استشارات اجتماعية

مرض الصرع والمريض بالصرع وإمكانية الزواج منه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شابٌّ يريد الارتباط بي ولكنه اعترف لي أنه يعاني من مرض الصرع، وأنه خضع للعلاج من خلال كورس مدته سنتان، وأنه تم شفاؤه، ولكني عرفت أنه عندما يكون قلقاً أو متوتراً فإن جسمه يهتز، ويبدأ في شرب السجائر، ويكون ذلك بشكل ملحوظ.

والسؤال هو: ما هو مرض الصرع بالضبط؟ وما هي آثاره الجانبية؟ وهل يتم الشفاء منه أم لا؟ وهل إذا لم يتم الشفاء هل يؤثر على علاقتنا الزوجية؟ وبماذا تنصحوني هل أوافق أم لا؟ وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك قد أحسنتِ إحساناً عظيماً بسؤالك عن الموقف السليم تجاه هذا العرض بالزواج الذي عرضه عليك هذا الشاب، وقد أحسنتِ أيضاً بالسؤال والاستفهام عن حقيقة مرضه، والجواب سيكون حول أمرين اثنين: حول بيان حقيقة مرض الصرع، وحول الموقف السليم تجاه هذا العرض الذي يُعرض عليك.

فأما مرض الصرع فهو على نوعين:

الأول: مرض ناتج لخلل في الجهاز العصبي كوقوع خلل في المخ أو التورم أو التسمم فيه وغير ذلك من الأسباب، فهو راجعٌ في هذه الحالة إلى أسباب فسيولوجية (عضوية)، وهذا النوع من المرض ينقسم بحسب صوره التي تظهر على الجسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية من النوبات:

1- النوبات الصرعية الكبرى، والتي تبدأ بفقدانٍ مؤقت بالشعور، ويقع المريض بصورة شديدة قد تؤدي إلى إصابات جسمية خطيرة، وتظهر تشنجات توترية على الفور، وقد يحدث صراخ واضح، وتنتشر على الفور التشنجات الشديدة في كل الجهاز العضلي الإرادي، وقد يحصل توقف للتنفس، ويزرق الوجه، وتنسحب العينين إلى أعلى، وقد يعض المريض لسانه أو شفتيه أو جانبي خديه من الداخل، وأثناء النوبة قد يوجد خطر الاختناق إذا كان الوضع يساعد على ذلك، وقد تستمر الحركات الاهتزازية المتشنجة من دقيقة ونصف إلى دقتين، وتنتهي بارتخاء عضلي عام، وقد يحصل تبول أو تبرز بغير إرادة المريض، وقد يغمى عليه عقب المسكة الصرعية لمدة قد تصل إلى بضع ساعات.

وهذه الحالة تتفاوت خطورتها بحسب شدة النوبة الصرعية وشدة تتابعها السريع وإخفاق المريض في استعادة شعوره بين النوبة والأخرى. فهذه من الصور المشهورة في مسكات (نوبات) الصرع.

2- النوبة الصرعية الصغرى، وفيها يقل التشنج أو ينعدم، وينتهي خلال بضع ثوانٍ مع التمتمة بدل الكلام.

3- الصرع الحركي، وهو نوع خفيف جداً من الصرع.

فثبت بذلك أن النوع الأول من الصرع راجعٌ إلى خلل وظيفي في الجهاز العصبي لأسبابٍ أشرنا إليها، فهو إذن خلل عضوي في الجهاز العصبي.

وأما النوع الثاني من الصرع فهو نوع ثابت من جهة الشرع، وأهل العلم بدين الرسول صلى الله عليه وسلم يُثبتون هذا النوع لثبوت الإشارة إليه في كتاب الله تعالى وفي الأحاديث الثابتة عن النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، وهو الصرع بمس الجن، وهذا ليس سببه فسيولوجيا (عضويا) وإنما سببه من تلبس الجن بالإنسان، وهذا مع كونه ثابتاً بالنصوص الصحيحة الصريحة فهو أيضاً واقعٌ مشاهدٌ متواتر ثبوته بحيث لا يحصى عدداً من قد وقع لهم هذا النوع من الصرع، وليس هذا مجال بسط ذلك، والمقصود هو الإشارة.

إذا عُلم هذا؛ فإن الظاهر من حال هذا الخاطب أنه يعاني من النوع الأول من الصرع، وهو الذي يتعلق بخلل في الجهاز العصبي.

وأما عن سؤالك هل يتم الشفاء منه أم لا؟ فإن الجواب أن الله تعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواءه عَلِمه من عَلِمه وجَهِله من جَهِله، وحالات الشفاء التام من الصرع مشهورة معلومة بحمد الله تعالى، وطريق العلاج بالصرع العضوي يتجه اتجاهين:

(أ‌) علاج الخلل في الجهاز العصبي.

(ب‌) العلاج النفسي الذي يدعم ثقة المريض بنفسه ويعالج الآثار النفسية المترتبة على هذا المرض بالنسبة للمريض.

والظاهر من حال هذا الخاطب أنه لا زال يعاني من آثار هذا المرض، فإن حصول الاهتزاز في جسمه عند حدوث القلق أو الانفعال يدل على أن المرض لا يزال موجوداً إما في نوبات أخف، أو أنه يعاني من آثار هذا المرض، وليس بشرطٍ أن يفقد المريض بالصرع وعيه تماماً، بل إن من أنواع المرض ما يظل فيه المريض بوعيه مدركاً ما يقوم به.

وأما شُرب السجائر الذي يقوم به في هذه الحالة فهو أسلوب يتبعه لتهدئة نفسه، فإن كثيراً ممن أدمنوا التدخين إذا ما أصيبوا بانفعال فزعوا إلى السيجارة لتهدِّئهم بحسب أوهامهم.

وأما تأثيره على العلاقة الزوجية فلا ريب أن هذه الحالة التي وصفتها من هذا الخاطب تدل على أنه لا زال يعاني من المرض نفسه في نوبات أخف أو إلى أثر من آثاره كما أشرنا، وهذا يدل على أنه من الممكن أن تتأثرا بهذا المرض، فإن المريض بالصرع له استعداد قوي للإثارة الظاهرة بسرعة، فهو يغضب بسهولة ويرفع صوته، وربما صاحب ذلك أخلاقاً أخرى تتأثر بهذا المرض تتعلق بمشاعر الخوف والخيال وعدم التركيز والمجازفة في الكلام وغير ذلك من الأعراض.

وأما عن نصيحتنا لك بعد هذا التفصيل فإنه لابد لك وقبل السؤال عن الصرع وعن المرض أن تسألي عن أعظم شرطين لابد من توفرهما في أي رجل ترضينه زوجاً لك، وهذان الشرطان هما الدين المستقيم والخلق الحسن، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي.

وبعد ثبوت هذين الشرطين يصبح الأمر متروكاً لتقديرك فإن سائر الأمور المطلوبة والتي يُرغب فيها في الزوج تعود لنظرك وتقديرك، فإذا ثبت صلاح دينه وخلقه كان لك الموافقة وكان لك أيضاً عدمها، والأولى في مثل حالك هذا هو عدم الموافقة لأنكِ أشرت إلى وجود أعراض لا زال يعاني منها مع تدخينه في هذه الحالة مما يدل على عدم انضباطه وضعف تحكمه بنفسه في هذه الحالة لا سيما وأنك لا زلت في مقتبل شبابك، والفرصة موجودة بالفوز بما هو أكمل وأصلح، فإن الصرع من الأمراض التي تتفاوت خطورتها، وقد تكون في بعض الأحيان خطيرة جداً، عدا ما يحتمله التأثر في ذلك من جهة الوراثة عند الإنجاب.

ونوصيك في جميع الأحوال بصلاة الاستخارة، وتفويض الأمور إلى الله تعالى، والتثبت قبل اتخاذ أي قرار، والله يتولاك بحفظه ويرعاك ويحفظك من كل سوء.

وبالله التوفيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهت إجابة المستشار الشرعي، الشيخ/ أحمد مجيد الهنداوي، ولإتمام الفائدة واستكمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار النفسي د/ محمد عبد العليم، فأجاب قائلاً:

إن مرض الصرع من الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي، وهو مرض يصيب واحداً من كل مائتي شخص، وبهذه النسبة يعتبر هذا المرض مرضاً منتشراً.

وهنالك نوع من التشنجات النفسية أيضاً يضعها البعض تحت مسمى (مرض الصرع)، وهي في الحقيقة ليست من مرض الصرع العضوي وإنما هي تشنجات ناتجة عن الإثارة النفسية أو الغضب، وهي لا تعتبر عضوية المنشأ.

والصرع له عدة أنواع، وله عدة مسميات: الجزئي، والكامل.. كما أن نوع الصرع يعتمد على البؤرة التي تفرز الإفراز الكهربائي في المخ، وهنالك ما يُعرف بصرع الفص الصدغي، وهذا يعتبر هاماً، وهنالك صرع الفص الأمامي في المخ، وهنالك صرع الفص الجانبي، وهذه تختلف في الطريقة التي تحدث بها.

وعموماً – وبصورة مبسطة جداً – فالصرع ينتج عن إفراز كهربائي زائد في بعض مناطق المخ، وربما تكون البؤرة الصرعية قد تكونت نتيجة لحميات أصيب بها المريض في الصغر، أو نتيجة لإصابة في الرأس، وفي بعض الحالات ربما تلعب الوراثة دوراً في هذا، ولكن المرض نفسه لا يورث مطلقاً، وإنما نسبة بسيطة للاستعداد له.

وبفضل الله تعالى أنه من الممكن أن يعالج الصرع وذلك بنسبة 90 %، أي بنسبة 90 % من مرضى الصرع يمكن شفاؤهم تماماً وهذا من فضل الله تعالى.

وهنالك شروط للاستجابة للعلاج، وأهمها أن يلتزم الإنسان بالدواء التزاماً قاطعاً، ومدة العلاج هي سنتين إلى ثلاث، أي إذا أخذ الإنسان علاجه بصورة منتظمة ولم تحدث له أي نوبة صرعية لمدة سنتين أو ثلاث فمن الممكن في هذه الحالة أن يوقف الدواء، وحوالي 70 % من الذين يتوقفون عن الدواء لا تنتابهم نوبات مستقبلية، وأما 30% يمكن أن تحدث لهم نوبات، وفي حالة حدوث نوبات للمرة الثانية لابد للمريض أن يتناول الدواء لفترة أطول وهي 5 سنوات.

هذه هي الحقائق العلمية المتوفرة، وتوجد الآن أدوية فعّالة جداً وممتازة وإن كانت باهظة الثمن بعض الشيء، ولكن حتى الأدوية القديمة تعتبر أيضاً أدوية ممتازة جداً وتعالج هذا المرض وتتحكم فيه بدرجة كبيرة.

وما ذكرته عن الوراثة يعتبر أمراً بسيطاً وهيّناً؛ لأن المرض نفسه لا يُورث وإنما ربما تورث بعض الاستعدادت البسيطة له، وأؤكد بأن مريض الصرع يمكن أن يعيش حياته الطبيعية من واجباته الاجتماعية وممارسة عمله وحياته الأسرية،

وبالنسبة لما ينتابه من عصبية ومن شربٍ للسجائر فهذا ربما يكون ناتجاً من القلق والتوتر، والقلق والتوتر يؤدي في بعض الحالات إلى نوع من الاهتزازات في الجسم يعتقدها البعض بأنها صرع، وهي انفعالات نفسية أكثر من كونها صرع في حقيقة الأمر.

فأرجو أن تنصحيه بأن يقلل السجائر ثم يمتنع ويتوقف عنها، فالتدخين مضر من جميع النواحي، كما أرجو أن تنصحيه بألا يكون حساساً، وأن يعبر عن نفسه، وألا يترك الأمور تتراكم في داخل نفسه؛ لأن ذلك يؤدي إلى الغضب وسرعة التوتر والانفعال، وأيضاً إذا قام بأي نوع من تمارين الاسترخاء خاصة تمارين الشهيق والزفير فهذا يساعد كثيراً، وإذا كان قلقاً فلا مانع أن يتناول أحد الأدوية البسيطة المضادة، مثل العقار الذي يعرف باسم موتيفال، وهو متوفر بحمد الله في مصر ورخيص الثمن جداً، فيستعمله لمدة شهرين بجرعة حبة واحدة ليلاً، فهذا سوف يقلل من قلقه وتوتره ويجعله أكثر انسجاماً وانشراحاً بإذن الله تعالى.

أسأل الله لكم التوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39