استشارات اجتماعية

خطوات عملية للحصول على الزوج الصالح

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أعاني من رغبتي الشديدة للزواج، وبحكم أني فتاة ولا أستطيع التعبير عن هذه الرغبة كالذكر فهذا يؤلمني لدرجة أنني أحياناً أشك بنفسي أنني ذكر، فماذا أفعل؟ أأصرخ كي أعلن عن رغبتي! وجدت مرة كتب أحد الأشخاص هنا عن موقع للتزويج ودخلته ولكنني ترددت في تسجيل اسمي لأنني أحس بأن هذا ينقص كرامتي وأنه من المفروض أن الرجل هو من يطلبني لا أنا، لكن في حالة مثل حالتنا في دول الخليج حيث لا تستطيع الفتاة أن تخبر والديها عن هذا فماذا تفعل؟

وكم أتمنى من الآباء أن يحذوا حذو عمر بن الخطاب ويخطبوا لفتياتهم، والله لم أكتب هذا إلا بعد مرارة وألم، مع العلم أنني أدعو ليل نهار ـ والحمد لله ـ لكنني أريد أن أعف نفسي؛ لأنني مررت بتجربة مريرة أخطأت فيها بحق نفسي ووقعت في الخطأ لذلك أتمنى أن أكمل نصف ديني للعفاف، لأنني لا أريد الغرق في العادة السرية، بل أريد الحلال، فماذا أفعل؟

أتمنى أن تساعدوني بأي طريقة فيها كرامة لحفظ نفسي حتى لو خطبتم أنتم لي.

وجزاكم الله خيراً.

أرجو الرد في أسرع وقت ممكن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنك قد أشرت إشارة واضحة إلى هذا النداء الذي يلح عليك من داخلة نفسك بالرغبة في الزواج بل إن هذا الألم الذي تشعرين به نظراً لأنك تشعرين بشدة حاجتك إلى زوجٍ يعفُّك وتعفينه يحبك وتحبينه، تجدين منه الصدر الحنون الذي يبثُّ حنانه إليك وتتبادلين معه المشاعر الكريمة فتجدين السكينة والطمأنينة والرحمة التي قال تعالى فيها: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))[الروم:21].

إن هذا النداء هو النداء الفطري في نفس كل إنسان سوي سواء كان رجلاً أو امرأة، فهذا الكلام الذي قد ذكرته في هذه الرسالة لا يضرك – بحمد الله عز وجل – بل أنت معذورة فيه تمام العذر، بل إننا لنرى – بحمد الله عز وجل – فتاة عاقلة مؤمنة قد كتبت هذه الكلمات، فأنت تريدين الزواج لإعفاف نفسك، تريدين الزواج لتعبري عن مشاعرك الإنسانية التي فطرك الله جل وعلا عليها، فهذا الشعور هو الشعور الفطري الذي ركبه الله تعالى في نفس كل إنسان سوي، فهذا لا يدل على أنك معذورة فقط بل ويدل على أنك صاحبة فطرة سليمة وصاحبة عقل وصاحبة كرم نفس، فأنت لا تريدين أن تلهثي وراء الحرام، لا تريدين أن تقعي في وحل العلاقات المحرمة ولا حتى في بعض العادات السيئة والتي قد يرتكبها كثير من الناس عندما يخلون بأنفسهم، تريدين أن تخرجي من كل هذه الآثار لتجدي السبيل المشروع الذي تنطلق فيه مشاعرك وتنطلق فيه فطرتك كامرأة وكأم وكزوجة حبيبة تحب زوجها وتشتاق إليه وتتبادل معه المشاعر اللطيفة التي لا غنى للرجل والمرأة عنها.

ومع هذه الآلام التي تشعرين به ومع هذه المشقة التي تمرين بها إلا أن فرج الله قريب بمنِّه وكرمه، فإنك – بحمد الله عز وجل – صابرة محتسبة ولا تريدين أن تقعي في الحرام، بل إنك قد صنت نفسك أن تدخلي في بعض المواقع التي تيسر أمور الزواج لأنك تريدين أن تحصلي الزوج على أكرم الأحوال بحيث يكون طالباً إياك من أهلك حريصاً عليك وليس بأن تطلبيه أنت بنفسك، ومع هذا فقد فصَّلنا في جواب خاص في حكم التعامل في هذه المواقع وبيَّنا الشروط الشرعية التي لابد من توافرها في هذا المعنى، وأيضاً فإننا نشد عليك في هذا الأمر وننصحك بألا تدخلي في هذه المواقع لأنك لا تدرين حقيقة هذا الطالب الذي يريد الزواج هل هو صادق في طلبه أم لا؟ أم هو من المتلاعبين الذين يريدون أن يقضوا أوقاتهم ويلهوا بفتيات الناس وأعراضهم، ولذلك كانت السلامة لا يعدلها شيء، فينبغي حينئذ أن تتصبري حتى يمنَّ الله عليك بتيسير الزوج الصالح.

فإن قلت: فما السبيل إلى ذلك، هل بخطوات يمكن أن أتبعها في هذا الشأن لأنني أجد مشقة فادحة في الانتظار وأريد أن أحصل هذا الزوج؟ فالجواب: إن الخطوات موجودة وإن الخطوات قائمة – إن شاء الله جل وعلا – فهي من الأسباب المشروعة التي يتبعها الإنسان، ولكن قبل الإشارة إلى هذه الخطوات نود أن نشير إلى الأمر الذي أشرت إليه وهو أنك أحياناً تجدين نفسك وكأنك تريدين أن تصرخي لتعبري عن مشاعرك؛ فهذا يدل على شدة إلحاح هذه الفطرة في نفسك، ويدل أيضاً أنك لا تجدين حتى فرصة للكلام فيها ولا للتعبير عما تعانينه لبعض أهلك كأن يكون لك أمٌّ تستمع إلى شكاتك أو أختٌ حنونٌ تستمع وتقدر هذه الأمور التي تمرين بها، ولذلك نود أن تفرغي من هذه المشاعر التي لديك لمن تثقين فيه من أخواتك الصالحات أو أخواتك الشقيقات أو لأمك؛ فما المانع أن تجلسي مع أمك وتتكلمي معها في أمر الزواج بحيث تذكرين لها أمر الزواج وكيف أنه أصبح يتعسر في هذا الزمان وأن الفتاة يصيبها التعنيس وقد لا تجد زوجاً في هذا، وتذكرين هذا الكلام كبداية لفتح المواضيع مع والدتك الكريمة لتشاركك الحديث في هذا المعنى، بل لا مانع من أن تلمحي لها إلى أنك ترغبين في الزوج الصالح وأن الفتاة المؤمنة تتمنى ذلك.. نعم هذا قد يحرجك شيئاً ما ولكن لا مانع منه لتنتبه والدتك لهذا الشأن وليكون لها مساعدة في التلميح والإرشاد إليك لمن تستطيع أن تلمح له أو أن تكلمه في هذا الشأن، فهذا أمر ينبغي أن تتكلمي فيه مع والدتك وبشيء من الرفق والتدرج في الكلام، فليس هذا قادحاً في الحياء ولا يضر المروءة – بحمد الله – بل اسعي هذا السعي فإنه يعين على التفريغ عن طاقاتك النفسية الداخلية عدا ما تحصلينه من الإعانة الظاهرة – إن شاء الله تعالى -.

ولننتقل بعد ذلك إلى الخطوات التي يمكن أن تساعد على تحصيل الزواج الصالح، فمن ذلك أعظم خطوة وأجلها وهي – ما أشرت إليه من الدعاء والاستعانة بالله – فها هنا أمر لابد أن تحققيه:

1- إنه الاستغاثة بالله والاضطرار إليه، فاضطري لرحمة ربك الذي يقول: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ))[النمل:62]، فمن يعلم حرقة قلبك إلا الله، ومن يعلم مرارة ما تعانينه إلا الله، ومن يعلم إرادتك العفاف وحرصك على البعد عن الحرام إلا ربك المطلع على سريرتك..

إذن فالجئي إليه لجوء المضطرة لجوء الغريق الذي يعلم ألا نجاة له إلا بربه. ومما يشرع لك في هذا المقام أن تصلي صلاة الحاجة وهي ركعتان نافلتان وبعد السلام تحمدين الله وتصلين على نبيه – صلوات الله وسلامه عليه – وتسألين الله حاجتك كأن تقولي: رب هب لي زوجاً صالحاً يقر عيني وأقر عينه، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، رب يسر لي هذا الزوج الصالح على أكمل الصفات وأتمها وأحسنها وأشرف الأحوال يا أرحم الراحمين؛ ومن الأدعية الكاملة الشاملة العظيمة في هذا المقام التي هي دعاء الاضطرار للرحمن جل وعلا؛ فقد خرَّجا في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ: (لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ)، فنحو هذا الدعاء الجائز المشروع، فتلتجئي إلى ربك فإن الله جل وعلا لا يرد عبداً رجاه صادقاً، فاحرصي على ذلك وتوكلي على الله؛ فقد قال تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))[البقرة:186]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) أخرجه الترمذي في سننه.. والخطوة الثانية:

2- أن يكون لك حضور اجتماعي، وهذه الخطوة من آكد الخطوات، فلابد أن يكون لك حضور اجتماعي مع قريباتك وحضور ذلك مع جيرانك، وحضور كذلك مع الأسر الفاضلة على أن تكون هذه الأسر من الأسر الفاضلة صاحبة الأخلاق وصاحبة الدين والتي أيضاً لديها شباب صالحون لأن يتقدموا للخطبة، فإن مثل هذا الحضور الاجتماعي يعين على أن تكوني حاضرة في أنفسهم، وكم من أمٍّ أو أخت جلست مع فتاة فرأت من أدبها ورأت من أخلاقها واستلطفتها ثم بعد أشارت بها على ولدها أو على أخيها فتقدم لخطبتها وتمت المصاهرة بإذن الله، فليكن هذا من شأنك وليكن هذا من عادتك فإن هذا أمر ييسر لك أمر الزوج بكرم نفس ودون أن يتفطن أحدٌ إلى هذا المقصد لأنه أمر يتم عفواً ولا يظهر منه القصد في ذلك – كما لا يخفى على نظرك الكريم – . ومن ذلك أيضاً الخطوة الثالثة وهي:

3- المشاركة في الدعوة إلى الله جل وعلا، والمشاركة في حلقات تجويد كتاب الله، المشاركة في دروس العلم، فهذا المجتمع المؤمن الصالح من الأخوات المؤمنات الداعيات إلى الله جل وعلا يعينك أيضاً على أن تكوني حاضرة أيضاً في أنفسهم، بل إن هذا المجتمع من أكثر المجتمعات التي تعين على تحصيل الزوج، بل إنك حينئذ قد تجدين الأخت الصديقة الناصحة التي تسعى في شأنك وبدون أن تطلبي منها، مع أنه لا مانع أن تلمحي أو تطلبي من بعض الأخوات الفاضلات الصالحات أن يرشدن إليك وأن يعنك على هذا الأمر، ولكن بشرط أن تكون الفتاة عاقلة صالحة أمينة تقدر مثل هذا الطلب، فهذا أمر لابد من السعي فيه، فلابد من الحضور في هذه الأوساط الدعوية والأوساط الاجتماعية حتى تجدي سبباً معيناً على أن تظفري بالزوج الصالح. ومن هذا المعنى الذي قدمناه أولاً: حضور المناسبات الاجتماعية التي تخلو من المحرمات – كما لا يخفى على نظرك الكريم – فكل هذه الأسباب أسباب مشروعة مع كرم النفس وصيانتها وحفظها – بحمد الله عز وجل -.

4- وأيضاً فقد أشرنا إلى طريقة الكلام مع والدتك الكريمة، فهذا أمر لا ينبغي أن تغفليه، فإن والدتك الكريمة – حفظها الله تعالى ورعاها – قد يكون لها بعض القريبات التي لها بهنَّ علاقة وطيدة كالخالة مثلاً أو العمة أو أخت الزوج أو بعض القريبات التي لها بهنَّ علاقات وطيدة، فلو أنك ألمحت لوالدتك الكريمة بشيء من الكلام ثم تدرجت في الكلام معها حتى لو اقتضى الأمر التصريح فما المانع من ذلك يا أختي، فإن المرأة المؤمنة تحرص على إعفاف نفسها، وكما أشرت فقد كان بعض الصحابة – رضوان الله عليهم – يعرض وليته على صاحبه ليتزوجها، وهذا هو شأن عقلاء الرجال وكملتهم الذين آتاهم الله الإيمان وآتاهم جلَّ وعلا العقل والفضل، فإن الرجل ينبغي أن يحرص على إعانة ابنته وإعانة أخته وإعانة قريبته ليتحصل العفاف ولتحصل هذا الأمر العظيم الذي لا غنى لها عنه، وهي غير قادرة على أن تقدم نفسها وأن تخطب الرجال كما هو معلوم، فينبغي حينئذ أن يكون هنالك تعاون على البر والتقوى وأن يكون هنالك حرص من أولياء الأمور -كما أشرت في كلامك الكريم- فهذا كله – بحمد الله عز وجل- لا يتنافى مع حياء الفتاة المؤمنة بل يدل على عقلها وفضلها ويدل على كرم وليها وعلى حسن تدبيره لها، وقد أشرنا إلى بعض الأمور التي تعينك على هذا الشأن، ونود أن تحرصي على القيام بها وأن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية لدوام التواصل معك في هذا الشأن وفي كل ما يجد لك والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه، ونسأل الله عز وجل برحمته التي وسعت كل شيء أن يعجل لك بالزوج الصالح الذي يقر عينك وأن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يوفقك لما يحب ويرضى وأن يقيك الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39