السؤال
السلام عليكم
أعاني من حالات نفسية دمرت حياتي وقلبتها رأسا على عقب، هذه الفترة هي أصعب فترات حياتي، حيث أنني لم أواجه أي فترة صعبة مثل هذه الفترة، عمري 17 سنة، أنا ليبي، لدي عائلة جيدة، وأكثر شخص يساندني هي أمي، فهي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن أتحسن في دراستي.
أنا في الصف الثالث الثانوي، وهي سنة مهمة جداً، ولم أستطع الدراسة بسبب هذه الحالات، لم أدرس بسبب التعب النفسي، وتراكمت علي الدروس، ولو رسبت سأعيد السنة، وأنا ليس لدي إمكانية إعادة السنة من جديد، وإن لم أعد السنة سأبقى بدون شهادة، ولن يكون لدي وظيفة، وسأعيش فقيراً بدون مال، أو زوجة أو بيت.
تعرفون حال بلادنا وما فيها من ارتفاع الأسعار، ومشاكل الرئاسة والوزارة والخونة الموجودون فيها، الحالات التي أعاني منها هي:
– تأتيني أوهام تقول لي: أنت لست إنسانا، لا أشعر بنفسي، هل أنا في حلم أو في خيال، أو في لعبة، لا أدري ما هذا؟ وكل هذا أنا لا أفعل أشياء مجنونة.
– أعاني من مشكلة أخرى وهي أوهام وأفكار تقول اكسر هاتفك، من كثرة الخوف بدأت بوضع هاتفي في الدرج ولا أستخدمه أبدا من الخوف، وأشعر عندما أمسك هاتفي أن يدي سوف ترميه بدون أن أشعر.
– تأتيني فكرة تقول لي اخلع ملابسك كلها في الشارع، أنا والله بالكاد أمنع نفسي من هذا الفعل القبيح، وأحيانا أفكر في الانتحار ولن أفعل، وقد ذهبت إلى طبيب نفسي أعطاني دواء اسمه sertraline 50 mg حبة واحدة بعد الغداء.
ساعدوني أكتب هذه الرسالة وأنا أبكي، أرجو الدعاء لي بالنجاح.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أيها -الفاضل الكريم-: الدنيا بخير، ويجب أن يكون فكرك فكرًا إيجابيًّا، لا تتشاءم بهذه الصورة -أيها الفاضل الكريم- فالإنسان قد كرّمه الله، وفترات الضعف تأتي في الحياة، لكن الإنسان يستطيع أن ينهض. وأنا أريدك أن تترك الماضي خلفك تمامًا، وتستفيد من قوة الحاضر دون أي تأخير أو تسويف، العلماء اتفقوا أن الحاضر أقوى، فالإنسان يجب أن يستفيد من حاضره، ولا يتحسّر على ماضيه، ولا يخاف من المستقبل، فالمستقبل بيد الله، والإنسان إذا عاش حاضرًا قويًّا سوف يعيش مستقبلاً مجيدًا -إن شاء الله تعالى-.
أنت لا زلت صغيرًا في السنِّ وأمامك -إن شاء الله تعالى- فرص طيبة إذا أعدتَّ نفسك لذلك، أن تنضبط في إدارة الوقت، أن تجتهد في دراستك، أن تكون إيجابي التفكير، أن تحرص -أخي الكريم- على واجباتك الدينية، وأن تكون الصلاة مع الجماعة، وأن تصل رحمك، وأن تبرّ والديك، وأن ترفّه عن نفسك بما هو طيب وجميل، وأن تمارس الرياضة، فالرياضة تقوي النفوس قبل الأجسام.
وفيما يتعلق بإدارة الوقت أريد أن أعرض عليك أمرًا بسيطًا جدًّا: تجنّب السهر، هذه هي النقطة المركزية، نُوم مبكّرًا، سوف تستيقظ مبكّرًا، بعد أن يكون قد حدث هنالك ترميم كامل لخلايا الدماغ والجسد، وتستيقظ وأنت نشط، تُصلي صلاة الفجر في وقته مع الجماعة، وبعد أن تعدّ نفسك من استحمام وخلافه وتشرب مثلاً كوبًا من الشاي -طبعًا نحن مقدمون على رمضان- وبعد ذلك يمكنك أن تدرس لمدة ساعة أو ساعتين، هذه فترة الاستيعاب، ثم تذهب بعد ذلك إلى مرفقك الدراسي وتستفيد من بقية يومك. هذه هي الوسيلة الصحيحة.
أمَّا بالنسبة للدواء فالـ (سيرترالين) دواء رائع، دواء ممتاز لعلاج الوسوسة البسيطة التي تعاني منها، وكذلك الأعراض السلبية التي تتمثّل في وجود قلق مع عُسر في المزاج من الدرجة البسيطة، فاستمر على هذا الدواء بصورة منتظمة، وفي رمضان طبعًا يمكنك أن تتناوله بعد الإفطار، وربما يطلب منك الطبيب أن ترفع الجرعة بعد أسبوعين إلى ثلاثة وتجعلها مائة مليجرام – أي حبتين يوميًا – لأن هذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة التي سوف تناسبك، علمًا بأن الجرعة الكليّة هي أربعة حبات في اليوم، لكن لا أراك محتاجًا لمثل هذه الجرعة.
لا تبكي -أيها الفاضل الكريم- فالدنيا بخير، والكلام عن الانتحار: هذا كلام مؤسف جدًّا -أخي الكريم-، الإنسان لا يحل مشكلة بمشكلة أفظع منها، لا، ورحمة الله واسعة، والله لطيف بعباده، وأمر بأن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
وتليها إجابة الدكتور: أحمد المحمدي، المستشار التربوي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبخصوص ما تفضلت به فدعنا نعدد عليك النعم التي أنعم الله بها عليك، وأراد الشيطان أن ينسيك إياها عن عمد:
1- لديك عائلة في حين أن كثيرا من الشباب في بلدك وموطنك فقدوا أهليهم وأموالهم، وأصبحوا في عشية وضحاها وكأن كل شيئ قد انقلب عندهم أو توقف، وأرجو أن تغمض عينيك الآن وتتخيل أنك صاحب هذا الابتلاء -عافاك الله- ساعتها ستكون أقصى أمانيك أن يعود أهلك إليك ولو على حساب كل شيئ وأي شيئ، فكر هكذا -يا عبد الرحمن- ولو لدقيقة .
2- لديك عائلة ومتميزة، والبعض عنده العائلة لكنها مشتتة مبعثرة في مشاكل مستمرة حتى إن إحدهم راسلنا وقال أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا أسمع فيه صراخا بين أبي وأمي ثم أموت بعدها.
3- من نعم الله عليك كذلك أن رزقك العافية في البدن والسلامة فيه العقل، وغيرك يا أخي يستقيظ كل يوم ليغسل كليته أو ليبحث عن من يقرضه المال ليشتري الدواء.
وفوق هذا كله أنت مسلم وتعلم أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن دار الجزاء هي في الجنة، ولا يوجد أحد يا عبد الرحمن في هذه الدنيا إلا وله نصيب في البلاء، تلك طبيعة هذه الدار، فلا يوجد أحد منعم عليه في كل شي ، بل لكل فرد نصيبه من البلاء شاء من شاء وأبى من أبي ، وقد قال الشاعر قديما:
حكم المنية في البرية جارِ ،،، ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ،،،، حتى يرى خبراً من الأخبار
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالبلاء -أخي- أمر مكتوب على بني آدم، ليبلونا أينا أحسن عملا وأقدر على الصبر حتى ينال من الله الأجر على ذلك.
هذا الابتلاء بالطبع يتفاوت من فرد إلى غيره، لكن كلما عظم البلاء كلما علم العبد علو مكانته عند الله -عز وجل-، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه الحديث وفيه: حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة “وفي لفظ آخر قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال العلماء قال: ثم من؟ قال: الصالحون”، وعن فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في نساء نعوده ، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى، فقال: إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”، والبلاء مهما كان صغيرا صاحبه مأجور على ذلك.
فعن عبد الله بن عمر قال دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها”.
لكن ما يضيق الصدر يا عبد الرحمن عند بعض الناس: أن كل من في البلاء يظن أنه أكثرهم بلاء، ولا يرى من شدة ما أصابه ما أنعم الله عليه من نعم آخر ، وهذا هو الاختبار الشديد، والذي ستنجح فيه -إن شاء الله-.
أخي الحبيب: لا يعني ما مضى الرضى والرضوخ ،لما نحن عليه ولكن نعني الرضى بقضاء الله والصبر على البلاء، مع اتخاذ كافة وسائل التغيير،مع إحسان ظنك في الله عز وجل، والتقدم للإمام ولو خطوة خطوة.
وإن أول الخطوات العملية التي يجب الابتداء بها: توثيق علاقتك بالله -عز وجل-، والإيمان بأن أقدار الله ماضية، وأن فيه الخير للعبد، والتدريب على الرضى، وتذكر دائما -يا أخي-: أن من رضى فله الرضى ومن سخط فعليه السخط.
كما نريد منك تقوية الذات وتعميق الثقة بالنفس، والإيمان بأنك قادر على فعل ما تريد، وأنك لا تقل عن غيرك، وهذا يدعمه القراءة المتعمقة في مجال تطوير الذات والثقة مع الصبر على التحصيل، فالأمر لا ينال بالراحة ولا بالعجلة.
الفشل في أي أمر؛ ليس دليل خسارة بل هو مقدمة لتذوق النجاح، فأنت ناجح متى ما اعتقدت ذلك، فقم وانهض واستعد للخير، وانس الماضي بما فيه، وارتكن على تدينك وإيمانك وهمتك، وتمسك بأسرتك بعد الله، وستجد الخير الكثير أمامك.
وأخيرا: لا يرهبنك الشيطان بالوساوس الفارغة، فالشيطان أعجز من أن يفعل لك شيئا، فاستحقر هذه الوسواس في صدرك، وامض كما ذكرنا لك في تذكر نعم الله عليك، والتحصن بالأذكار، والاعتماد بعض الله على أسرتك وأصدقائك الصالحين، مع الإيمان الراسخ بالقدر وأنه لحكمة يعلمها الله، وهي في الأخير لصالحك أنت، وابدأ اليوم مراحل صعود سلم النجاح.
نسأل الله أن يوفقك وأن يرعاك، ونحن في انتظار رسالة منك تبشرك بما آل إليه أمرك من خير.
والله الموفق.