السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد الشكر الجزيل للجهود التي تبذلونها، أود أن أطرح عليكم موقفي الذي أثر عليّ بشكل مخيف، آملاً أن تساعدوني في التخلص من أثره، وهو كالتالي:
أنا طالب، أبلغ من العمر 21 سنةً، وأنا -الحمد لله- شاب خلوق، ومتمسك بالصلاة والصيام، وجميع العبادات، ما حصل لي باختصار:
أنه وفي يوم وبعد انتهاء يومي بالجامعة ذهبت أنا وصديقي إلى موقف الحافلات والمواصلات في الجامعة، فصعدت إلى الحافلة، وحجزت كرسيين لي ولصديقي الذي لم يلحق بي مباشرة، فوضعت كتابي على الكرسي، ونزلت لأتفقده فوجدته، وصعدنا الحافلة، وإذا بشاب أخذ الكرسي، فانزعجت منه كثيراً، وطلبت منه بطريقة لبقة أن ينهض عن الكرسي فلم يكترث، ورد علي قائلاً: أنا وجدته فارغاً فركبت، ليس لي علاقة! فصرخت عليه وذهبت، أعلم أن موقفي كان ليس باللائق، ولكن الشاب صرخ في وجهي أمام الطلاب، وأسمعني كلمات قاسية، عندها لا أدري ما الذي حصل لي؟! تملكني الخوف، وصرت أرتجف، ولم أستطع التكلم، وعندما رآني بهذه الحالة تمادى أكثر، ووضع يده على وجهي! عندها أصبت بصدمة لم أعرف مثيلاً لها بحياتي! إلى أن أنهى صديقي الموقف.
باختصار: تهزأت في ذلك الموقف أمام الطلاب، ومن ذلك اليوم الذي حصل منذ شهرين إلى اليوم وأنا أجلد ذاتي وأندم لأنني لم أرد عليه، وحالياً فقدت ثقتي بنفسي، وأقول لنفسي حرام أن أكون رجلاً! وصرت أخجل من نفسي، وعانيت من الأرق، كلما تذكرت الموقف استحقرت نفسي!
أرجو منكم مساعدتي على توضيح الصورة لي، ربما أني بالغت، ولكن هذا الذي أعيشه.. وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالذي مررت به نسميه خبرة حياتية، أي أنها تجربة نفسية، والذي حدث هو أنك حين قمت بحجز الكرسي لصديقك ثم فوجئت بعد ذلك بهذا الشخص يجلس على الكرسي ويدعي أنه قد وجده غير محجوز، بعد ذلك حدث الحوار فيما بينكما، وانتهى الأمر بتلاسن شديد من جانبه.
هذا الموقف من الناحية التحليلية النفسية: بما أن هذا الشاب في الأصل أنكر تمامًا أن الكرسي كان محجوزًا، فهذا دليل واضح على منهجه وسلوكياته في الحياة، هو مستعد لأي نوع من المواجهات، غالبًا تكون الأنانية ومحاولة إثبات الذات بأي طريقة هي منهجه في الحياة أيضًا، وفي المقابل أنت تنطلق بنية حسنة وتحاول أن لا تظلم وتُظلم، وهذه الرقة واللطافة في شخصيتك ومنهجك الأخلاقي التربوي الجيد هي التي جعلتك تصطدم بموقف لم تكن تتوقعه، وكان الجانب الآخر يُعد نفسه تمامًا للمواجهة، ويظهر أنه لا يخلو من احترافية، وتعود على مثل هذه المواقف، مثل هؤلاء الناس تجد أن لديهم ذخيرة غنية جدًّا من الكلمات السيئة، والقدرة على الصراخ في وجوه الآخرين، وبالنسبة لك أنت إنسان مخالف تمامًا لطريقة هذا الشخص ومنهجيته مختلفة تمامًا.
الذي حدث هو نوع من التصادم القيمي، أنت تتحرك من قيمة معينة، وهو يتحرك من قيمة أخرى.
فأنت أحسنت التصرف، وما حدث لك من خوف وارتعاش وندم بعد ذلك أنك لم ترد عليه بالصورة المطلوبة، هذا ليس جبنًا منك، ولا ضعفًا في شخصيتك، إنما هي آلياتك النفسية الداخلية هي التي جعلتك تقف مثل هذا الموقف.
فالموضوع لا يحتاج لأي نوع من العلاج الدوائي، أنت لست بجبان، أنت إنسان محترم، إنسان تراعي الآخرين، رجل حيي، هذه كلها يجب أن تعتبرها قيماً عالية جدًّا، وسجايا وسمات منتظرة من أي شاب مسلم لديه القدرة على كظم الغيظ والإحسان إلى الآخرين، وأن لا ينزل الإنسان إلى مستويات بعض الناس، حيث إن التجاهل مطلوب، فهذه تجربة لا تنظر إليها كتجربة سيئة، إنما هو نوع من الصراع القيمي كما ذكرت لك، وعش حياتك بصورة طبيعية جدًّا، وإن كان هذا الشخص تصرف بصورة شريرة، فأنا أؤكد لك أن العالم به أُناس يتصرفون بطريقة فيها الكثير من الخيرية والحب والجمال والاحترام.
ليس هنالك ما يدعوك للأرق أو للقلق، على العكس تمامًا يجب أن تكافئ نفسك بأنك صبرت على هذا الشخص، وأنك لم تتلفظ بنفس الطريقة التي تصرف بها هو، فإن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه، وأنت لست بجبان، أنت لست برعديد، ولست بضعيف الشخصية، إنما تتميز بحسن الخلق من الموطئين أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون، وهذا هو المطلوب وأحسنت التصرف، فدع الكلاب تعوي والقافلة تسير.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا وبالله التوفيق والسداد.