السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة في المرحلة الثانوية، كنت الأولى على المدرسة في السنة الأولى، لكن هذا العام تغيرت الأمور، صرت أعاني من عدم التركيز والنسيان الشديد، وعدم الثقة في النفس والخوف من كل شيء، والشعور بأن القادم أسوأ، وصارت درجاتي منخفضة، علما أني أراجع جميع دروسي ليلا وأفهمها جيدا، لكن بعد يوم واحد أنسى كل شيء، فكيف أراجع؟ كيف ابني نفسي وأرتقي؟
أحس بضغوطات كبيرة، تعب وإرهاق، أحس بالفشل والعجز عن القيام بأي شيء، ولا أملك الإرادة لفعل أي شيء، فما السبب؟ وما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أيتها الابنة الفاضلة العزيزة: حباك الله تعالى بمقدراتٍ متميّزة، فأنت كنت الأولى على مدرستك، وهذه المقدرات وهذه الإمكانيات وهذه النِّعم العظيمة التي حباك الله تعالى، أؤكد لك أنها لا زالت موجودة في وجدانك وفي كيانك، وعلى مستوى ذكائك.
الذي حدث لك الآن -إن شاء الله تعالى- هي غيمة وسحابة عابرة، لأن حياة الناس لا تسير على وتيرة واحدة، التقلُّبات المزاجية تأتي، وكلّ شيء يزيد وينقص حتى الإيمان يزيد وينقص، أنا أعتبرها أمرًا عابرًا، أمرًا ربما يكون مرتبطًا بشيء من الإجهاد النفسي الذي حدث لك، قد تكونين كلّفت نفسك فوق طاقتك، أجهدتِّ نفسك جسديًّا ونفسيًّا، وهذا قطعًا يُؤثّر على الإنسان سلبًا، يظهر أنك توّاقة دائمًا للتميّز وللنجاح، وسقفك عال جدًّا، وهذا يُمثّل في حدِّ ذاته ضغطًا على الإنسان، ولا بد من أن تعيشي الحياة بكلِّ جمالياتها، نعم الإنجاز الأكاديمي والعلمي مهمٌّ وضروريٌّ في حياتنا، وأنت ذكرتِ أنك تقومين في الليل لمراجعة جميع الدروس، هذا أمرٌ جيد، لكن أيضًا لا بد أن تأخذي قسطًا كافيًا من الراحة، لا بد، الجسد له حق، لا بد أن يحدث ترميمًا كاملاً لخلايا الدماغ وخلايا الجسد من خلال أخذ قسطًا من النوم مُريحًا، خاصّة النوم الليلي.
فأنا أنصحك بتنظيم الوقت بصورة أفضل، وخذي بالحديث النبوي الشريف: (إن لربك عليك حقًّا، وإن لبدنك عليك حقًّا – وفي رواية: وإن لنفسك عليك حقًّا، وفي رواية: وإن لجسدك عليك حقًّا – وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لأهلك/زوجك عليك حقًّا، وإن لزورك – أي زائرك – عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقّه).
إذًا عليك أن تأخذي قسطًا من الراحة، ومارسي شيئًا من الرياضة، الرياضة مهمّة جدًّا، تُجدد الطاقات، تُحفّز المعنويات، تُحسّن التركيز، تُحسّن المزاج.
عوّدي نفسك بأن تقرئي شيئًا من القرآن يوميًا حتى ولو صفحة أو صفحتين، اقرئيه بتمعّنٍ وبتدبُّرٍ، وهذا يُحسّن من معنوياتك ويُحسّن من تركيزك، ولا تكوني من الذين هجروا القرآن، ومن تركه ثلاثة أيام لم يقرأ منه شيئًا فهو من الذين هجروه.
اهتمي بغذائك، ورتبي أوقاتك، وقدّمي الأولويات واجعلي لها وقتها، وقدمي المهم على غير المهم، ولا تنسي نصيبك من الترفيه؛ لأن النفس تملُّ، ولأنها لا تقبل أن تكون على وتيرة واحدة ولا على شيء واحد من الجِدّية، يعني: ساعة وساعة، ساعة للجد والاجتهاد، وساعة للراحة والترفيه عن النفس بما هو طيب وجميل وشرعي، رفهي عن نفسك بشيء حتى ولو كان بسيطًا، اجلسي مع الأسرة. هذا من وجهة نظري هو الذي تحتاجين إليه.
حرّكي نفسك بكلِّياتها، لا تركزي فقط على الدراسة، نعم الدراسة مهمّة، وحتى نصل لغاياتنا في التميز يجب أن نعطي الأشياء الأخرى حقّها: الراحة، التغذية السليمة، العبادة، النوم، ممارسة الرياضة، التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان بدرجات متفاوتة وبسيطة، لكن لا بد أن يكون هذا هو منهجك أيتها الفاضلة الكريمة.
وأيضًا حاولي أن يكون لديك مثلاً فترة أو فترتين في الأسبوع تراجعين دروسك مع صديقاتك مثلاً، هذا أيضًا أمر مفيد ويثبّت المعلومات بشكل جيد جدًّا.
أنت لست مريضة، هذه مجرد ظاهرة، هو إجهاد نفسي وجسدي حدث لك، وأعتقد لأنك قد حفّزتِ نفسك أكثر ممَّا يجب شكَّل ضغطًا وعبئًا نفسيًّا وجسديًا كبيرًا عليك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.