السؤال
السلام عليكم
نشكركم جداً على هذا الموقع المفيد والذي يجد كل شخص فيه ضالته، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
مشكلتي أني شخص حساس جداً، إذا قال لي أحد كلمة ولو بسيطة -وخصوصاً أقرب الناس لي- أتضايق وأفكر في تلك الكلمة كثيراً، ولا تذهب إلا مع مرور الوقت، أو بعد أن يأتي ذلك الشخص ويعتذر لي حتى أرتاح.
اعتدت ذلك الأمر منذ صغري حتى أصبح بعض من حولي -خصوصاً أقرب الناس لي- لا يضايقونني بالكلمات خوفاً من غضبي!
أحياناً يمزح معي بعض الأشخاص لكن إذا كان الشخص قريباً مني أتقبل، وأحياناً لا أستطيع التقبل وأظل متضايقاً حتى يعتذر لي!
خطبت فتاة وعرفت عني تلك المشكلة، وفي مرة من المرات قالت كلمة هي صغيرة بالنسبة لها تضايقت منها واعتذرت لي، وعرفت عني أني أرتاح عندما يعتذر لي، هي عصبية وعصبيتها تجعلني أتضايق، ثم أنبهها بذلك فتقوم بالاعتذار.
خطيبتي لديها شحوب في وجهها نتيجة قلة الطعام، فعندما أنظر في وجهها لا أشعر بالرضى! أحب الحديث معها وأحبها، هي تحبني كثيراً وأنا أحبها، لكن عندما أجلس مع نفسي أفكر في تلك العيوب، أحياناً أقنع نفسي بها؛ لأني أؤمن أن الإنسان يستطيع أن يتحسن ويغير عادات سيئة فيه، خطيبتي فيها مميزات كثيرة، ولقد تربت تربية جيدة، وتعلمت تعليماً جيداً!
الموضوع أصبح سيئاً بالنسبة لها ولي، لكنها دائماً ما تعتذر، أريد حلاً لتلك المشكلة، ما السبيل للحد من تلك الحساسية الشديدة؟
ملحوظة: منذ صغري وأنا معتاد على ذلك؛ لكني بعدما كبرت وأصبحت 29 سنة، الآن أعرف أن ذلك ليس بالصواب، وأحياناً أعتاد الأمر وأتقبل كلام غيري، وأحياناً لا!
ما السبيل للحد من تلك الحساسية؟
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابننا الفاضل-، وشكرًا لك على الثناء على الموقع، ونحب أن نؤكد أننا نشرف بخدمة أبنائنا وبناتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإيَّاهم لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.
بدايةً نحن لا ننصح بالتفريط في الفتاة المذكورة، ونحب أن نؤكد لك ولها أنه لا يوجد إنسان يخلو من العيوب، وطوبى لمن غمرت سيئاته في بحور حسناته، ووجّه النبي -صلى الله عليه وسلم- كلام الرجل عندما قال: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضيَ منها آخر).
والعيوب المذكورة في الفتاة، فالحمد لله أنك تتبادل الاعتذار معها، وما في وجهها من شحوب من قلة الطعام سيعتدل إن شاء الله ويتغيّر بوفرة الطعام ووفرة الغذاء، والإنسان بعد الزواج يتغيّر وتعتدل صحته كذلك، ونسأل الله أن يُسعدكم وأن يُعينكم على الخير.
ونحب أن يسعى كل طرف في التخلص من السلبيات، لكن من المهم جدًّا أن يتقبّل الشريك شريكه كما هو؛ لأن هذا مهم، وممَّا يُعيننا على ذلك أن نحشد الإيجابيات الموجودة في الشريك، ونحرص على زيادة القواسم المشتركة، الأمور التي يحبُّها كل طرف، ومن الحكمة أن نبدأ حياتنا ونؤسِّسها على ذلك السؤال الجميل الذي سألته زوجة القاضي شُريح (ماذا تُحب فآتيه؟ وماذا تكره فأجتنبه؟) وهو أيضًا يسألها: (ماذا تحبين فآتيه، وماذا تكرهين فأجتنبه؟) لأن هذه هي القاعدة الأساسية في التعامل الناجح بين البشر، فيتفادى كل إنسان من الأصل ما يُضايق شريكه، وأنت تتفادى ما يُضايقها، وإذا حصل نبادر إلى سرعة الاعتذار.
وأنت أيضًا ينبغي أن تجتهد في أن تتأقلم، وتُوقن أن هذه الدنيا لن تدوم للإنسان كما يريد، جُبلتْ على كدرٍ وأنت تريدُها صفوًا من الأقذاء والأكدار، ومكلِّفُ الأيام فوق طِباعها متطلِّبٌ في الماء جذوة نار، وبالتالي الإنسان ينبغي أن يتعايش مع الناس، أن يتكيّف مع الأوضاع، أن يجتهد في احتمال الآخرين، ويتذكّر قول رسولنا الأمين: ( المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ).
والحمد لله أنت قلت أحيانًا أنك تتحسّن وأحيانًا تُدرك نفسك، وهذا هو الذي ينبغي أن تسعى فيه، وتُدرك أن كلام الناس الذي يُؤذيك قد يكون صاحبها غير قاصد، وقد تكون كلمة عابرة عفوية، وقد تكون هذه البضاعة التي عنده، بعض الناس تعوّد على الكلام الجارح والكلام السيء، ويصعب على الإنسان أن يصلح الدنيا كلها، ولكن الإنسان عليه أن يُسدد ويُقارب وينتبه لخاصّة نفسه، ويتذكّر أيضًا أن الأنبياء الذين هم صفوة الناس صفوة الخلق، الذين اصطفاهم الله ما سلموا من الأذى ولا سلموا من الكلمات الجارحة، ولا سلموا من صور المضايقات التي واجهتهم في حياتهم.
هذه الدنيا لا تسلم لأحد، ولذلك الإنسان ينبغي أن يكون واقعيًا، بمعنى أنه يتفهم أن هذه هي طبيعة الحياة والأحياء، وأنها لا تخلو من الصعاب، ونسأل الله أن يُعينك على إكمال المشوار مع هذه الفتاة التي يبدو أنها فهمتك وفهمتها، ويظهر أن المشاعر أيضًا متحدة بينكم، وبعد الرؤيا الشرعية التي حدث بعدها ارتياح، نتمنّى أن تحولوا هذه العلاقة إلى عقد نكاح كامل، ثم تُكملوا هذا المشوار، حتى تنضبط العلاقة، فإن الخطبة ما هي إلَّا وعدٌ بالزواج، لكن الإنسان بعد الزواج يستطيع أن يتعايش مع الوضع، وأرجو أن ندرك –مرة أخرى– أننا كبشر النقص يُطاردنا، وطوبى لمن تنغمر سيئاته القليلة في بحور حسناته.
نسأل الله أن يؤلِّف القلوب، وأن يغفر الزلَّات والذنوب.