السؤال
تقدم بي العمر ولم أتزوج، تأخر زواجي وكل صديقاتي متزوجات، أنا أعلم أن ذلك نصيب، لكن ماذا أفعل تعبت من المجتمع حولي، أنا معلمة ولي سنة ونصف الآن، وأشعر بالأسى لحالي، وأبكي كل وقت، أعلم أن الزواج ليس حلاً لمشاكلي، وأعلم أنه ليس جنة، لكني والله تعبت من نظرة الآخرين، ومن عمري الذي يمضي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن هذا الحزن العميق الذي تجدينه في قلبك، وهذه الدموع التي تنسكب من عينيك فلا تستطيعين ردها، أنت معذورة فيها تماماً، نعم.. إنك لست معذورة عند العقلاء فقط، بل إنك معذورة في دين أرحم الراحمين، وفي شريعة هذا النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
إن هذا العذر الذي تعذرين به لهذا الحزن ولهذا القلق، سببه أن الزواج هو الطمأنينة التي يجد فيها الإنسان نفسه، وهو السكينة التي تملأ قلب الزوجين فتصير حياتهما بعد ذلك كلها سعادة ووداً ورحمة، وهذا هو الذي أشار الله جل وعلا إليه بقوله: (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ))[الروم:21].
فالمودة والرحمة والسكنية، والاستقرار كلها ثمرات للزواج الطيب المبني على أساس من التقوى والدين.
وأيضاً فإن دموعك هذه لست بآثمة عليها، ولا حرج عليك فيها، بل إننا لنرجو من الله أن يثبتك على هذا الحزن وهذا الهم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
غير أننا نود لفت انتباهك أيضاً إلى أنه لابد أن تنتبهي إلى أنك لم تصلي إلى حالة ميئوس منها، ولا إلى حالة يتعذر معها وجود الزوج المناسب الصالح إن شاء الله تعالى، وحتى في داخل مجتمعك، فإن هذه السن ليست بالسن الكبيرة جداً.
نعم يصعب فيها إيجاد الزوج المناسب، فاستبشري، وحاولي أن تخففي عن نفسك، فإن الصبر هو مفتاح الفرج، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) أخرجه أبو داود في السنن.
ولذلك ومع عذرنا الشديد لك في حزنك هذا، إلا أننا نود ألا تزيدي في حزنك وهمك حتى لا يصلا بك إلى حد الانهيار واليأس والمرض، فانتبهي واحذري من تخذيل الشيطان ومن هلع النفس، فإن الإنسان بطبعه هلوع، كما قال تعالى: (( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ))[المعارج:19] ثم فسر تعالى الهلع بقوله: (( إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ))[المعارج:20-21] فحاولي أن تتصبري وأن تحتسبي الأجر عند الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10] وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله).
وأما عن الخطوات التي يمكن أن تعين في حل مشكلتك فهي أن تعلمي أولاً أن صفات الزوج الأصلية التي لا يمكن التنازل عنها هي الدين والخلق، وقد دل على اشتراط هذين الشرطين الأساسيين ما أخرجه أبو داود في سننه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
فثبت بذلك أن الصفتين اللتين لا يمكن أن تتنازلي عنهما هما: (الدين والخلق الحسن) وما سواهما من الصفات فهي وإن كانت مطلوبة ومرغوبة إلا أنه يمكن التساهل فيها والتغاضي عنها، وذلك مثلاً كالنسب والوضع المادي والاجتماعي، وغير ذلك من الصفات التي قد تستحسنينها في زوجك الذي ترغبين فيه.
وإنما بدأنا بذكر هذا الأمر، لتكوني على انتباهٍ وتفطن له؛ لأن الخاطب قد يقرع بابكم في أية لحظة، فلابد أن يكون معيارك لتقييم الزوج المناسب واضحاً لا تردد فيه ولا اضطراب.
ومن الأسباب التي تعين على إتمام زواجك، أن تخبري بعض صديقاتك الصادقات الصالحات الناصحات لك، عن رغبتك في العثور على زوج صالح لتقوم هي بدورها في الإعانة على التعريف بك لمن يرغب في الزواج من أقاربها ومن لها علاقة بهم، مع ملاحظة أن يكون هذا الأمر مع من تثقين به من صديقاتك، أو يتم ذلك عن طريق والدتك مثلاً، فهذا أسلوب لطيف يمكن اتباعه ولا حرج فيه عليك إن شاء الله تعالى.
ومن الأسباب الجيدة أيضاً أن يقوم بعض أوليائك كوالدك مثلاً بالتلميح لبعض من يثق به في شأن زواجك، ومن المعلوم أن التلميح يغنى عن التصريح، بل إن جماعة من أكابر الصحابة قد عرضوا بناتهم على من يرون أنهم صالحين وأكفاء للزواج بهن، ولا حرج في هذا ولا كراهة، غير أن أوضاع الناس وعاداتهم تمنع من مثل هذا الأمر في كثير من الأحيان، ولذلك فإن التلميح في هذا المقام لعله خير من التصريح به، ولابد أيضاً من تفهم ولي أمرك لمثل هذا الفعل، فإنك أمانة في أعناقهم ولابد من إعانتك، بل أن هذا يدخل دخولاً أولياً في قوله تعالى: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ))[المائدة:2].
وأيضاً فإن من الأسباب الحسنة مثلاً أن يذهب بعض أهلك إلى بعض الشيوخ الصالحين من أهل المعرفة والدعوة إلى الخير، ليستشيره في مثل هذا الأمر فيكون هذا كالتلميح له ليعين على إيجاد الخاطب المناسب لك، وهذا أمر يمكن أيضاً اتباعه مع مراعاة الرجل المناسب لذلك.
والمقصود أن موضوع زواجك لابد من التعاون والتفهم والمبادرة المتزنة التي تكون سبباً في حل هذه المشكلة، ولا ريب أن المحاولة من حين إلى حين وفي وقتها المناسب، قد تجيء بالفرج من عند الرحمن الرحيم، فإن ذلك كله من باب الأخذ بالأسباب المشروعة التي توصل للمطلوب.
ولتعلمي – أختي الكريمة – أن أعظم سبب لديك هو التضرع إلى الله، والالتجاء إلى رحمته التي وسعت كل شيء، فمن يجيب دعاء المضطر إلا هو !! ومن يكشف الكرب والسوء إلا هو جل جلاله!!
فعليك بدوام التوكل عليه، وإحسان المعاملة معه تبارك وتعالى، وثقي وتأكدي أن الله حينئذ لن يضيعك وسوف يجعل لك الفرج والمخرج القريب، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) أخرجه أبو داود في السنن، فاصبري وتصبري، ولن يضيع الله صبرك إن شاء الله جل وعلا.
ونسأل الله تعالى برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))[الفرقان:74].