السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو أن تفيدوني أفادكم الله، أنا متزوجة ولي طفلان وأنا حامل، أحب زوجي كثيراً وهذه مشكلتي، فهو ملتزم إلى حد ما، يصلي ويقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس وغيرها من العبادات، لكن منذ فترة قام بإدخال الانترنت مع اعتراضي عليه بحجة أننا لسنا أتقياء كفاية، ومع ذلك كنت لا أتجسس عليه وأتركه وحده لاسترجاع الثقة بيننا، ولكني فاجأته مرة ينظر إلى لقطات إباحية وحدث شجار بيننا، وقال لي لست من يحاسبني، وبعدها قلت في نفسي يمكن أن يكون مجرد حب اكتشاف، لكن بعد ذلك اطلعت فجأة ودون قصد على صفحته في الفيس بوك، فوجدت معظم علاقاته مع البنات، ليس لعلاقات محرمة، ولكن يريد التعارف بهن، وهنا لم أتمالك أعصابي، وفور عودته واجهته، لكنه رد بأنه مجرد مزاح، تطور الشجار لأنني لم أصدق أن زوجي البريء يصدمني هكذا، وضربني بقوة وأنا حامل، حتى أنني فكرت أنه لا يحبني وطلبت الطلاق، لكن الله ستر وطلب المسامحة، وقال لي أنه يعلم أنه مخطئ، وأن الله سيهديه.
هنا بدأ صراعي مع نفسي، لم أعد أثق به ولا بنفسي، مع أني على قدر لا بأس به من الجمال وأهتم بنفسي، لكني الآن أصبحت أرى نفسي قبيحة وشريرة، لهذا جرى لي ما جرى، أشعر دائماً بالنقص، وأشعر أنه لا يحبني، مع أنه يقسم دائماً أنه يحبني، وما زاد همي هو أنني لا أشكو مشاكلي لأحد، حتى لعائلتي، كي تبقى صورته في أعينهم جميلة، مع أنني يتيمة الأب وأحب زوجي كثيراً، لكن هذا الإحساس يكاد يخنقني، أغار حتى من بنات الشارع عندما نخرج، ولا أستطيع أن أتخيل أنه قد لا يكون لي في يوم من الأيام.
تعبت كثيراً، وليس عندي من أكلمه، أرشدوني كيف أكسب ثقتي بزوجي وأرتاح نفسياً من هذه الشكوك التي أصبحت شريكة حياتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يعوضك خيرًا. كما نسأله تبارك وتعالى أن يغفر لزوجك، وأن يتوب عليه، وأن يتجاوز عن سيئاته، وأن يباعد بينه وبين الحرام، وأن يعينه على معاملتك معاملة طيبة. ونسأله جل جلاله أن يُنزل بينكم المودة والمحبة والوئام، وأن يجعل حياتكما كلها تفاهم وتقدير واحترام، وأن يُباعد بينكما وبين ما يُغضبه، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإني أحيّي فيك أنك إنسانة كتومة تحرصين على أن تظل صورة زوجك صورة جميلة وحسنة في نظر أهلك، وهذه مسألة جيدة ورائعة، وهي صفة من صفات النساء الصالحات البعيدات النظر، لأنك الآن قد تشوهين صورته في نظر أهلك مما يترتب عليه تفاقم المشاكل، لأن أهلك إذا علموا أن فيه نقطة ضعف أو أنه به بعض العيوب فإنهم قطعًا ستختلف طريقة تعاملهم معه، وبالتالي هذا سينعكس على علاقته معك، مما قد يترتب عليه انتهاء العلاقة الزوجية بالكلية، فحرصك الآن على أن تظل صورته جميلة في أعين أهلك أعتقد أن هذه خطوة رائعة، وهي من توفيق الله تبارك وتعالى، وأتمنى أن تحرصي عليه ما دمت قادرة على السيطرة على مشاكلك.
فيما يتعلق بهذه التصرفات التي صدرت من زوجك، فإنه مما لا شك فيه أنها تصرفات مزعجة، خاصة إذا كان هناك صلاح والتزام وقيام ليل وصيام وعبادات طيبة، هذه تجعل الإنسان في محل الثقة الراقية، وفي محل القدوة والأسوة، فإذا ما حدث منه أي تصرف خاطئ فإن هذا يكاد أن يشوه هذه الصورة الجميلة الرائعة، وأنت تعلمين أن الله تبارك وتعالى ركّب في الإنسان عوامل الخير والشر، وجعله مسؤولاً عن تصرفاته، وأمره أن يزكي نفسه، كما قال الله تبارك وتعالى: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّها} وقال أيضًا: {من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها}.
فنحن فعلاً مسؤولون عن تصرفاتنا، إلا أن الشيطان – لعنه الله – والنفس الأمارة بالسوء قد تؤدي أحيانًا إلى ضعف الإنسان ووقوعه في أشياء قد يُنكرها ولا يُريدها، ومع الأسف الشديد أن معظم هذه التقنيات الجديدة فيها الخير والشر، ولا نستطيع أن نقول بأن الإنترنت كله شر، بل إنه كما ذكر بعض المشايخ المحققين الباحثين المتقنين أن نسبة الشر فيه لا تزيد عن خمسة بالمائة، وأن نسبة الخير فيه كثيرة جدًّا، ولكن الشيطان يزين هذه النسبة الصغيرة فيجعلها هي الأصل – والعياذ بالله –، ونرى الإنسان لضعفه وقلة انتباهه قد يقع في الحرام وقوعًا ذريعًا، بل قد يفقد دينه والعياذ بالله رب العالمين.
وعليه فإني أريد منك -بارك الله فيك- ألا تكوني ضد زوجك، خاصة وأنه قد اعتذر لك وقال بأنه مخطئ وأنه يدعو الله عز وجل أن يهديه، أتمنى أن لا تقفي ضده، وأن لا تنظري إليه دائمًا نظرة النقص أو نظرة العتاب واللوم، وإنما حاولي أن تقفي معه، وأن توجهي له رسالة بأنك لا يمكن أن تتخلي عنه أبدًا بحال من الأحوال، لأنه زوجك وهو حبيبك، وهو أبو أولادك وهو مثلك الأعلى وقدوتك الصالحة، وحاولي أن تتغاضي عن بعض الأشياء، لأن الزوجة أحيانًا قد تنظر لزوجها نظرة تقتله وهي لا تدري، نظرة شماتة أو نظرة سوء ظن، أو نظرة عتاب قوي، مما يجعله يشعر بأنها لم تغفر له ولم تتجاوز عن زلاته، فهذا قد يعمّق لديه فكرة الرغبة في الانتقام منها بالوقوع في الحرام -والعياذ بالله-.
أتمنى -بارك الله فيك- أن تجلسي معه جلسة مصارحة، وأن تقولي له: (أعلمُ أن كل بني آدم خطاء، ولكن خير الخطائين التوابون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمُ أن الشيطان قد يضحك على الإنسان وقد يزين له الحرام، ولكن أنت يجب أن تعلم أن منزلتك عندي عظيمة، وأنك مثلي الأعلى وقدوتي الصالحة، وأنا أحب فيك دينك وصلاحك واستقامتك، ولا أريدك أن تفقد هذه النعمة العظيمة، أنت مثلي الأعلى وكم دعوتُ الله تعالى أن يجعلني زوجة لك في الجنة، لأني أرى أنك أعظم رجل خلقه الله تبارك وتعالى في هذا العالم بالنسبة لي).
حاولي أن توجهي له مثل هذه الكلمات الرقيقة الحانية التي تشعره بأنك لم تفقدي الثقة فيه، وأنك مازلت حريصة على التمسك به مهما بدا منه، وفي نفس الوقت أيضًا تكون هناك مسألة الدعوة غير المباشرة، يعني تقولين له: (هذا الوقت لو أننا أضعناه في طاعة الله، أو لو أنك تدخل إلى بعض الأشياء المفيدة، أنا لا يوجد عندي مانع، ولكن أنا يعز عليَّ أن أرى الشيطان اللعين يضحك عليك وأنت مثلي الأعلى وقدوتي الصالحة) قولي له أيضاً: (كم كنت حزينة عندما علمتُ ذلك، والله أنا لم أحزن إلا خوفًا عليك، لأني أحبك، ولولا أني أحبك ما حزنت هذا الحزن الشديد، أنا أعلم أني إنسانة وأن الإنسان قد يكون في ضعف وقد يكون هناك من هو أجمل مني ومن هو أحسن، ولكن أعلم أنك رجل على قدر عال من الإيمان واليقين والصلاح والاستقامة، وأن مثلك ينبغي أن يكون عملاقًا في نظر الشيطان لا يضحك عليه).
مثل هذه الكلمات أختي الكريمة أعتقد أنها سوف تعيد المياه إلى مجاريها، وأتمنى بارك الله فيك أن تنظري لنفسك نظرة إيجابية، وأن تعلمي أن فقدك لثقتك في نفسك سيؤدي إلى إهمالك لزوجك، وبالتالي ستؤدين فعلاً إلى زيادة المشكلة، حاولي أن تتركي هذه المسألة جانبًا، وأكثري من الدعاء أن الله يُنسيك هذا الموقف السلبي، وحاولي أن تهتمي بنفسك أكثر مما كنت من ذي قبل، وأن تهتمي ببيتك، وأن تجعلي بيتك كما لو كان روضة من رياض الجنة، وحاولي أن تجعلي غرفة نومك غرفة خاصة جدًّا ومتميزة.
حاولي بارك الله فيك كلما حاول الشيطان أن ينغص عليك حياتك بهذه الذكرى الأليمة أن تستعيذي بالله عز وجل، وأن تطاردي هذه الفكرة، وأن تقاوميها ولا تستسلمي لها، وحاولي أن تقولي بينك وبين نفسك: (إن زوجي رجل صالح وزوجي مستقيم، وزوجي يخاف الله ويتقيه، وأنا صالحة وسيكرمنا الله بالاستقامة والبُعد عن الحرام).
وفقك الله لكل خير.