السؤال
السلام عليكم
فتاة، عمري 29 عاما، مشكلتي هي القهر الذي أعيشه من عدم توافقي مع واقعي، فأنا جامعية وطموحة، وعندي خطط كثيرة لمستقبلي، أحلم بإكمال دراستي، فحاولت بمدة أربع سنوات ولكنني لم أترشح للوظيفة، فأنا أحاول منذ أن تخرجت، ولكنني لم أجد هذه السنة فزادت حالتي سوءًا بعد ما سمعت كلام أمي، ولم أقدم على الوظائف في غير منطقتي، شعرت بعدها بالحسرة والقهر، وأنني سمحت لأمي بأن تهدم حلمي وحياتي ومستقبلي، والآن لدي خطة وهي أن أقدم على كل الأماكن، ولكن لدي خووف شديد من المستقبل، أشعر بثقل كبير بالأيام، وأنها لا تمر وغير ذلك، أشعر أنني سأتزوج من شخص سيحرمني من تحقيق حلمي، أخاف أن أستسلم لتفكير أهلي، وأن أتزوج من شخص لا أرغب به ويسود علي حياتي.
أشعر بالقهر على نفسي عندما أرى الرغبة الملحة في عين أبي بتزويجي من أي شخص يطرق الباب، وأخشى أن تصبح أمي مثله، تعبت من العيش في المستقبل، وتخيل أمور لم تحدث، فأنا أعيش في صراع نفسي وألم.
مع العلم أن موضوع الزواج أمره لي، ولا أحد يستطيع إجباري، أريد أن أنسى هذا الإحباط، وهذا اليأس، وفقدان الأمل، أريد أن تكون لدي قوة أمام كل ضغط يوجهه إلي بخصوص موضوع الزواج، لا أريد العيش بالمستقبل، ولا الحسرة على الماضي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أختنا الكريمة: بالنظر إلى استشارتك وجدنا أن القهر الذي تتحدثين عنه هو أمر مبالغ فيه كثير، بالطبع نحن لا نقلل من مشاعرك، ولا نسطح ما ألم بك، لكن نريد أن نبين لك أمرا هاما سيكون عاملا مهما في اعتدال الرؤية إلى مستقبلك -إن شاء الله-.
أختنا: هناك فرق بين وجود مشكلة، وبين تدخل الشيطان فيها ليجعلها أم الكوارث والمصيبات والقهر الذي لا يمكن إيجاد حل له.
كل المشاكل بمعرفة الأسباب والتوكل على الله تعالج أو تكاد، لكن المشكلة الكبرى حين يكون الأمر مضخما فوق حاجته والشيطان مستغلا هذا التضخيم في تيئيس الناس أو إظهار أن مشكلتهم قهر لا يمكنه التحمل، هذه آفة وعلاجها إذا تمكن هذا التضخيم عسير.
ثانيا: من الأمور الهامة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنك -أختنا الفاضلة-: أن الأمور تسير بقدر الله، وأن الإنسان قد يرى الخير شرا أو الشر خيرا، فيندم على ما فاته ولو علم الحكمة لحمد الله ألفا على فوات ما فاته، فسلمي لله الأمر فيما وقع، وخذي كافة الأسباب في تحصيل ما تحبين من خير.
ثالثا: أنت الآن -أختنا- مشرفة على الثلاثين من عمرك -بارك الله فيك- وهذا السن قابل للإدراك والنضوج، لكن -يا أختنا- هناك حقيقة لا تقبل المساومة ولا المكابرة ولا حتى مجرد النقاش فيها، لن تجدي أحدا في الكون يحبك لذاتك ويتمنى سعادتك ولو على حساب سعادته سوى والديك، هذه حقيقة -أختنا- فلا تجعلي أحدا منهم في مقابل تحقيق حلمك كما ذكرت، فالدنيا وما فيها ومن فيها أهون من ضياع ساعة واحدة بجوار والديك، وسلي -أختنا- من فقد والديه أو أحدهما يخبرناك الحقيقة.
رابعا: لا نريدك أن تقلقي على المستقبل كثيرا، سيما وأنت تعلمين أن والديك لن يرغماك على شيء، فلا تجعلي منافذ للشيطان يتسرب بها إليك.
وأخيرا: أنت -والحمد لله- في نعمة وعافية، في أمن وأمان، متعلمة ومثقفة، وأمامك مستقبل نسأل الله أن يكون مشرقا، فلا يجب لمثلك أن تصاب بالقهر، نقول لك ذلك ونحن نتذكر رسائل أتتنا من أخوات لم يتسلل القهر إليهم رغم شدة معاناتهم، نذكر لك قصة فتاة راسلتنا منذ فترة، وهي ابنة خمسة عشر عامًا، وأصيبت بمرض نادر في بدنها، مما يستوجب نقل الدم لها بصورة شبه أسبوعية، ووالدها متوفى، وأمها فقيرة، وكانت الأم هي التي ترعى وتنفق ولا معين للبنت إلا أمها، وفي أثناء العلاج تم نقل دم فاسد محمل بفيروس (سي) فانتشر الفيروس في كبدها -سلمها الله-، ثم تضاعف الأمر حتى أفسد كليتها، وتقول الفتاة: رأيت أمي يومًا وقد تعبت من العمل؛ لأنها تعمل مدرسة في الصباح، وخادمة في البيوت في المساء لأجل أن تجلب لي ثمن الدواء! وتقول الفتاة: حين رأيت أمي على هذه الحالة بكيت شفقة عليها، فهل يعد هذا البكاء تسخطًا على الله؟ تقول: أنا أحب الله ولا أريد أن ألقاه وهو علي غاضب؟ فقد أكرمني الله كثيرًا جدًا، ويكفي أنّه رزقني حبّه وحبّب إلي ذكره، ووعدني عند الصبر جنة عرضها السموات والأرض، لكن بكيت رغمًا عنّي، فهل هذا معناه أنّ الله أحبط عملي؟ انظري –أختنا- إلى حالها وحالك، ومصابها ومصابك، لتحمدي الله على العافية.
أختنا الفاضلة: اقتربي من والديك أكثر فهما اليوم عندك والأعمار بيد الله، واتخذي من القرارات المرضية لك ما يرضيهم عنك واحذري -أختنا- أن تكون اختياراتك عقوقا لهم، فوالله ما رأينا أحد أفلح كان معارضا لوالديه أو عاقا لهما، نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك وأن يوفقك لكل خير.