السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت مؤخراً استشارة من يسأل: ماذا يسأل الفتاة التي تقدم لخطبتها عند الرؤية الشرعية؟
وسؤالي أنا: ماذا عن الفتاة؟ ماذا تسأل وكيف ترد على مثل تلك الأسئلة التي يوجهها الخاطب لها؟
فأنا بمجرد تفكيري بهذا الأمر أشعر بالقلق، وكلما تقدم أحدهم أشعر بالراحة أن الأمر انتهى عند السؤال عنه مثلاً، وليس أنه في الخطبة الشرعية، فأنا أستحي جداً من هذا الأمر ومن والدي أيضاً أن أكلمه في هذا الأمر بجدية، فحتى عندما يكلمني أحد فأنا أقدم رفضي بصورة المزاح، وكل كلامي يكون بطريقة مازحة، لأني لا أستطيع التفكير بجدية، علماً بأني في الجامعة، وأكلم الكثير من الشباب الأوروبيين لضرورة ذلك في الدراسة، وأكلم أيضاً عدداً من الشباب المسلم في أعمالنا المشتركة لمسلمي الجامعة..
ولا أشعر بالحرج الشديد من ذلك، ولكن إذا اقترب الأمر من موضوع الرؤية الشرعية وأن يكون متعلقاً بالزواج فأنا أعتقد أني في مثل ذلك الموقف لن أملك غير البكاء، وأخشى من ذلك كثيراً، فكيف أطمئن؟ أو كيف أستطيع أن أجد الأمر أقل حدة في نفسي؟ ولماذا أكون جريئة وواثقة عندما أتحدث إلى الشباب سواء المسلم أو غيره، ولكن في هذا الموضوع لا أستطيع مجرد التفكير بجدية؟
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يوفقكِ لما يحبه ويرضاه، وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا.
فقد أمر رسولنا صلى الله عليه وسلم من رغب في الزواج من امرأةٍ معينة أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، وقال لبعض أصحابه: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) وقال لآخر: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) وهذا أمرٌ في غاية الأهمية؛ لأن الإنسان أحياناً يرى إنساناً فلا يرتاح إليه، ليس لعيب فيه، ولكن لأن (الأرواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، وقد اهتم الإسلام بأمر الرؤية الشرعية؛ لأن الألفة أو النفرة تقع بمجرد الرؤية، ورفعاً للحرج فقد كان في الصحابة من يتخفى لرؤية الفتاة التي رغب في الارتباط بها، كما كان يفعل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وإذا رأى منها وجهها فهو يدل على حسن مظهرها، أو رأى يدها ليستدل بها على رطوبة ونعومة بدنها، وهذا القدر كافٍ، وإذا أراد أن يسأل عن صلاتها أو يستفهم منها عن أمرٍ في دينها في فلا مانع من ذلك في حضور محارمها، مع أن الأصل في الفتاة الفاضلة هو شدة الحياء، وإذا تلعثمت وسيطر عليها الحياء فتلك صفة كمال، وقد راعت الشريعة ذلك، وتكلم الفقهاء عن بكاء المرأة وضحكها عندما يعرض عليها أمر الزواج، وكذلك سكوتها، فجعلوا هذه الأحوال دليلٌ على قبولها ورضاها، بخلاف نفورها ورفضها، فإنهن يدلان على عدم الرغبة في الزواج من ذلك الشخص، وهذا متصور في الأبكار، أما الثيب فهي أعرف بالرجال، وهي أحق بالإفصاح عن نفسها ورضاها.
وكلام المرأة للأجنبي يكون بقدر الحاجة، وتتجنب الخضوع واللين في الكلام، قال تعالى: ((فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا))[الأحزاب:32]، فالشريعة إذن حددت نوع الكلام وطريقته، وإذا كان للمرأة محرم يغنيها عن مخاطبة الرجال فهذا خيرٌ وصيانة لها.
أما ما تفعله بعض الفتيات من التوسع في الكلام مع الرجال الأجانب، حتى لو كان الكلام مباحاً، فهذا دليلٌ على قلة حيائها، ولا تؤمن العواقب، فإن الأذن تعشق قبل العين أحياناً في حالة الكلام بالهاتف، فكيف إذا كانت تكلمه وتقف أمامه، وقد يصاحب ذلك تكسّر ولين في الكلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فلا داعي للقلق، وحافظي على حشمتك أمام كل أجنبي، واعلمي أن الخاطب لا يريد امرأة ثرثارة، وإنما يريد امرأةً تُحسن التصرف، وتنتقي العبارات الجميلة في مخاطبة زوجها ومحارمها، وقد وصف رب العزة والجلال المرأة فقال: (( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ))[الزخرف:18].
ولا شك أن الأسئلة تختلف من شخصٍ لآخر، فهي تتنوع حسب الاهتمامات وترتيب الأوليات، ولكن الصواب أن يحرص الإنسان على الاستفسار عن الأمور المتعلقة بالصلاة والالتزام بأوامر الشريعة بصورة أساسية، وإن كان الأفضل للإنسان أن يعرف أحوال الفتاة من إخوانها وأخوالها وأسرتها، وقد قال بعض السلف: (لن أتزوج من امرأةٍ حتى أنظر إلى إخوانها وأخوالها، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وآبائهن)، وهذا يُفيد كثيراً، ويعطي حكماً أغلبياً.
أما الأسئلة المباشرة، والاستفسار عن طريقة حياتها، فإن الإجابات المحفوظة نموذجية، ولكن سرعان ما يتبين للطرفين أن الأمر لم يكن خالٍ من المجاملات والظهور بأحسن صورة.
فاحرصي على دين الخاطب، وسليه عن صلاته وتلاوته لكتاب الله، وعلاقته بوالديه وأرحامه، فإن الإنسان إذا كان صاحب دين فكل العيوب الأخرى يسهل علاجها، بخلاف الرجل الذي لا دين له، فلو اجتمعت فيه كل الخصال التي يراها الناس جميلة لكان الخير في الابتعاد عنه، فإنه لا خير في رجل لا يصلي، ولا خير في امرأةٍ لا تطيع الله، ولابد من الاستفادة من رأي أرحامك من الرجال فهم أعرف بالرجال، وهم أحرص الناس على مصلحة فتاتهم، ومن هنا تتجلى حكمة الشريعة في اشتراط الوالي في النكاح من أجل مراعاة مصالح البنات .
أكرر، لا داعي للقلق، فأهم شيء في الفتاة دينها وسمعتها الطيبة، وهذه الأشياء لا تخفى حتى تحتاج إلى السؤال، ولكن كثير من الشباب بكل أسف يريد أن يتوسع في علاقاته مع الخطيبة، ويبحث عن مواضيعٍ لمناقشتها، وهذا ليس من مصلحة الطرفين؛ لأن فيه مخالفات شرعية، فالخطبة مجرد وعد بالزواج، فإذا حدثت عراقيل ولم يتم الزواج كانت الأسرار الخاصة ملكاً للناس جميعاً، فكل طرف ينشر ما يعرفه عن الطرف الآخر، ولابد أن نعرف أن كثرة الكلام يضطر معها الإنسان إلى الكذب وإفشاء الأسرار، التي سوف تكون في المستقبل مصدراً للشكوك، ومعاول لهدم تلك الأسرة الوليدة.
والمطلوب بعد الرباط الشرعي هو ردم الفجوات، والالتقاء في منتصف الطريق، وعلى كل طرف أن يترك الأشياء التي تضايق الشريك الآخر، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (أحب قربك ولكني أوثر هواك) فرضي الله عن عائشة، ما أعظمها من معلمة للمؤمنين والمؤمنات!
والله ولي التوفيق.