استشارات اجتماعية

تأخر الزواج.. عقاب أم ابتلاء؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا فتاة عمري (26) عاماً، ولقد تعبت من انتظار العريس، وفي كل يوم أسمع أن صديقة لي أو إحدى قريباتنا أو جيراننا قد خطبت، وأما نحن فجالسون في البيت لا يطرق بابنا أحد، وأنا خائفة أن أرتبط بعلاقة مع شاب لأني أعرف أنها حرام، والمشكلة أن أغلب الذين أعرفهم تزوجوا عن طريق علاقات مع الشباب، وفيهم من تزوجوا عبر الإنترنت.

وعندما أخبرهم أني لا أؤيد العلاقات عبر الإنترنت فإنهم يضحكون علي، وقد من الله علي بجمال لا بأس به، وكذلك تعليم ودين، وأحمد الله وأشكره دائماً، وهناك أناس يقولون إني معمول لي سحر أو ما شابه، لكن هذه الأشياء لا أصدقها، وقد تعبت وأخاف من هاجس العنوسة، ودائماً أبكي عندما أرى أماً مع طفلها وأدعو ربي أن يكرمني مثلها.

وأعتبر نفسي أني كبرت، وهاجس الأمومة يراودني، وصديقاتي المتزوجات ينظرن إلي نظرة شفقة ويقولون: كيف تكون بنت مثلك مال وجاه وتعليم وغير متزوجة!!، وقد مللت من كلامهم ونظراتهم، فهل هذا عقاب من الله علي؟!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه الكلمات التي وصفت فيها حالك ووصفت فيها ما تمرين به لاسيما في هذه الأوقات لتنطق بوضوح وتدل دلالة ظاهرة على عميق الألم الذي يعتصر قلبك، إنها تدل على مدى الهم والغم الذي يعتريك، ومدى الضيق الذي تجدينه في صدرك، إنك تعانين معاناة تتعلق بأمور عديدة، فهناك الفطرة التي تنادي من داخلك لتكوني أمّاً تحضن أطفالها فتشبع ما لديها من عاطفة صادقة قد فطرها الله تعالى عليها، وهناك ما ركبه الله تعالى فيك من الميل إلى الزوج الحبيب الذي تشعرين معه بالسعادة والأنس والطمأنينة، وهناك تلك السمة التي في نفس كل امرأة سوية في أن تكون داخل مملكتها الصغيرة في بيتها، ترتبه وتعتني به وتنتظر زوجها ليقدم إليها فتحضنه وتجلس وتطعمه وتسعد معه، وهناك أيضاً بلاء فوق هذا؛ إنه نظرة الناس، نظرة تلك الصاحبات وتلك الصديقات، بل نظرة الأهل أنفسهم.

إنك تعانين معاناة ظاهرة، وهذا الكلام الذي سيق لك إنما هو لبيان تقديرنا الكامل لهذه المعاناة، ومع هذا فأنت بحمد الله مؤمنة صابرة عفيفة قد رضيت بطريق الحق، لا تريدين أن تستبدلي به طرق الباطل والغواية، فيأتيك فوق ذلك كيد الشيطان وضعف النفس الأمارة بالسوء لتسلكي سبيلاً غير السبيل الذي تعلمين أنه الحق، لتسلكي سبيلاً معوجاً، سبيل تلك العلاقات المحرمة، فإن الشيطان يلقي بشبهته والنفس تلقي بثقل ضعفها عليك: ها هي فلانة قد كانت صاحبة علاقة مع فلان وفلان وها هي قد تزوجت، وفوق ذلك السخرية التي تنالينها من بعضهنَّ عندما يسخرن منك لأنك تأبين وتترفعين عن هذه العلاقات؛ قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ ))[المطففين:29-31]، فهذا حال الناس وهو السخرية من المؤمنين الصادقين الصابرين الذين يصبرون على طاعة الله، وهذه السخرية تارة تقع من أهل الكفر والطغيان وتارة تقع من أهل العصيان لأهل الطاعة، وفي جميع الأحوال لابد من الصبر، وهذا أول مقام يجب أن تقوميه وأن تقفي عنده، إنه الصبر، أن تدركي ما هو حقيقة الوضع الذي لديك، إن النفس البشرية مهما كان لديها من قوة الإيمان ومن قوة اليقين بالله قد يعرض لها في بعض الأحيان شيء من الضعف وشيء من الجزع بحكم ما جبلت عليه من الهلع والجزع؛ كما قال تعالى: (( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ))[المعارج:19-20]. فهو يجزع إذا أصابه الشر، أي يقلق ولا يصبر ويصيبه قلة الثبات، فهذا الذي لديك هو تراكم هذه الأحوال مجتمعة من نظرات الناس وكلام هؤلاء المثبطين مع ضعف النفس ومع كيد الشيطان؛ كل ذلك ينتج لك هذا الهم وهذا الغم وهذه الحال التي وصلت إليها.

ومع هذا بحمد الله فأنت صابرة مستمرة في صبرك، فالمطلوب منك يا أختي أن تدركي تماماً أن رزق الله لا تسوقه المعصية وأن الله إذا قدر لك أمراً فسينالك سواء كان ذلك حُصِّل بطريق الخير أو بطريق الشر، فعلام يستبق إذن إلى طريق الشر مع أن طريق الخير هي التي سوف تأتي بما قدَّره الله جل وعلا، فعليك أن تدركي تماماً أن رزقك محفوظ عند الله، فإن كتب الله جل وعلا لك الرزق بزوج صالح فسيأتيك.

وأيضاً فتأملي في داخلة نفسك من هو الرجل العفيف الذي يرضى بالعلاقات المحرمة، إنك لن ترضي حينئذ إلا برجل يستهين بدينه ويستهين بحرمات ربه، وأي سعادة بعد ذلك مع رجل فاسق أو رجل لا يطيع الله، وكم من فتاة ظاهرها أنها سعيدة مع زوجها وهي تعاني الويلات في بيتها من خيانة زوجها أو نظراته المحرمة أو علاقاته النسائية أو انتشار المعاصي في البيت – والعياذ بالله تعالى – وأقل ذلك سوء المعاملة.

فعليك أن تتأملي في هذه الآية التي تخاطبك أنت مباشرة وهي قول الله جل وعلا: (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ))[الروم:60]، لا ينبغي أن يحملك كلام هؤلاء المثبطين على أن تمضي إلى غير طريق الحق الذي سرت عليه.

وأيضاً فلابد أن تدركي حقيقة البلاء، فإن كل إنسان لابد أن يبتلى، والله جل وعلا أخبر أنه لابد أن يبتلي عباده ليظهر الصادق من الكاذب ويظهر المؤمن الحق من المنافق الدعي، فعليك إذن بالصبر فإن الإنسان يُبتلى على قدر دينه كما قال صلى الله عليه وسلم (لما سئل: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه قوة زيد في بلائه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي. بل قال صلوات الله وسلامه عليه: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.

فهذا هو نظرك وهذا هو سيرك، فالثبات الثبات على دينك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم بأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) رواه الإمام أحمد، وقال جل وعلا: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3].

وأما عن الخطوات العملية التي تتخذينها في هذا الأمر فهناك بحمد الله خطوات تعين على تحصيل هذا المقصود وهي من الأسباب المشروعة والتي لا تجرح لك كرامة ولا تخل بحمد الله بمروءة؛ فمن ذلك أن تبدئي أولاً بالاستعانة بالله جل وعلا وبدعائه واللجوء إليه والتضرع إليه، ويشرع لك أن تصلي صلاة الحاجة، وهي ركعتان نافلتان وبعد السلام تحمدين الله تعالى وتصلين على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم تسألين الله حاجتك، كأن تقولي مثلاً: رب هب لي من لدنك زوجاً صالحاً يقر عيني ونقيم معه شرعك وطاعتك يا أرحم الراحمين. ونحو هذا الدعاء المباح.

وهناك أمر عظيم وهو الحفاظ على العلاقات الاجتماعية بالأخوات الصالحات والأسر الفاضلة، لابد أن يكون لك حضور اجتماعي لأن ذلك يعين على الإرشاد إليك، فهذه الأسر الطيبة يحصل بينك وبينها زيارة لاسيما من كان لديهم شباب طيبون للزواج، فلا مانع أن تزوريهم لاسيما إن كانت الزيارة مع الوالدة ومع الأخوات، وأن يكون ذلك سبباً للتواصل، وهذا مقصد حميد، فينبغي أن تسعي فيه وأن تتخذيه سبيلاً، لاسيما وأن الظاهر هو مجرد الزيارة العادية وليس في ذلك تلميح ولا تصريح، وأما التلميح فينبغي أن يكون من جهة الوالدة مثلاً أو من جهة الوالد أو من جهة الأخ الشفيق، فهذا أسلوب لابد من اتباعه.

كذلك تعاضد الأهل من الوالد والوالدة والأقارب على التعاون على هذا الأمر ليرشدوا إليك، فما المانع أن يكون هناك بعض الأخوات الصالحات من القريبات ليتكلم في الإعانة على هذا الأمر ليرشد إليك الصالحون، فهذا من التعاون على البر والتقوى.

والمقصود أن يكون لك بذل وعطاء وحضور في حلقات العلم وحلقات الخير والدعوة والمشاركة الاجتماعية الصالحة حتى تخرجي من أمرين اثنين: من الهم والحزن والشعور بالفراغ، وكذلك لتجدي السبب في تحصيل الزوج الصالح، ومن عنده الدعاء فعنده سلاح لا يكل، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي، فالصبر الصبر، وعليك بالتمسك بحبل الله المتين، وتذكري هذه الآية واجعليها دوماً أمام عينيك: (( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ))[الأنعام:15]. وقول الله جل وعلا: (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ))[الروم:60].

وأما ما سألت عنه من البلاء وهل هو بسبب الذنوب، فاعلمي أن البلاء يكون لتكفير السيئات ويكون لرفع الدرجات، والظن بك إن شاء الله أن هذا البلاء يرفع درجاتك وأن وراءه ما تحبين، فعاقبة الصبر حميدة؛ فاصبري فقد قال جل وعلا على لسان العبد الصالح يوسف عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))[يوسف:90].

نسأل الله لك الفرج القريب، ونسأله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة التي تقر عينك، .

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39