السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
استشارتي حول الزواج عن طريق الإنترنت؛ فلقد اتفق شابٌّ وفتاة على أن يتزوجوا عن طريق الإنترنت، وكان هناك اثنان من الشهود، فقالت له البنت: زوجتك نفسي، ولكنها في بلد وهو في بلد آخر، مع العلم بأنهم راشدين، ولقد اتفقوا على أن يتم الزواج فيما بعد، وذلك حين يذهب إلى أهلها، ولم يتم بينهم أي شيء غير أنهم يتحدثون فقط.
فما هو حكم الدين في هذا الزواج؟ هل هو شرعي أم باطل؟ مع العلم بأنه تتوفر في كلٍّ منهما حسن النية، والله أعلم.
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الزواج من أعظم الشعائر التي أمر الله تعالى برعايتها وحفظها وإنزالها المنزلة اللائقة بها، ولذلك سمى الله تعالى الزواج وعقده بالميثاق الغليظ، كما قال جل وعلا: (( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ))[النساء:21]، فالزواج عهدٌ غليظ وميثاق عظيم، ولذلك أوجب الله تعالى فيه من الشروط والأركان ما يحقق حماية هذا الركن العظيم على أتم وجه، فجعل الله تعالى للزواج أركاناً تجب مراعاتها، ولا ينعقد النكاح إلا بها؛ لأن الزواج عند التأمل وإمعان النظر ليس علاقةً بين الزوج والزوجة، فقط بل هو علاقة بين الزوج والزوجة، وبين أهل هذه الزوجة وبين أهل ذلك الزوج، فإن المرأة عِرضها هو عرض أهلها وشرفها هو شرفهم، والصلة التي تكون بالزواج صلة عظيمة فهي صلة المصاهرة التي تتم بالمرأة، ولذلك أشار الله تعالى إلى هذا المعنى إشارة عظيمة عندما قال: (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ))[الفرقان:54].
إذا ثبت هذا؛ فإن هذه الصورة التي أشرت إليها، وهي أن الشاب والفتاة اتفقا على الزواج عن طريق المخاطبة عبر شبكة المعلومات (الإنترنت)، وأنها قالت له: زوجتك نفسي، وأن هنالك شاهدين على هذا المعنى الذي تم، فهذا عقد باطل وليس له أي أثر، ولا يترتب عليه حكم من أحكام الزواج، فهي لا زالت امرأة أجنبية عن هذا الرجل، بل يحرم عليها وعليه أن يقوما بهذا العمل، فأولاً قد زوجت هذه الفتاة نفسها بدون ولِيِّها، وهذا فعل محرم ويبطل النكاح بالجزم والقطع في ذلك، مضافاً إلى ذلك أن الفتاة والشاب قد اتفقا على ذلك، وتم الحوار بينهما، وكلٌ في بلدٍ بعيدٍ عن الآخر، فلا جمعهما مجلسٌ واحد، ولا حضر الشهود حضوراً شخصياً في هذا المجلس، وإنما كان ذلك عبر التخاطب عن بعد، سواء كان بالصورة أو بغيرها، فهذا العقد باطلٌ محرمٌ وتجب التوبة منه.
وأما النية الحسنة فإنها لا تكفي في مثل هذه الأعمال، بل لابد من العمل الصالح، فنيةٌ حسنة على غير شرع الله لا تفيد شيئاً في تصحيح العمل والعقود، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي: مردود على صاحبه، باطلٌ لا يعتد به، والحديث متفق على صحته، وفي رواية لمسلم في صحيحه: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فالجواب هو تقوى الله تعالى وعدم التهاون في هذه الأمور العظيمة، فإن هذا يُضاد أصل الشرع الذي أمر بحفظ الأعراض، واجتناب الأسباب التي تؤدي إلى الخلل فيها، فالواجب شرعاً -إذا أراد هذا الشاب الزواج بهذه الفتاة- أن يتقدم إليها ليطلبها من وليِّها، وبعد موافقة الولي يتم العقد الشرعي بحضور الخاطب وولي الفتاة مع حضور الشهود العدول، وبذل الصداق الذي اتفق عليه، فحينئذ يكون عقداً شرعياً تم بالإيجاب والقبول.
ونسأل الله عز وجل لجميع المسلمين الهداية والتوفيق، ولهذا الشاب ولهذه الفتاة التوبة الصادقة، وأن يوفقهما لما يحبه ويرضاه.
وبالله التوفيق.