استشارات اجتماعية

كيفية حماية بيت الزوجية من تدخلات أهل الزوج وسلبياتهم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تزوجت منذ خمسة أشهر من رجل طيب خلوق يخاف الله، والحمد لله على هذه النعمة التي رزقني بها، وكما تعلمون بأن الخطبة تسبق الزواج، فعندما تمت الخطبة ومنذ اليوم الأول الذي تعرفت فيه على حماتي وحماي لم أحبهم على الإطلاق، ومنذ رؤيتهم لأول مرة قلبي لم يهتف لهم على الإطلاق ولا أدري لماذا، ولكن رغم هذا كنت حسنة التعامل معهم، وبدأت دعوات الغداء لي فأصبحت أتردد إلى منزلهم من وقت لآخر أنا وأخي، وبدأت ألمس كيف أن حماتي قليلة الذوق وليس لها كبير ومتعجرفة.

مع العلم أنها لا تملك شيئاً تحسد عليه، حيث لا دين فهي سافرة، ولا علم ولا جاه ولا حسب ولا نسب ولا مال، وهي وحماي من نفس الطينة، وأصبحت كلما تراني تتكلم عن سيئات ابنها الذي هو خطيبي، وأنا أندهش .. أيعقل أن تفعل هذا؟ ولم أكن أخبر خطيبي بما تفعل خوفاً على مشاعره، ولكن وصلت الدرجة معها بأنها أصبحت تتهمه بأشياء خطيرة كالبخل وعدم الفهم، وعند ذلك لم أستطع التحمل فأخبرت خطيبي بكل شيء، ولم يستغرب ما قلت له وأبصرت دموعاً في عينيه وأخبرني بأنها تحب أخاه الكبير أكثر منه، ومنذ صغره وهي تحب السيطرة عليه والتحكم فيه هي وزوجها، فأصبحت أخفف عنه وأهدئ من روعه.

ولقد محوا شخصيته تماماً، وأصبح زوجي ضعيفاً جداً بسبب التربية القاتلة له، ولكننا اليوم والحمد لله تزوجنا واستطعت أن أقوي شخصيته كثيراً؛ لأن شخصيتي في الحقيقة قوية جداً، وعندما أصبحت أنا وزوجي في بيت واحد لا زالوا يتصلون في اليوم عدة مرات للاطمئنان – هكذا يقولون – ولكني لا أصدقهم، وكلما ذهبنا وجئنا يريدون أن يعرفوا إلى أين ذهبنا ومن أين جئنا، وقد وصلت الوقاحة بهم أنهم في يوم من الأيام اتصلوا ببيت أهلي ليعرفوا أين نحن، مع العلم أنه كان بالإمكان الاتصال بنا على الموبايل لتعرف ولكنها لا تصدقنا.

وأنا أكرهها كثيراً هي وحماي ولا أريدهم في حياتي لأنهم حتى اليوم يمارسون ضغوطات على زوجي، وزوجي يعلم الحقيقة الكاملة عنهم ويقف بصفي ودائماً يقول لي: لا تسمعي لهم ولنفعل نحن ما نشاء، ولكني مضطربة جداً ولست مرتاحة وأريد التخلص من كل هذا، تخيلوا أنهم يعرفون أننا بعد الظهر من كل يوم ننام بعد العودة من العمل فيتصلون بنا في هذا الوقت لإزعاجنا فقط، فماذا أفعل؟ وكيف أتعامل مع حماتي وحماي؟ وكيف أوقفهم عند حدهم؟ وكيف لا أجعلهم يؤثرون على زوجي نفسيّاً؟ وهل أخبر أمي وأبي بما يحصل؟

فقد سئمت منهم كثيراً وقلقي الأكبر هو على زوجي لأنه يتناول اليوم دواء للنفسية بسبب مخلّفات والديه ومعاملتهم السيئة له.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فواضح بحمد الله عز وجل أننا أمام زوجة تحرص على صلاح زوجها وعلى إعانته على نوائب الحق، فأنت تريدين أن تعيني زوجك ليس فقط في أموره الدنيوية بل وفي أموره النفسية كذلك، فتحرصين على أن تعالجي ما لديه من آثار قد ترسبت لديه منذ الماضي بفعل العوامل الاجتماعية التي قد يكون تعرض لها، وهذا أمر تحمدين عليه وهو أيضاً في ميزان حسناتك بإذن الله، فإن المؤمن أخو المؤمن وهو معين له وناصر إيَّاه، كما قال تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))[التوبة:71]، فكيف وهذا الرجل هو زوجك وحليلك وهو الذي بينك وبينه هذا الميثاق العظيم، فأنت أحق من قمت بإعانته وأحق من وقفت إلى جانبه، ونسأل الله عز وجل أن يكتب أجرك في كل ذلك.

وأما عمَّا أشرت إليه من أمر والدي زوجك فإن الطريق في التعامل معهما وعلاج هذه التصرفات يحتاج منك إلى صبر وتحمل وإلى سعة صدر حتى تصلي إلى غايتك بأسهل الطرق وأسلمها وأبعدها عن الشقاق والخلاف فعليك بهذه الخطوات التي نسأل الله جل وعلا أن يجعل فيها الخير والرشاد لك ولزوجك:

1- ابدئي أولاً في خاصة نفسك بالاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه والاضطرار لرحمته، واسأليه أن يشرح صدر زوجك وأن يجمع قلبه عليك وأن يجمع قلبك عليه، وأن يجعلكما زوجين صالحين وأن يجنبكما الشرور والفتن، فاجعلي من دعاءك: (يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين)، ومن الدعاء العظيم الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر)، فهذا أول مقام تقومينه، وأيضاً فلابد من أن تحثي زوجك على التوجه إلى الله تعالى، وما المانع أن يكون لكما صلاة للحاجة فتصليان ركعتين لله عز وجل ثم تسألان الله حاجتكما وأن ييسر أموركما؛ فإن هذا من أعظم المقامات، إنه مقام التوكل ومقام الاعتماد على الله الذي مَنْ وفقه الله تعالى إليه فقد كفاه المئونة؛ قال تعالى: ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))[الطلاق:3] أي فهو كافيه وناصره.

2- لابد من أن تكوني صاحبة علاقة قوية بزوجك، وهذا يقتضي منك أن تشرعي زوجك بمحبتك وأن تبذلي الحب الخالص له من جهة وأن تعينيه أن يبذل هذا الحب الخالص من جهة أخرى، والمقصود بهذا الكلام أن تعوديه على عبارات الحب والمودة وأن يكونا بينكما تواصل في هذه المعاني، فإن التعبير عن العواطف الإنسانية يعين على التفريغ لما يجول في النفس ولما يكمن فيها من المشاعر، فإعانتك إياه عن التعبير عن مشاعره وعن التعبير عن عواطفه ستعينه كثيراً على علاج نفسه وعلى الخروج مما يعانيه من حالة الكتمان العاطفي إن وجدت أو من حالة ضعف الشخصية والذي سوف نشير إلى علاجه في الخطوة القادمة.

3- عليك أن تسعي سعياً حثيثاً في تقوية ثقة زوجك بنفسه، وهذا يحتاج منك أن توازني بين أمرين: وهو أن تحاولي إعانة زوجك ليصل إلى مرحلة الثقة بنفسه وإلى مرحلة أن يكون صاحب قرارٍ ورأي يعتمد عليه، دون أن يصل إلى مرحلة الغرور ومرحلة العجب برأيه والاعتداد بنفسه فينقلب الأمر عليك أولاً ثم ينقلب عليه ثانياً، فلابد من موازنة بين هذين الأمرين، فشجعيه وبيني له احترامك رأيه وتقديرك كلامه، ومع هذا فكوني معتدلة متوسطة في إيصال هذه المعاني دون مبالغة ودون إسراف حتى لا يعود ذلك بالضرر عليه فيصبح معجباً برأيه معتدّاً بكلامه دون الالتفات إلى رأيٍ أو كلام أو مشورة، فانتبهي إلى هذا الأمر ووازني بين الأمرين السالفين.

4- عليك بأن تعاملي أهل زوجك بما أمر الله تعالى، وما أمر الله جل وعلا به هو أن تعامليهم بالعدل والإنصاف بل الأولى أن يكون بالإحسان أيضاً، فادفعي شرهم عنك بالإحسان إليهم، وادفعي ضررهم عنك بأن تقابلي السيئة بالإحسان؛ كما قال الله جل وعلا: ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ))[فصلت:34-35]، ولكن ومع هذا فلابد من الاحتياط لنفسك ومن حفظ كرامتك ومن البعد عن أسباب المشاكل، فمثلاً قد أشرت إلى الخلل الديني الواضح الظاهر في أهل زوجك، فهذا الأمر يجعلك تحتاطين وتحترسين من كثرة مخالطتهم لأن مخالطتهم وهم على هذه الشاكلة ستؤدي إلى الضرر الديني على زوجك أولاً ثم عليك ثانياً، لأنهم سيرتكبون المخالفات الشرعية دون أن يكون هنالك أي رادع أو أي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فلتكن إذن زيارتكم زيارات محدودة ليست بالكثيرة وفي نفس الوقت لا تصلين إلى درجة القطيعة، فوازني بين الأمرين، فهذا هو الأمر الأول.

والأمر الثاني: أن تعاملي أهل زوجك لاسيما والدته بشيء من التحرز في الكلام وعدم التمادي في العبارات، فإذا واجهتك بعبارة شديدة فبيني لها أنك لا تحبين أن تسمعي منها هذا الكلام ولكن أيضاً مع لطف ومع رفق، فحافظي على كرامتك وحافظي على شخصيتك دون أن تصلي إلى رد الإساءة بالإساءة، لاسيما وهي والدة زوجك، وعامة الناس وخاصتهم سيعودون عليك باللوم إن أسأت إليها حتى لو كان ذلك ردّاً على عبارتها، فتحملي منها الخطأ اليسير وأما الخطأ الظاهر البيِّن فرديه عن نفسك ودافعي عن حقك ولكن مع لطف وضبط للنفس دون أن يصل الأمر إلى أن تردي الإساءة بالإساءة أو أن تردي اللفظة باللفظة، فانتبهي لهذا الأمر واعلمي أنك بذلك تنالين أجر الصابرين وتحظين بمحبة زوجك وإكرامه لأنه سيرى منك الزوجة الصابرة صاحبة الخلق وصاحبة الدين فيجتمع قلبه عليك ويعرف الخطأ ممن صدر وهذا أولى لك في دينك وأولى لك أيضاً في دنياك، فتأملي هذا المقام واحرصي على التمعن فيه حتى لا تقعي في حالة من الصدام مع أهل زوجك فيؤدي ذلك إلى الشقاق ليس بينك وبينهم فقط بل ربما بينك وبين زوجك أيضاً.

5- لا ينبغي أن تخبري والديك بهذه المشاكل ولا أن تجعلي من هذه الأمور سبباً لحصول المشاكل الظاهرة بين أهلك من جهة وبين أهل زوجك من جهة أخرى؛ لأن والديك قد لا يتحملان ما تتحملينه، فأنت صاحبة زوجك وأنت صغيرة في السن ولديك القدرة على التحمل وعلى امتصاص الصدمات، بينما قد يكون لوالديك شيءٌ من الغيرة عليك وشيءٌ من الدفاع عنك بحكم ما جبلا عليه من الحبة ومن الحرص على مصلحتك فيؤدي ذلك إلى الشقاق بين أهلك وبين أهل زوجك، فيحصل بذلك ضرر وشر ربما ليس باليسير، فالصواب أن تكتمي هذا الأمر وأن تتركيه قيد العلاج مع زوجك ومعك دون أن يكون هناك أطرافاً أخرى تتدخل فيه، وقد أثبتت التجارب وكثرة الحوادث الشاهدة للعيان أن تقليل عدد المشاركين في المشاكل يجعل المشكلة محصورة ويجعل إمكان علاجها ممكناً سهلاً بإذن الله عز وجل، فانتبهي أيضاً لهذا المعنى.

6- احرصي على تقوية إيمان زوجك وعلى صلاحه، فإن صلاح دينه صلاحٌ لدينكما معاً، بل صلاح لدنياكما أيضاً، فاحرصي على أن يكون زوجك صاحب صلاة محافظاً عليها في بيوت الله عز وجل، وعلى أن يكون له الصحبة الصالحة، فإذا أردتم الزيارة لبعض الأسر فاختاري الأسرة الصالحة التي ترين منها أختاً في الله ويرى زوجك من هذه الأسرة أخاً في الله تتعاونون على طاعة الله، بل ما المانع أن يكون لكم بعض الأسر الصالحة التي تقيمون معها نشاطاً إيمانيّاً دعويّاً كأن تجتمعوا فيكون هناك مجلس للنساء ومجلس للرجال تتدارسون كتاب الله وتقرؤون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحصل لكم من الخير العظيم ومن التآلف على طاعة الله ما يجعل أزواجكم بعيدين عن أسباب الشر، فكل هذه المحاولات تقوي الإيمان ويجعل الزوج غاضّاً بصره محافظاً محصناً نفسه، فصلاح الدين صلاح للدنيا والدين معاً..

وأيضاً فهذا يقوي من شخصيته ويقوي من نفسه؛ فإن قلب المؤمن المتصل بالله العامل بطاعة الله قلب جريء قلب قوي قلبٌ ثابت راسخ، ولذلك قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا))[النساء:66-68]، فهو ثبات في الدين وثبات في القلب وثبات في أمور الحق بل وفي أمر البصيرة أيضاً.

7- هذه المضايقات التي تقع من أهل زوجك قابليها بالإعراض عنها، فإنها أفعال لا تليق، فمثلاً قد أشرت إلى أنهم يتعمدون أن يتصلوا بكم في أوقات راحتكم وأوقات نومكم مع علمهم المسبق بأن هذا وقت الراحة ووقت الإيواء إلى الفراش وربما وصل بهم الأمر أن يتصلوا بأهلك ليتحققوا إلى أين ذهبتم أو إلى أين خرجتم، فمثل هذه الأمور تعالج بالصبر والحلم والإعراض عنها، فأعرضي عنها فإنك بذلك تداوين هذا الأمر وتخرجين من هذا الداء، فمعالجة أفعال الجهل إنما تكون بالإعراض عنها، كما قال تعالى: ((وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))[الأعراف:199]، وقال تعالى: ((وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ))[القصص:55]، وقال تعالى في وصف عباد الرحمن: ((وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا))[الفرقان:63]، أي يقولون قولاً يسلمون به من الشر.

فأعرضي عن هذه الأمور ولا تلتفتي لها ولا تكثري من التفكير فيها، فإذا اتصلوا مثلاً فبإمكانك أن تخفضي من صوت الهاتف قبل أن يحدث هذا الاتصال، وكذلك إن اتصلوا بالأهل فسألوا عنكم فأظهري وكأن الأمر أمر عادي لا يقتضي منك أن تقفي عنده أو أن تسألي لماذا سألوا ولماذا اتصلوا، فواجهي هذه الأمور بهدوء نفس وبإعراض عنها وبحلم وسوف تنتصرين على كل هذه المشاكل وتخرجين منها سالمة غانمة بإذن الله عز وجل.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظكم من كل سوء وأن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يفرج كروبكم وأن يؤلف على الخير قلوبكم.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39