استشارات اجتماعية

صحة مقولة: (أن الرجل يحب المرأة التي تعذبه)

السؤال

السلام عليكم.

المستشارون الكرام، أود شكركم من كل قلبي على جهودكم معنا، ولدي سؤال أرجو أن يتسع له صدركم.

أنا زواجي بعد أسابيع قليلة. وأنا وخطيبي ولله الحمد متفاهمان على كل أمورنا وحتى أدق الأمور وأكثرها حساسية متفاهمان عليها وليس لدينا أي مشاكل، والفضل يعود لحكمة خطيبي في تعامله معي، وفي كوني مسالمة ولا أحب المشاكل، واستيعابه لي، فأنا بطبيعتي شديدة الخجل لكنه استطاع التعامل مع خجلي هذا وكسر الحواجز بيننا رغم أني لا زلت خجولة لكني أحس بقربه مني، وأستطيع التعبير عن مشاعري له.

وأنا بإذن الله أنوي أن نبدأ حياة هادئة يسودها الحب وطاعة الله ونكون أسرة مسلمة مثالية، لكن يا سيدي أحس ببعض الحيرة في كيفية التعامل مع زوجي في المستقبل! فأنا أحبه كثيراً وأنوي أن أؤدي لله وأعمل على راحته ما استطعت، وأقدم سعادته على سعادتي لأنه هو أيضاً يحبني وفيه من النبل والأخلاق ما يجعله يستحق كل هذا، لكن لا أدري فقد قرأت مواضيع وأسمع من النساء أن هذا خطأ فلا يجب تعويد الرجل على الاهتمام بكل أموره لأنه سيتعود ذلك ويتعبك بطلباته في كل الأمور, وسيعتاد أن يكون مدللاً ومحور الاهتمام وبالتالي لن يدللك ويفكر في راحتك وإسعادك، وأنه على العكس من هذا فالرجل يحب المرأة التي تعذبه بمعنى أنه لا يحصل منها على ابتسامة رضا، أو كلمات ثناء إلا بعد عناء طويل، وعليك جعله كل الوقت يقوم بتدليلك والاهتمام بك حتى يحصل على بعض الرضا لأنه إن رآك طيبة وشديدة الحب له وتسعين في رضاه ستهونين عليه إذ أنه يحصل منك على كل ما يريد دون ان يضطر للتعب لنيل ذلك وربما يملّك ويبحث عن امرأة غيرك لأن الرجل بطبيعته يحب المرأة صعبة المنال!

لا أدري يا سيدي! أنا أود أن أكون لزوجي كما كانت زوجات الصحابة لأزواجهم، لكن ما أسمعه وأراه يخيفني! ففي مجتمعاتنا نجد أن الزوجة الطيبة الحنون على زوجها دائماً ما تكون مغلوبة على أمرها، ولا يقدّر لها زوجها هذا كله.

أما المرأة القوية والتي تجعل زوجها يسعى كل الوقت لإرضائها فتكون محبوبة ويرجع زوجها إليها في كل شيء، ولا يفعل إلا ما تكون راضية به, لا أريد إطالة الكلام عليكم، ولا أدري إن استطعت توضيح الفكرة لديكم، وأرجو أن تفيدوني في كيفية التعامل مع الزوج، فأنا أريد أن أكون كل شيء في حياته، وأسعى على راحته، لكن الكل يخيفني من هذا وأنه خطأ؛ لأن الزوج إن اعتاد هذا من زوجته أرهقها بكثرة طلباته وطالبها بالمزيد من الدلال دون أن يكلف نفسه عناء تدليلها وسعادتها، لذا عليها تعويده من البداية أن يخدم نفسه، فلا يعتمد عليها في كل شيء حتى في أن تجلب له كأس الماء، وفي مساعدتها في بعض الأمور لأنها إن لم تفعل هذا من البداية فهي ستتحول إلى خادمة لا تجد منه أي مساعدة ولا اهتمام .

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن هذا الكلام يقلقك ويجعلك تقفين متحيرة، فأنت تريدين أن تكوني حسنة من حسنات الدنيا لزوجك وتريدين منه أن يكون لك كذلك، كما علمنا جل وعلا في الدعاء العظيم: (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))[البقرة:201-202]، ومن أعظم حسنات هذه الدنيا أن يكون للمرأة الزوج الصالح وأن يكون له الزوجة الصالحة، حتى خرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم في صحيحه.

فخير ما يحصله المؤمن هو زوجة صالحة تعينه على طاعة الله، تسره إذا نظر إليها، وتبهج قلبه ببسمتها المشرقة، وتحنو عليه حنان الأم وتسقيه الحب صافياً والمودة خالصة، فهذا هو جواب سؤالك يا أختي، فإن هذا الكلام الذي أشرت إليه والذي قد يقع كثيراً لدى طائفة من النساء يحمل عليه عدم المعرفة بما أمر الله جل وعلا من جهة وعدم المعرفة بطبيعة الرجل وطبيعة الحياة الزوجية من جهة أخرى، فهي نظرة قاصرة تعمم الخطأ وتنظر إلى بعض الحالات التي يقع فيها شيء من القصور من جهة الأزواج أو ربما كان قصوراً شديداً فتعمم هذه الحالة فتجعلها معياراً تقيس به طبيعة الرجل وتحكم بذلك هذا الحكم الذي هو مخالف لأمر الله عز وجل ومخالف لنهج هذا النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه.

وأصل ذلك أن تعلمي يا أختي أن هذا الدين العظيم الذي أكرمنا الله تعالى به قد نظم لنا جميع أمورنا، فنظم لنا عقائدنا وعباداتنا وآدابنا وكذلك نظم لنا معاملاتنا مع الناس، فيشمل هذا معاملة الوالد لولده والولد لوالده، ويشمل كذلك معاملة الزوج مع زوجته والزوجة معه والتعامل مع جميع الخلق مؤمنهم وكافرهم صالحهم وطالحهم، فلابد إذن من الرجوع إلى كتاب الله عز وجل؛ لأنك لن تنالي الهدى حتى تحكمي هذه الشريعة الكاملة على نفسك وحتى تسيري على نهج من كتاب الله، قال الله تعالى: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ))[الإسراء:9].

فهو يهدي لأقوم السبل وأعدلها على الإطلاق بل إنه يهدي المؤمن ليس في عمله فقط وليس في مقاله فقط وليس في تفكيره ونظرته إلى الحياة بل حتى في شعوره حتى في أحاسيسه يهذبها له ويجعله يرتقي بها إلى أعظم المنازل وأجل المراتب.

إذا عُلم هذا يا أختي فإن أصل المعنى الذي لابد أن تدركيه هو أن الله جل وعلا قد جعل فطرة في الإنسان تصدح في نفسه تنادي به لأن يكون صاحب زوج، فلا غنى له عن أن يحصل الزوج الذي تقر عينه به والتي تسكن نفسه به، إنه سكن النفس قبل أن يكون سكن البدن وإنه قرارها قبل أن يكون قرار القلب، فليس الأمر محصوراً في قضاء الشهوات الفطرية التي جبل عليها الإنسان، بل الأمر أبعد من ذلك لمن كان له بصيرة وأدرك المعاني العظيمة التي تجعل الزوجين كأنهما روحاً واحدة ونفساً متوافقة، قال الله تعالى: (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ))[الروم:21].

فتأملي كيف جعل من آياته العظيمة وجود التآلف والرحمة والمودة بين الزوجين، فهذا هو الذي تبنين عليه حياتك يا أختي، بأن تعاملي زوجك بالإكرام والاحترام، بل أن تبذلي جهدك في القرب منه، بأن تكوني له كالأم حناناً.. انظري إلى خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها – وهي تُجلس النبي صلى الله عليه وسلم في حضنها الشريف وتسند رأسه إلى صدرها وتحنو عليه وتطعمه بيدها وتسقيه من حنانها رضي الله عنها وأرضاها. انظري إليه صلوات الله وسلامه عليه وهو يعامل زوجته معاملة الإكرام والحب والمودة حتى إنه – صلوات الله وسلامه عليه – يلاعب زوجته ويداعبها ويلاطفها، وإذا دخل إلى البيت ابتدر السواك، أي بادر إلى السواك لما يحتاجه الزوج من معاملة زوجته من الضم والتقبيل والحنان والرحمة والملاعبة وغير ذلك من الأمور. وهذا هو الشأن الذي صار عليه من اقتدى بهذا النبي – صلوات الله وسلامه عليه – من الصحابة فمن بعدهم والخير في أمة محمد موجود إلى قيام الساعة.

إذا علم هذا يا أختي فإن خير ما تقومين به هو أن تعاملي زوجك بما أمر الله تعالى، فانظري إلى وصف نساء الجنة الذي جعله جل وعلا مثالاً للمؤمنات يتصفن به، وحكاه جل وعلا مبيناً عظيم فضله، فقال جل وعلا: (( إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ))[الواقعة:35-37] فأخبر جل وعلا أنهنَّ عُرب، والعُرُب جمع عَرُوب وهي المرأة المتحببة المتوددة لزوجها التي تبذل له الحب والحنان والرحمة وتعامله المعاملة اللطيفة الرقيقة.

فهذا هو الذي ينبغي أن تكوني عليه، وهذا يا أختي يجمع عليك قلب زوجك، وعلى النقيض مما قيل لك ومما يشاع عند بعض النساء، فإن الرجل إذا رأى من زوجته الحب والحنان ورأى منها المعاملة اللطيفة التي تُشعره بمنزلته في قلبها أُسرت بذلك قلبه، بل إن زوجته تملك فؤاده حينئذ بحسن معاملتها وملاطفتها، وهذا على النقيض مما ترين من هذه المعاملة التي تشعر الزوج بالنفور من زوجته، بل إنه تجعله ينظر إليها على أنها قاسية القلب وعلى أنه لا يجد منها مصدر الحب وينبوع الحنان. وانظري إلى هذا المثال الكريم الذي يضربه النبي صلى الله عليه وسلم عندما يخبر بنساء أهل الجنة أي أن من هي جديرة أن تكون من نساء الجنة بإذنِ الله فيقول: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الولود الودود التي إذا ظلمت قالت هذه يدي في يدك -أي: يدها في يد زوجها- لا أذوق غمضاً حتى ترضى) أي: لا تذوق عيناي طعم النوم حتى ترضى عني، تسترضي زوجها وتحافظ عليه.

فهذا يا أختي هو الذي يجعلك تعيشين طعم الحياة الحقيقية التي مبناها على تقوى الله وعلى المعاملة الكريمة وعلى الإكرام المتبادل بين الزوجين وعلى التراحم والمحبة، فبحسن تعاملك مع زوجك لا تنالين فقط رضاه ولا تفوزين فقط بقلبه بل تظفرين أيضاً بأعظم من ذلك: إنه رضا الله، فأنت تمتثلين أمر الله جل وعلا، فإن من حق الزوج على زوجته أن تطيعه بالمعروف، حتى قال صلوات الله وسلامه عليه: (أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة) أخرجه الترمذي في سننه. وخرج الإمام أحمد في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت).

وهذا يا أختي هو الذي يجمع لك الخير كله، فإن أصل الأمر إعطاء كل ذي حق حقه كما قال سلمان رضي الله عنه وأرضاه: (إن لربك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولزوجك عليك حقّاً، ولزورك – أي ضيفك – عليك حقّاً، فأعط لكل ذي حق حقه، فقال صلوات الله وسلامه عليه: صدق سلمان) خرجه البخاري في صحيحه. وهذا منصوص من كلامه الشريف وهو مخرج في الصحيحين عنه – صلوات الله وسلامه عليه – .

وأيضاً فلا تتعاملي مع زوجك على أنه إذا طلب منك أن تحضري شيئاً من حوائجه كأن تسقيه أو تقومي ببعض شؤونه فلا تنزلي الأمر على أنك خادمة وهو السيد، بل أنزليه على أنه أمر الحبيب لحبيبه، ولو طلبه منك فأديه بنفس منشرحة بنفس مقبلة، بل انظري إلى عينيه واقرئي طلبه قبل أن يصدر من لسانه، فهذا هو شأن المرأة العاقلة التي تظفر بقلب زوجها بل تملكه، وليس بأن تُصغي إلى كلام يفسد عليها عشرة زوجها ويقلب حياتها إلى شد وجذب وربما بعد ذلك إلى فراق وفساد. فاعرفي هذا يا أختي فإنه من أنفع الأمور لك وابني حياتك على طاعة الله جل وعلا.

Related Posts

1 of 39