السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاه أبلغ من العمر 24 عاماً، تخرجت منذ سنة تقريباً، وكنت أنوي العمل، واخترت التدريس، لأنها الأقل اختلاطاً ووقتاً، وبالتالي الأكثر مناسبة لي.
بداية العام الدراسي لم تكن كما أريد؛ فالمدرسة التي قبلت بها مختلطة داخل الصفوف، وهي للصف العاشر، ثم تعامل الإدارة سيء نوعاً ما، ومهين، أيضا وجدت أن ما علينا من عمل يضطرني غالباً لأعود للمنزل مع الكتب والدفاتر، والبقاء لساعات أعمل وأحضر وأصحح، وما إلى ذلك.
أحياناً أقول لأهلي: أنني لا أريد أن أعمل، وأريد الجلوس في البيت.
أنا ملتحقة ببرامج شرعية إلكترونية، وأذهب السبت لمركز قرآن، أتابع فيه الحفظ والتجويد، وأهلي يعارضون الفكرة، مع أننا لسنا بحاجة إلى أن أعمل، حتى أنهم في الغالب لا يطلبون مني المال، ولا يأخذون منه إلا عند إصراري على إعطائهم منه، ولكن دائماً ما ينظرون إلى أنه يجب أن أعمل، وأن يكون لي مال خاص بي، وأنا لا أريد العمل بعد أن أتزوج، لكنهم يقولون لي: إذن اعملي الآن إلى أن تتزوجي.
أنا فتاة مجتهدة في الدراسة والعمل، وأخشى إن أقبلت على العمل أن أحبه وأتعلق به، خصوصاً أنني أفكر بالتوجه للعمل في الشركات، والتي ستكون في الغالب مختلطة، ودوامها أطول وقتها، لكن بالمقابل راتبها أعلى، والدوام الحالي يأخذ مني وقتا وجهدا نفسيا، أكثر منه جسديا؛ فلذلك أرى أنني لست مجبرة على هذا، أشعر بضيق شديد عند بدء الدوام، ولا أحب أن أرى كادر المدرسة الإداري، وعندما يبدأ الدوام أنهك جسدياً ونفسياً، ويقل إنجازي في الأمور الأخرى، وهذا يزيدني كرهاً للعمل، هذا تحديداً.
سؤالي: أريد أن أعرف أنا كأمة لله ما موقعي الآن من العمل؟ ما الذي علي فعله؟ هل يجب أن أعمل؟
عندما أنظر أرى الطالب مهمته الدراسة، والأم مهماتها كثيرة، أما أنا فأشعر بالحيرة من أمري، أقرر أحياناً أن أكمل دراستي، فأرى أن هذا مجرد هروب من الوضع الحالي، فأنا لو أكملت سأعود عندما أنتهي من الدراسة لنفس النقطة.
أدعو بالزواج، لكنني أشعر أحياناً أنني أعلق نفسي بشيء ليس بيدي، ثم ماذا لو لم أتزوج! فسأكون حين إذن بين أني لم أعمل، فأكسب بعض المال، ولم أتزوج فأعمل شيئاً، أعلم أنني لست مكلفة بكسب المال، ولكن أبي دائماً يقول أنه سيموت قبلي، ولن ينفعني غير عملي، وعندما أريد المال سوف أجده، أفضل من أن أطلبه من غيري، أرشدوني، هل أترك العمل، أم أبقى، أم ماذا أفعل؟ أشعر بإنهاك نفسي وعقلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة، وإنا نسأل الله الكريم الحليم أن يقدر لك الخير، وأن يرضيك به، وأن يختار لك ما يسعدك في دينك ودنياك.
وبخصوص ما تفضلت به، فدعينا أولاً نقرر ما يلي:
أولا: النفور الحاصل معك مع بداية العمل أمر طبيعي، وخاصة مع هذه المهنة والتي تتطلب جهداً زائداً عن الحد الطبيعي، ومرونة نفسية هائلة في التعامل مع الطلبة، فإذا أضفنا إلى ذلك طريقة تعامل البعض في الإدارة معك، وعدم الحاجة الملحة للمال، فإن النتيجة التي تتحدثين عنها أمر طبيعي جداً.
ثانيا: موقف الوالد من عملك كذلك أمر طبيعي، خاصة وهو لا يعارض فكرة تركك العمل بعد الزواج، لكن من حقه أن يقلق عليك حتى ولو كانت الظروف المادية متوفرة، فالوالد يعلم بحكمة الخبرة الحياتية أن وجود عمل يشغلك هو أمر طبيعي، بل وضروري، سيما والعمل ليس فيه ما يضاد الشريعة أو يخالفها.
ثالثا: دراستك للشريعة أمر مهم، ونحن نحثك عليه، بل ونطالبك بالاجتهاد فيه، بشرط ألا يكون عوضاً عن التعليم، بل يكون في خط مواز مع التدريس، فلا تعارض بين الاثنين، إذا أحسنا استثمار الوقت.
رابعا: لا شك أن الزواج مطلب كل فتاة صالحة، خاصة في مثل هذا العمر، وأنت تعلمين أن الزواج رزق مقدر مكتوب، وأن الله قدر المقادير من قبل أن يخلق السموات والأرض، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ “، وهذا يدفعك إلى الاطمئنان والهدوء، فالله يعلم ما يصلحنا في الوقت الذي يصلح لنا، والواجب عليك الدعاء بأن يرزقك الله الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة.
وأخيرا: نصيحتنا لك ألا تتركي الوظيفة، وأن تجتهدي في التأقلم معها، ولنا عدة نصائح:
1- تعاملي مع التدريس بنية جديدة، نية خالصة لوجه الله، مع قراءة فضل العلم والتعلم في الإسلام، ومكانة العلماء في الشريعة، تلك المكانة التي جعلها الإسلام تعلو على ما سواها، قال تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) المجادلة/11، ويكفي أن تعلمي أن الله أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بطلب المزيد من العلم، فقال: ( وقل رب زدني علماً ) طه/114، وقد مدح الله العلماء وأثنى عليهم بقوله: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) الزمر/9، وقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلب العلم فريضة على كل مسلم، وبين فضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ًولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن طلب العلم طريق إلى الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم:( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) رواه البخاري، (كتاب العلم/10)، والإسلام وإن كان يجعل أفضل العلوم هو علم الشريعة، إلا أن الفضل في كل علم ينفع الأمة موصول بهذا الخير.
2- من الطبيعي أن يجد الإنسان نفوراً في كل حركة، فالنفس تميل إلى الكسل والدعة والراحة، فلا تركني إلى ذلك، وقاومي هذا الشعور حتى التغلب عليه.
3- احتسبي كل تعب أو ألم أو إرهاق، وثقي أن الله سيؤجرك على ذلك، ما دامت النية خالصة لله تعالى.
4- ليس كل الناس سواء، ومن المهم الاختلاط بهم، المهم أن تتخيري الصالحات منهن، ليكن صديقات وأخوات، وأن تتغافلي عن الهنات والزلات، وأن تجعلي العلاقة في الحد الأدنى لمن ضعفت ديانته، أو أرهقك التعامل معه.
5- لا تتوقفي عن دراسة الشريعة، فهذا خير، المهم أن يكون متوازناً مع عملك.
وأخيرا: نود منك كثرة الدعاء لله مع المحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية، واحتساب الأجر من الله، وعدم التوقف عن العمل.
نسأل الله الكريم أن يمن عليك بالتوفيق، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدارين، والله الموفق.