السؤال
لي أخ عمره 28 سنة، وهو سبب الأسى في منزلنا لحالته المرضية، وأعتقد أنها نفسية، إذ أنه كثيراً ما يؤلمه رأسه وتأتيه حالة أنه يتكلم ولا يعي ما يقول أي لا يعرف ماذا قال، كأنه في حالة لا وعي، وتعتقد أنه قد أصبح أحمق، ولكن سرعان ما تمر تلك الحالة، ويكون عادياً إذ أن تلك الحالة لا تستمر حتى 5 دقائق ويرجع إلى حالته الطبيعية حتى إذا ذهب إلى المسجد بعض الأحيان تأتيه تلك الحالة، ويتكلم وحده، وعندما تمر تلك الحالة يمرض أكثر، إذ يقول: ما الأسباب لهذا؟
لكنه إنسان كثيراً ما يفكر، ولا يتنزه، ولا يضحك، من العمل إلى المنزل وقراءة القرآن، إذ أنه إنسان متشبّث بدينه أكثر منا، أريد أن تشخصوا حالة أخي هل هي نفسية أم السحر لأن كثيراً ما يقولون له سحر؟
وأبداً لم يذهب لطبيب نفسي فبماذا تنصحونه؟ وهل نقوم بإجراء السكانير له؟
أرجوكم أفيدوني، خاصة أننا نخاف أن تتأزم حالته ويصبح أحمق، وهذه الحالة تأتيه منذ 6سنوات، فهل تعتقدون أنها عقدة نفسية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهذه الحالة في الغالب هي حالة نفسية، ونصيحتي هي عرضه على الطبيب النفسي؛ لأن المناظرة الشخصية في مثل هذه الحالات هي خير وسيلة للتشخيص، وإذا رأى الطبيب أنه في حاجة لإجراء صورة مقطعيه للدماغ أو أنه في حاجة لرسم المخ فسوف يقوم بذلك وكلها فحوصات بسيطة ولكنها هامة.
أرجو محاولة إقناعه بضرورة مقابلة الطبيب دون إشعاره بأنه ربما يكون مريضا نفسيا، السحر موجود ولاشك في ذلك، ولكن في نظري مثل هذه الأعراض هي نفسية في المقام الأول، وعموماً يجب أن ننصحه وأنفسنا بضرورة الحرص على الأذكار والتعوذات المطلوبة في مثل هذه المواقف.
وبالله التوفيق.
————
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم الطبيب النفسي تليها إجابة الشيخ أحمد الهنداوي المستشار الشرعي.
_________________________________________
فنسأل الله عز وجل أن يجزيك خير الجزاء على السعي المبارك الذي قصدت به إعانة أخيك – حفظه الله تعالى ورعاه – والأخذ بيده ومساعدته، فإن هذا الذي قمت به يدخل دخولاً أوليّاً في قول الله جل وعلا: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ))[المائدة:2] ويدخل في قوله صلوات الله وسلامه عليه: (الدين النصيحة) أخرجه مسلم في صحيحه، وفي قوله صلوات الله وسلامه عليه: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواهما مسلم في صحيحه، كيف وهو أخوك الذي من أحق من بررته وأحق من وصلت رحمه، بل إن هذا يدخل أيضاً في بر الوالدين، لأنك بذلك تفرحين قلب والديك وتسعدينهم، فنسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على هذا السعي وأن يجعله في ميزان حسناتك.
وأما عن هذه الحالة التي أشرت إليها فإننا كنا نود أن تفصلي أكثر في طبيعة الأحوال الاجتماعية التي يمر بها أخوك، وهل هنالك ضغوط عليك من جهة أنه يقاوم المعاصي مثلاً ويقاوم المنكرات ويجد استجابة، أو أنه يريد أن يتزوج ولا يجد القدرة على ذلك، أو غير ذلك من الأمور التي نود أن تبسطيها أكثر، ومع هذا فإن الحالة التي أشرت إليها هي حالة – بحمد الله عز وجل – يمكن علاجها ويمكن أن تشخص بأمرين اثنين:
(أ) أن يكون ذلك راجعاً إلى حالة نفسية شديدة راجعة إلى الهلاوس المحتملة، أو إلى حالة انفعالية شديدة تجعله – كما أشرتِ – غير مدرك لما صدر منه نظراً لشدة الانفعال الحاصلة، وهذا أمر قد يكون مستبعداً في حال أخيك، وإنما ذكرناه لاحتماله وإن كنا نستبعده نظراً للتفصيل القليل الذي أشرت إليه في حالته. والأمر الثاني الذي أشرت إليه هو:
(ب) وجود السحر أو وجود المس، فإن هذا حقٌ ثابت في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطريق علاجه هو طريق مشروع وسهل وميسور وليس بحمدِ الله بأمر عسير، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.
ونود أن يكون جوابنا شاملاً لكلا الاحتمالين المشار إليهما، فالمطلوب أولاً هو:
1- الاستعانة بالله والتوكل عليه جل وعلا والدعاء له، لاسيما من والديك؛ فإن دعاء الولدين مستجاب كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده) أخرجه الإمام أحمد في المسند. والخطوة الثانية هي:
2- محاولة إشراكه اجتماعياً بأسرته، فلا ينبغي أن تتركوه متوحداً يفكر وحده ويتعاطى مع نفسه الأفكار دون ألا يجد من يبث إليه أفكاره ومن يبث له مشاعره، فكوني أنت قريبة منه، وليكن كذلك والداك قريبين منه، وحاولوا أن تشركوه معكم في شئون البيت وفي إسناد المهام إليه، لاسيما ما يتعلق في تدبير شأن الأسرة خاصة، فإن هذا ينمي من شعوره الاجتماعي ويُبعده عن أي شعور بالتوحد والتوحش من مخالطة الناس. والخطوة الثالثة هي:
3- أن تكون هنالك مراعاة لدينه وتمسكه بطاعة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون هنالك إظهار لأي أمر من المنكرات التي ينكرها الشرع، فإن ذلك قد يزيد من حالته ويجعله يشعر بالصعوبة والمشقة بالتعامل مع أهله، وربما آثر أن يكون بعيداً عنهم منزوياً عنهم، فلابد من مراعاة هذا الأمر مراعاة حسنة قوية. والخطوة الرابعة هي:
4- محاولة الكلام معه دون أن يكون ذلك بطريق مباشر ليفضي إليكم بمشاعره، فما هي الأسباب التي تضايقه؟ ما هي الأمور التي تجعله يفكر ويسرح ويشعر بالضيق لأجلها؟ هل هو تأخر الزواج مثلاً؟ هل هو انتشار المنكرات؟ فحاولي أن تكوني قريبة منه، وحاولي أن تفهمي والديك الكريمين – حفظهما الله تعالى ورعاهما – مثل هذه الأمور ليتم التواصل معه في الكلام دون أن يكون بطريق السؤال المباشر، بل يكون بالتعبير عن النفس والكلام الذي هي أخذ ورد حتى يفرج عما في نفسه. والخطوة الخامسة هي:
5- القيام بالرقية المشروعة، فنود منك أنت خاصة أن تبذلي سعيك في عمل الرقية المشروعة لأخيك، فقد قال تعالى: (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ))[الإسراء:82]، فقوله: (شفاء) يتناول الأمراض النفسية والأمراض البدنية، فالقرآن شفاء منها، وكان صلوات الله وسلامه عليه يحثنا على الرقية في الأحاديث المستفيضة الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، فمن الرقية المشروعة أن تقرئي: (الفاتحة، الإخلاص، المعوذتين، الشرح، آية الكرسي، 102-103 من البقرة، وآخر آيتين منها، و118 -121 الأعراف، و81-82 من يونس، وآية 69 من طه) مع الأدعية النبوية الواردة في ذلك: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)، (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)، (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر كل ذي شرٍّ لا أطيق شره، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن)..
فتقرئين هذه الرقية في إناء من ماء ثم يصب على رأسه ويشرب منه، وإن اغتسل منه في مكان طاهر فحسن، وطريقة القراءة أن يقرب الفم من الإناء ويقرأ بصوت مسموع عادي وتنفثين بعد القراءة في الماء بريقك.
ونوصيك بكتمان أمر العلاج بالرقية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود) رواه الطبراني في المعجم.
فهذه رقية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن تحرصوا عليها وأن تديموا رقيته بذلك، وإن أمكن أن يكون هنالك ماء زمزم لرقيته به فهذا أولى وأكمل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم أنه (طعام طعم وشفاء سُقم)، فهذا إن وجد فحسن وإن لم يوجد فالماء العادي فإن في ذلك بركة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
فنود أن تكرروا هذه الرقية وأن تعملوا بها، وأن ترسلوا إلى الشبكة الإسلامية بعد أسبوع أو أسبوعين على أقصى تقدير لذكر جميع النتائج والثمرات والملاحظات التي توصلت إليها بدقة وتفصيل لنمدك بمزيد من التوجيه والإرشاد في هذا الشأن، والله يتولاكم برحمته ويرعاكم بكرمه، ونسأل الله له الشفاء العاجل وأن يفرج كربكم وأن ييسر أمركم وأن يشرح صدوركم، وأن يجزيك أنت خير الجزاء وأن يزيدك من فضله وأن يمنَّ عليكم من بركاته ورحماته.
وبالله التوفيق.