استشارات امراض العيون

الوقاية من حسد النفس والأقربين

السؤال

أنا أعاني من أني أحسد نفسي على أي خير يأتي إلي، فينقلب الشيء إلى ضده، فإذا قلت: الحمد لله اليوم مر النهار بسعادة أحس بضيق في صدري أو تحدث مشكلة أو أصبح مريضة، فأنا أحسد أطفالي، مع العلم أني أقول: بسم الله ما شاء الله في أول كلامي، لكن أقول مرة أخرى الصفة الحسنة في آخر كلامي من غير ما أذكر ثانياً، فإذا قلت: الحمد لله طفلي خف وتحسن؛ يمرض، وأيضاً أحسد زوجي فأقول له: لا تذكر لي شيئاً حسناً في عملك، فالكتمان مطلوب، وأنا أخاف عليه، أخاف أن أحسده، على الرغم من أن الغرباء لا أحسدهم إلا قليلاً فهم لا يعنوني، فقد كرهت هذه الصفة، هل أستكثر على نفسي النعمة؟ أفتوني ماذا أفعل؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فلا ريب أن الحسد أمر قد أثبته الله جل وعلا في كتابه العزيز وثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه في الأحاديث المستفيضة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، ولذلك أمرنا جل وعلا بأن نستعيذ من شر الحاسدين: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ))[الفلق:1-5]. وقال جل وعلا: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))[النساء:54]. وقال جل وعلا: ((وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ))[القلم:51-52]، وهذا في غير موضع من كتاب الله عز وجل، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال: (العين حق)، وخرج الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق تستنزل الحالق)، وهذه عبارة بليغة من النبي صلى الله عليه وسلم يبين فيها خطر العين، فقد بيَّن أن العين حق، أي: أن الحسد وضرر العين حقٌ ثابت، ثم بيَّن صلوات الله وسلامه عليه عظم خطرها حتى قال: (تستنزل الحالق) أي: تضر الجبل؛ فهذا أمر ثابت في كتاب الله وسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

وأيضاً فقد يحصل للإنسان أن يحسد نفسه، فإن الحسد إنما يقع من تكيف النفس بصورة ليست محمودة تجعل الإنسان يوقع الأذى بالناس بتقدير الله وإذنه، وقد يحصل هذا من النفس، ولذلك أرشدنا جل وعلا إلى أن نذكره عند إعجابنا بأموالنا أو بأولادنا أو أنفسنا؛ كما قال جل وعلا: ((وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ))[الكهف:39]. وكذلك أمرنا – صلوات الله وسلامه عليه – أن إذا أعجبنا شيء أن نبرك عليه، فهذا يشمل جميع الأشياء التي تعجب الإنسان سواء كانت من نفسه أو من غيره.

ومع هذا فإن الظاهر أن هنالك مبالغة بيِّنة في ظنِّك بنفسك أنك تحسدين أهلك أو تحسدين ولدك أو تحسدين زوجك، فالمبالغة ظاهرة في هذا، ولست كما تظنين بنفسك، فإن العبد المؤمن إذا ذكر الله جل وعلا، كأن يقول: ولدي قد شُفي والحمد لله أو ما شاء الله؛ فإنه مجرد أن يذكر الله جل وعلا يكون قد أدى المطلوب، بل لو قال: الحمد لله لكفى ذلك، فكيف إذا أضاف إلى ذلك أن يقول: ما شاء الله، أو لا قوة إلا بالله، أو يقول: بارك الله لك، أو نحو ذلك من الأدعية المشروعة؟

فإن قلت: فلعلي أذكره بعد ذلك بجملة فلا أذكر الله، فالجواب: لا التفات إلى هذا، فإن الله جل وعلا لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمتى ما وجد ذكر الله جل وعلا بالتبريك كأن تقولي: قد شفي ولدي بارك الله له أو فيه، أو ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ونحو هذه العبارات، فقد حصل المقصود، حتى لو نطقت بعبارة أخرى بعدها، فلا تلتفتي إلى هذا المعنى.

وها هنا أمر عظيم نود أن تلتفتي إليه: فإياك أن تجعلي زوجك يشعر ويستقر في نفسه أنك تحسدينه أو تقومي بما أشرت إليه بأن يكتم عنك فضله وخيره وما يصيبه من خير، فإن هذا -يا أختي- قد يجعله يستقر في نفسه أنك تحسدينه، وربما ألقى الشيطان في نفسه أنك تكرهينه وتبغضينه ولا تحبين له الخير، فإن كثيراً من الناس يظن أن كل حسد يقع إنما يقع عن بغض، وهذا خطأ فادح، بل إن الإنسان قد يحسد نفسه، ومن المعلوم أنه يحب لها الخير، ولكن السبب هو تكيف النفس بصورة غير حسنة فيقع الحسد -بإذن الله عز وجل- فأنت لديك مبالغة ظاهرة في هذا، وإن قيل: إن لديك وسوسة بحيث تظنين نفسك أنك تحسدين نفسك وأهلك وولدك لما بعد ذلك، فلا تظني بنفسك هذا الظن، والحذر الحذر من أن تجعلي هذا يستقر في نفس زوجك، بل بيِّني له هذا الجواب كما ترينه الآن واعرضي عليه السؤال مع الجواب ليعرف حقيقة الأمر وليعلم أن الذي لديك إنما هو مجرد وسوسة.

فإن قلت: فإنني قد يكون اليوم قد مر بخير ويحصل بعد ذلك شيء من الأمور المحزنة التي لا أحبها؟ فالجواب: ومن منَّا لا يسلم من هذا؟! ومن منا لا يقول: قد حصل لي الخير كذا وكذا ثم يحصل له بعد ذلك ما يسوؤه، وهذه الدنيا قلاَّبة تتقلب بين الخير والشر؛ وقال تعالى: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ))[الأنبياء:35]، ولابد أن تتذكري أن المؤمن متى ما حصن نفسه بالأذكار المشروعة كأذكار الصباح والمساء والرقية فإنه لا سبيل للحسد إليه بإذن الله عز وجل، فكوني على بينة من ذلك، ولا تكثري من قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله أو بارك الله لكم أمام الناس بصورة ظاهرة حتى لا يظن بك أيضاً أنك تحسدين، ولكن اذكريها مرة واحدة إذا اقتضى الأمر وفي الوقت المناسب، وإن احتجت إلى تكرارها فكرريها في نفسك؛ بل الأفضل ألا تنطقي بها بشفتيك حتى لا يلتفت إلى ذلك في حضرة الناس، فانتبهي لذلك يا أختي، ولتهدئي نفساً ولتقري عيناً فإنك لست بالحسادة -بإذن الله عز وجل– والدليل على ذلك: أنك لا تجدين أثر ذلك ظاهراً في تعاملك مع الناس، فالحاصل أن لديك وسوسة في هذا، ومن شدة حبك لأهلك ولزوجك ولولدك يقع لك مثل هذا الخوف مع تكرر بعض الموافقات التي قد تحصل بتقدير من الله جل وعلا فتؤصل الأمر في نفسك، فانتبهي لهذا المعنى وخذي نفسك بالحزم ولا تسترسلي معها، ولا تجعلي في نفسك أنك حسَّادة ونحو ذلك فيصيبك الهم والحزن لأجل هذا وتجدين قلقاً بالغاً من ذلك، بحيث إن حصلت لك نعمة فبدل أن تفرحي بها وتحمدي الله عز وجل تكونين منغصة أنك سوف تحسدين نفسك عليها وأنها ستزول منك فيقع لك الهم والحزن، وهذا سبيل الشيطان الذي يريده، ولعله ما قصد إلا هذا وهو التنغيص عليك وإحزانك وعدم استبشارك برحمة الله؛ قال تعالى: ((لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ))[المجادلة:10].

فعليك بحسن التوكل على الله، وعليك بالأخذ بما قد علمت من شرع الله عز وجل، فهذا خير ما تدفعين به هذا الأمر عن نفسك، بل وكما أشرنا نود أن تغيري هذه الفكرة من نفس زوجك، ولا مانع من إطلاعه على هذا السؤال مع هذا الجواب؛ ليستقر في نفسه -حفظه الله تعالى ورعاه– حقيقة الأمر الذي تخافين أن يقع من نفسك، فهذا هو خير ما تقومين به، والله يتولاك برحمتهِ ويرعاك بكرمه، وأهلاً وسهلاً بك وبمراسلتك إلى الشبكة الإسلامية التي ترحب بك على الدوام، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحب ويرضى.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 53