السؤال
السلام عليكم
أنا طالبة طب بشري حاليًا في السنة الأولى، قصتي بدأت عندما دخلت السنة التحضيرية في جامعة حكومية في القسم الصحي، وكانت رغبتي الأولى هي دراسة الطب، لكن بسبب نسبتي كانت أقل بفواصل من دخول الطب.
تم قبولي في الرغبة الثانية وهي طب الأسنان، كان لدي شعور من البداية أني لن أُقبل بالطب، وكل من كان يسألني عن شعوري تجاه طب الأسنان قبل الدراسة أقول إني مرتاحة، ولعله خير، وسأجرب حتى أحكم، فلربما يعجبني، وفعلًا درست سنة كاملة وكانت درجاتي عالية جداً، ولله الحمد.
كان شغلي في القسم العملي من الأفضل، لكن كلما أفكر بالمهنة مستقبلاً وأتخيل نفسي فيها أكرهها وأشعر دائماً أن ميولي تجاه الطب!
انتهت السنة وحاولت التحويل في نفس الجامعة للطب، انتظرت شهوراً منهم حتى كان ردهم الرفض.
خلال تلك الفترة كما نعرف مع الوباء والحبس في البيت، والنفسية جدًا سيئة لاتخاذ قرارت مصيرية، ولكن أنا بعد الرفض سألت الوالدة إذا كان باستطاعتي التسجيل في جامعة أهلية، ووافقت واستخرت وقدمت وقُبلت فيها في الطب!
منذ اليوم الأول لم أشعر بارتياح، وقمت بتهدئة نفسي لأنها بداية جديدة وستمر، لكن مع الوقت كرهت التخصص، والماضي دائمًا يلاحقني، وأكتئب وأبكي كثيرًا على انسحابي من الجامعة، لأني لم أحسبها بطريقة صحيحة، ولم أخطط بشكل صحيح، وفقط فكرت برغبتي ولم أفكر بالواقع بترو، وكل شيء صار على عجل.
أنا كنت جيدة في طب الأسنان، وهناك احتمال أني أبدع فيه كثيراً، وعندما تركته أحببته، وأرغب في العودة، أيضًا أشعر بالذنب أني حمّلت أمي همّ مصاريف الجامعة.
أرجو المساعدة، وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك عزيزتي.
لقد سرّني أنك فتاة متفوقة تبحث عن المجال الذي يتناسب مع ميولها، فهذا سينعكس بلا شك على تميزك مستقبلاً، سواء في حياتك المهنية أو الشخصية.
من الطبيعي أنه أثناء رحلة البحث عن المجال الذي يُناسب شخصيتنا ومهاراتنا وميولنا أن تنتابنا الحيرة والتردد، وهو ما يحدث معك الآن، ولكن مع الاستمرار في البحث بالشكل الصحيح سيرسو الشخص على المجال الذي يشعر فيه بالسعادة.
– بداية هناك نقطة ليست واضحة لي، هل تسجيلك في كلية الطب في الجامعة الأهلية يلغي مقعدك في طب الأسنان في الجامعة الحكومية أم أنك قد قمت بإيقاف لدراستك، وتستطيعين العودة إليها في العام القادم إنْ كان الأمر كذلك فهذا يخفف من مشكلتك، حيث تعطين لنفسك تجربة هذا العام، ومن ثم تختارين وتحسمين الأمر.
– خلال بحثك عن الكلية المناسبة لك، لا أعلم إنْ كنت تبحثين بالطريقة الصحيحة، أم كانت طريقتك عاطفية أكثر، حيث إنّ الطريقة الصحيحة تقوم على أن تبحثي وتسألي عن الصفات العامة للمهنة ومتطلباتها، والسمات الشخصية التي تتطلب توفرها لدى صاحب المهنة، والصعوبات التي تتسم بها تلك المهنة، فبهذه الطريقة تستطيعين تخيل مدى مطابقة تلك السمات مع شخصيتك ومهاراتك وميولك، وأيضا مدى قدرة تحملك للمصاعب.
أيضاً لو كتبتِ لنا الأسباب التي جعلتكِ تشعرين برغبة ونفور من كلٍّ من كلية الطب وطب الأسنان، مع ذكرك لبعض صفاتك وسمات شخصيتك لكنّا تمكّنا من مساعدتك أكثر في هذا الموضوع.
– لذا إنْ كنتِ قد اتبعتِ مع نفسك هذه الطريقة، ووجدت أنك تميلين لكلية الطب واستخرت الله تعالى حينها وتيسّر لك دخولك للطب، فأنصحك بالتسليم لأمر الله، فهو جلّ وعلا يرى الخير لنا على المدى القريب والبعيد، وعلينا أن نُسلّم له أمرنا، مع كامل إيماننا وثقتنا باختياره لنا.
لذا أعطِ لنفسك الوقت، وعيشي هذه الأشهر من العام الدراسي بعيدآ عن أية حكم مسبق، بل أعطِ لاختيارك حقه من التجربة، وابحثي دائما عن ايجابيات كلية الطب، بعيداً عن المقارنة، واتركي للزمن فرصته في تأكدك من قرارك، و لاتحزني إن أخذ ترددك بعض الوقت من حياتك، فالمهنة تلازم الإنسان طيلة حياته لذا اختاري المهنة التي تمارسينها بحُب.
– لفت انتباهي كلامك أنك من اليوم الأول لك بدراستك في كلية الطب لم ترتاحي، فهذا جعلني أخمن أنك من النمط العجولي والعاطفي في أمور حياتك عامة، فهل حاولت مع نفسك معرفة الأسباب المنطقية وراء شعورك بعدم الارتياح؟ فتلك الأسباب ستساعدك في عقلنة مشاعرك.
– أرى أنك من الأشخاص الذين تستطيعين التفوق الدراسي والإبداع في كلا الكلّيتين، الطب وطب الأسنان، ولكن ما تبحثين عنه هو راحتك النفسية لتفاصيل ممارسة المهنة على أرض الواقع.
– لذا من الأمور التي تساعدك في التفكير بواقعية لحسم قرارك هو البحث عن معارف لك أو من العائلة سواء أطباء أو أطباء أسنان، واطلبي منهم أن تشاركيهم يوماً كاملاً أو أكثر من أيامهم المهنية، وهذا بهدف أن تري بعينيك كل تفاصيل ممارسة المهنة، من إيجابيات وسلبيات وصعوبات، فذلك سيُيسّر عليك أن تقرري أية مهنة تجدين بها نفسك ناجحة فيها.
– إن مجال الطب له تخصصات عديدة جداً، وهناك فروق كبيرة فيما بينها من حيث طبيعة الدراسة وطبيعة ممارسة المهنة من ايجابيات وسلبيات، لذا إن بحثت بشكل معمق في جميع التخصصات فلا بد وأنك ستجدين ما يناسبك ويناسب شخصيتك وطموحك وينعكس عليك بالراحة والسعادة.
ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدْتُكِ، وأدعو الله أن يشرح قلبك ويختر لكِ الخير حيث كان ويُرضيك بهِ.
لا تترددي في مُراسلتنا مُجدداً إن كانت لديك أية استفسارات أخرى.
بتوفيق الله.