فيه العادة أن تخدم المرأة بالخادمة التي تكون في البيت، فإن بعض البلاد يشيع فيها أن تكون المرأة غير مزاولة لهذه الأعمال ويقوم بها الخادمة، فهي في هذه الحالة ترفض العمل لما استقر من الأوضاع والأعراف القائمة، ومع هذا فإنه لابد من أن تحل هذه المشكلة معها بهدوء ورفق، وذلك بأن تبين لها أنك رجل البيت وأنك رب الأسرة وأن الله جل وعلا جعل لك القيام عليها، قال تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ))[النساء:34]

فبيَّن لها أنك أنت صاحب الحق في أن تطيعك زوجتك بالمعروف، وأصل ذلك أن تبدأ معها بداية قوية، بحيث أن تطلب منها أن تخضع لشرع الله جل وعلا، فقل لها: كل ما آتاك شرع الله جل وعلا من الحقوق فسيؤدى إليك، وكل ما آتاني شرع الله جل وعلا من الحقوق فلابد أن تؤده إليَّ، ولذلك قال تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))[البقرة:228]، وأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نعطي لكل ذي حق حقه.

فبيَّن أن الأساس الذي لابد أن تنطلقا منه هو طاعة الله جل وعلا، ثم بعد ذلك انتقل بها إلى أمر العمل، فإذا كنت يا أخي تعلم أن سبب سوء علاقتك مع زوجتك هو عملها وإعطاؤها المال لأهلك وعدم مساعدتها إياك وفوق ذلك تطلب منك ألا تساعد والدتك، وتطلب منك أن يكون جميع أعمال البيت عليك، فإذا كنت تعلم أن السبب في ذلك فأجلسها في بيتها لتقوم برعاية زوجها ورعاية طفلتها، فهذا خير ما تقوم به في هذه الحالة، وأما إن كنت تعلم أن الخلل ليس في هذا الأمر وإنما هو راجع إلى عنادها وعدم اتباعها لشرع الله جل وعلا وعدم طاعتها زوجها وعدم اكتراثها بك فالشأن شأن آخر، فحينئذ لابد أن تفرض شخصيتك عليها، فلا يحتمل بك أن تطلب منك زوجتك أن تقوم بتنظيف الأواني وتنظيف البيت وهي جالسة لا تقوم بشيء ولا تحرك بذلك حركة، فهذا ليس من شأن الرجال كما هو معلوم – بل إن هذا من صميم شأن النساء، ولذلك رجَّح كثير من أهل العلم المحققين أن المرأة عملها لزوجها من الواجبات الزوجية، وهذا هو المنصوص في مذاهب أهل العلم واختاره جمع من المحققين الأثبات – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – وهذا هو الذي ننصره، فإن المرأة ينبغي لها أن تقوم بالحقوق الزوجية ومنها رعاية زوجها وذلك بالطبخ له وتنظيف بيته وتنظيف ملابسه والقيام على شأنه بالأمر المعروف المعتاد المتداول بين النساء.

فلابد أن تفرض عليها شخصيتك ولابد أن تكون حازماً في مثل هذه الأمور ولكن أيضاً ليس مع القسوة، فحاول أن تكون واضحاً وبيِّناً في هذه الأمور، فإن طلبت منك أن تغسل الأواني فقل: ليس هذا من شأن الرجال إنه من شأن ربة البيت المؤمنة الصالحة التي تتقرب إلى الله جل وعلا بطاعة زوجها والتي تستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة) أخرجه الترمذي في سننه..

مضافاً إلى ذلك أن تكون واضحاً معها في شأن إعانة والدتك، فالأصل أنك تقوم بكفايتها وكفاية ابنتك من أمور المعيشة، ثم تعين والدتك بالمعروف بحيث تحاول أن تعطي لكل ذي حق حقه، ولا التفات إلى كلامها في إعانة والدتك طالما أنك قادر على ذلك، فهذا من حقك الشرعي، بل لا ينبغي لك أن تستمع إلى كلامها في هذه الحالة وأنت قادر على أن تنفق الإنفاق المطلوب على بيتك وعلى والدتك – حفظها الله تعالى – حتى ولو كان أخوك ميسور الحال فإنك تريد أن تصل رحمك وأن تصل والدتك وأن تبرها، فحاول يا أخي أن تكون واضحاً مع زوجتك وأن تفرض عليها شخصيتك وأن تعاملها المعاملة بالعدل والإنصاف، فلا إفراط في المزاح ولا إفراط في التدليل، ولكن هنالك وسط في المعاملة، فهنالك المحبة والمودة والرفق في موضعها، وهنالك أيضاً الحزم والوضوح وموقف رب البيت الذي يسوس أسرته في الموضع المناسب، فليس أمامك إلا بأن تبين لها هذه الأمور بجلاء ووضوح وبإرجاعها إلى شرع الله جل وعلا، ولو قدر أنها ذهبت إلى بيت أمها بغير إذنك فبين لها أنها عصت ربها بخروجها من بيت زوجها بدون إذنه وأنها ترتكب بذلك حراماً من المحرمات المتفق على تحريمها.

وأيضاً فلابد من بيان أن هذا التصرف لن ترضى عنه في المستقبل وأنها لو فعلت هذا فإنك قد تتخذ معها أسلوباً حازماً لمنعها من تكرار هذه الأعمال، فلا يحسن بك التنازل الكثير الذي يؤدي إلى هضم حقوقك، ولا يحسن بك كذلك أن تقس عليها أو أن تظلمها، بل كن وسطاً معتدلاً وخير الأمور اتباع شرع الله جل وعلا على النحو الذي أشرنا إليه.

ومن ذلك أيضاً الاستعانة بالأخوات الفاضلات صاحبات الدين والخلق ليكلمنها ولينصحنها وليعظنها وليرشدنها إلى طريق الصواب، والله يتولاكم برحمتِه ويرعاكم بكرمه، ونوصيك بالدعاء لها بأن يردها الله للحق ردّاً جميلاً، ونسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد وأن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين وأن يوفقكم لما يحب ويرضى، وأن يصلح ذات بينكم وأن يؤلف على الخير قلوبكم.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39