استشارات اجتماعية

تردد الزوجة بين طاعة زوجها في ترك دراستها وبين المواصلة وتحقيق حلم حياتها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: إخوتي في الله، جزاكم الله خير الجزاء عما تقدمونه في هذه الشبكة الرائعة، وفقكم الله لما يحب ويرضى إن شاء الله.

الحقيقة أنكم ساعدتموني كثيراً في مشكلاتي من قبل – جزاكم الله خيراً – أما عن المشكلة التي أردت طرحها على فضيلتكم اليوم فهي تتعلق بأختي ومشكلتها مع زوجها، وأرجو أن يتسع صدركم لقراءتها وسامحوني إن أطلت فالأمر مهم جداً.

أختي فتاة ذات دين وخلق ـ ولله الحمد ـ كانت ذات 22 سنة عندما تقدم جارنا لخطبتها، وهو من عائلة محترمة ذو خلق والكل يشهد بذلك كنظرة خارجية، والشاب التزم بعد أن ذهب إلى البيت الحرام وأصبح باللحية وملتزم بالصلاة

والصوم وإلى غير ذلك من العبادات.

الحقيقة أن أختي لم توافق في البداية، فهي في أول سنوات دراستها بكلية طب الأسنان لكن طلبت منها أمي التفكير في الأمر وقد استخارت المولى عز وجل ويبدو أنها ارتاحت وحتى أنها رأت في منام أن أخت هذا الشاب أعطتها وردة بيضاء، فتوكلت على الله ووافقت ولكننا وضعنا شرطا للزواج أن تكمل دراستها وتعمل بعد التخرج وتكون لها بيت الزوجية الخاص بها، والحقيقة أن عائلة الشاب وافقوا بدون تردد وكانوا يريدون الإسراع بالزواج لكن أمي رفضت وطلبت تأخير الزواج لما بعد التخرج، ولكنهم أصروا خاصة الزوج وأنه سيساعدها في دراستها خاصة أنها دراسة تتطلب الجهد والوقت الكثير، وقدموا جميع التسهيلات مما جعل أمي وأختي توافق عليه وفعلاً تم الزواج.

في البداية قام زوجها بكراء بيت، والحقيقة بدأ بمساعدتها ثم شاء الله أن أنجبت بنتا – حفظها الله – رغم أنها لم ترد الإنجاب لا لشيء وإنما لكي لا تتأثر دراستها، لكن شاء الله أن تنجب ولله الحمد، وضاعت سنة من دراستها لتوقفها بسبب الولادة ثم بعد شهور قليلة تعرضت لعملية جراحية، وعند دخولها المستشفى اختلق مشاكل من دون سبب، بأننا نتدخل في حياتهما وأنه إن استمر الوضع سيطلق، وتمادى في الكلام مع أمي التي هدأت الوضع، ومن أجل أختي سكتت بألم، ولظروف الزوج الذي من المفروض أنه مهندس نسيج والذي اشتغل بصناعة وبيع الحلويات والخبز ولأن البيت بعيد عن عمله وعن مكان دراستها اضطر إلى الانتقال إلى بيت قريب، وتمر سنة أخرى .. إنها آخر سنة تكمل فيها الدراسة وشاء الله أن تنجب بنتاً ثانية -حفظها الله- وزادت المسئولية على عاتق كليهما وجاءته فرصة للعمل في العاصمة، وبما أنه لديه ديون قرر ترك البيت والسكن عند والديه كوضع مؤقت ولكن لحد الآن ومنذ عدة شهور ولم يوفق في هذا العمل، فلقد ذهب لأداء فريضة الحج كمحرم لوالدته مما أدى لتأخر هذا العمل أكثر وهو لحد الآن لم يتبين حقيقة الوضع.

المشكلة الآن أنه لا يريدها أن تعمل رغم أنه كان شرطاً من شروط الزواج، وكما لاحظتم لحد الآن لم يوفر لها أقل شروط الحياة (بيت الزوجية والاستقرار الذي تبحث عليه المرأة في حياتها الزوجية) وهو دائم السفر

والتنقل.

إن نفسية أختي تعبت جداً الآن، فهي تحب زوجها وتريد السعادة لبنتيها ومن جهة لا تريد رمي سنوات دراستها في الهواء، ومن جهة ألم أمي لضياع مستقبل بنتها التي تمنت لها الأفضل، ولكن زوجها متعصب جداً ويريد فرض شروطه ولو كانت ظالمة.

ما نصيحتكم؟ الوضع سيئ للغاية.

أرجو مساعدتكم في أقرب وقت ممكن، وجزاكم الله خير الجزاء.

ملاحظة:

أبي متوفى -رحمه الله- منذ 12 سنة وأمي تعبت كثيراً وتحملت مشاق لا يعلمها إلا الله لنكمل دراستنا ونتحصل على شهاداتنا، نحن البنات الخمس التي هي من تستحق الشهادة الكبرى -حفظها الله- وتتألم كثيراً للوضع الذي آلت إليه حياة ابنتها ومجتمعنا لا يرحم.

آسفة للإطالة وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله عز وجل أن يجزيك خير الجزاء على هذه الرسالة الطيبة التي يظهر فيها شفقتك على أختك، ورحمتك بها، فمن يقرؤها يقرأ في ثنايا هذه الكلمات الكريمة حنان الأم، وإن كانت كلمات الأخت، ولكن صدق المحبة يؤدي إلى هذا، فالحمد لله الذي وفقكم لهذا الخير، ونسأل الله أن يزيدكم ترابطاً، وأخوة وصفاءً ومودة، وواضح أن أختك الكريمة – حفظها الله تعالى ورعاها – لها الجهد الطيب في التعامل مع زوجها، وكذلك قد من الله عليها بنعمة سابغة – يا أختي – وهي الزواج، فأنت تدركين تمام حاجة الفتاة المؤمنة إلى أن يكون لها بيت الزوجية، فمن أعظم المصالح التي تحققها إعفاف نفسها، وأن تكون في بيت الزوجية الطاهر الذي تجد فيه السكينة والطمأنينة، وكذلك ما من الله عليها من الذرية، لتشبع هذه العاطفة الإنسانية، فكل ذلك منة إلى منة، ونعمة تلو نعمة .. نعم أمر الدراسة قد تأخر، ولكن أين ذلك من مصلحة أن تكون صاحبة زوج، وصاحبة استقرار نفسي، واستقرار إيماني أيضاً مع زوج يحثها على طاعة الله – عز وجل – ولا يأمرها بمعصيته؟ وأنت تشهدين له بمن الله وفضله، نعم قد يقع بين الزوجين شيء من الخلاف، وهذا أمر لا يخلو منه بيت من البيوت، ولكن بتقوى الله – جل وعلا – ومراعاة حدوده يحصل التوافق والتفاهم، لاسيما إذا انضاف إلى ذلك الحب والمودة بين الزوجين، فأختك الآن تعيش في نعمة سابغة ولله الحمد، وهي على وشك أن تنتهي من دراستها، فطالما أن زوجها قد ألح عليها الآن بأن تبقى في بيتها، فإن خير ما تقوم به – يا أختي – أن تنظر في تحقيق المصلحة الأعظم، والمصلحة العظمى في هذا هو المحافظة على بيتها، والمحافظة على ذريتها التي تحتاجها، فإن خروجها إلى العمل سيؤدي إلى بقاء الأولاد -كما لا يخفى على نظرك الكريم- بدون أمهم لأوقات ليست باليسيرة، خاصة وأن مجال اختصاصها يحتاج إلى شيء من الجهد، وشيء من المعاناة .. نعم هي قد درست، وقد تعبت، ولكن من قال إن هذا كله سوف يضيع، إن بإمكانها أن تزيد من معارفها العلمية، وأن تتابع البحوث الاختصاصية، وأن يكون لها تحصيل حسن في هذا، بل ما المانع أن يكون لها بعد مدة من الزمان – بإذن الله عز وجل – مشروع حسن لتنال دراسة تخصصية، فإن هذا أمر حسن – بإذن الله عز وجل – وتكون قادرة على القيام به، ولكن مع الصبر، ومع الهدوء، ولو قدر أن زوجها أصر على بقائها في البيت، فينبغي – يا أختي – بأن تطاوعه، حتى وإن كانت اشترطت عليه يوماً من الأيام بأن تخرج للعمل، فمصلحة حفاظها على بيتها وحفاظها على زوجها وذريتها هي أعظم مصلحة في هذا الباب .. نعم قد وقعت الموافقة من زوجها على اشتراطها أن تعمل، وهذا أمر قد وقع فيه الخلاف بين أهل العلم، هل يجب الوفاء به على هذه الصيغة التي أشرت إليها، أم أنه يستحب ولا يجب لأنه لم يكن شرطاً معلقاً؟ وهذا أمر يحتاج إلى بسط، فلا نطول عليك بذكره لأنه في جميع الأحوال، وعلى القول بأنه يجب الوفاء به أو لا يجب، فإن المصلحة المتحققة في أن تتنازل أختك عن التشبث بهذا الشرط لتحافظ على بيتها، ولا ينبغي أن يكون بينها وبين زوجها خصام وجدال كثير في هذا الشأن، حتى لا يتغير قلب زوجها عليها، بل ما أمكن أن تطاوعه، وأن تبين له أنها ستبقى في بيتها لرعاية أولادها، والقيام بشأنه، فهي الحبيبة لزوجها، والأم الناصحة لأولادها، وتبقى معهم، وستبقى في بيتها مع مواصلة تحصيلها العلمي من متابعة للبحوث التخصصية، خاصة وأنه هذا أمر – بحمد الله عز وجل – يمكن أن يكون بسهولة ويسر، مع تيسر أسباب الاطلاع السهل الميسور عبر شبكة المعلومات، وغير ذلك من وسائل التحصيل، كما لا يخفى على نظرك الكريم.

ونود هاهنا أن يكون هنالك نظرة في هذه الكلمة التي أشرت إليها، وهي أن مستقبلها قد ضاع، فنحن مع تقديرنا الكامل لنظرتك الكريمة إلا أن مستقبلها لم يضع، ولله الحمد، بل إن مستقبلها محفوظ – بإذن الله عز وجل – عندما تحافظ على زوجها، وتحافظ على أولادها، وتحافظ على بيتها، وتكون مربية لأولادها، مراعية لهم، وكذلك أن تستمر في عطائها العلمي، بالمواصلة قدر الاستطاعة كما أشرنا، فهما أمران لا يتناقضان، نعم..الاختصاص في الجانب الطبي خاصة يحتاج إلى شيء من المباشرة، ليحصل الدربة والمران، والخبرة في ذلك، ولكن أيضاً كم من طبيب قد حصل الشهادة الدراسية ثم بعد ذلك تأخر فلم يجد العمل حتى يسر الله عز وجل له ذلك، وبالمراجعة والتحصيل ظل محافظاً على كثير من المعلومات التي لديه – ولله الحمد – فالصواب إذن حصول شيء من التوافق في هذا، وإذا أشعركم زوجها بأن لا تتدخلون في حياته وفي حياة زوجته، فينبغي أن يكون لكم رعاية في هذا الأمر، فإنكم لا تقصدون ذلك – بحمد الله عز وجل – ولكن قد يشعر هو بالضيق من هذا لاسيما في مثل هذه الشؤون، فمصلحة أختك محققة في أن تطاوع زوجها، وأن تبذل جهدها في التوافق معه، فهذا هو أعظم المصالحة التي تجنيها في هذا – يا أختي – ولا ريب أن مهمتها في رعاية زوجها ورعاية أولادها وتربيتهم التربية الحسنة لا تقل – بحمد الله عز وجل – عن قيامها بعلاج الناس ورعايتهم أيضاً، عدا أن الله جل وعلا، قد يفتح عليها في المستقبل فتنشأ عيادة خاصة، وما ذلك على الله بعزيز بعد أن تتحسن الأحوال، فالصبر والهدوء، والرفق يؤدي إلى تحصيل المقصود، ولو قدر أن زوجها أصر على رأيه، فينبغي أن تطاوعه ولا تخالفه لتحقق المصالح العظيمة في هذا الشأن.

ونسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد، وأن يشرح صدوركم جميعاً، وأن ييسر أموركم وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين، وأن يوفقكم لما يحب ويرضى. وأن يرزقكن الأزواج الصالحين. وأن يبارك في هذه الوالدة الكريمة التي ربتكن على هذه الأخلاق الفاضلة.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39