استشارات

معاق وتعثرت دراسيا ولا أرغب بالحياة، أغيثوني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 22 سنة، لم أنجح في البكالوريا، وفشلت في الدراسة، ولدي إعاقة عضوية، أغلقت أمامي كل سبل الحياة، وأصبحت أفكر كثيرا في الانتحار، لأنني تعبت من هذه الحياة.

شكرا.

 

الإجابــة

 

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك ، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يبصرك بالخير، وأن يأخذ بيديك إليه.

أخي الكريم: في رسالتك المقتضبة جدا ثلاث مشاكل:
1- دراسة متعثرة.
2- إعاقة مؤلمة.
3- تفكير في الانتحار.

بالطبع لن نحدثك عن الأخيرة لسببين:
الأول: أنها فرع عن المشكلتين السابقتين، وحلها في حلهما.
الثاني: أن المسلم العاقل لا يضيع آخرته الباقية من أجل حياة مهما امتدت فلن تصل إلى عشر يوم من أيام الآخرة، نعيذك بالله من ذلك.

نعود إلى المشكلتين:

الأولى: التعثر في الدراسة: وحديثك -أخي- عن البكالوريا، وهذا يعني أنك اجتزت ما قبلها بنجاح، وهذا يعني أن الإعاقة ليست السبب المباشر، نعم قد تكون معاقا لكنها ليست السبب الرئيس بدليل نجاحك ووصلك إلى البكالوريا، وهذا يدفعنا إلى سؤالك -أخي الكريم- ما هي الأسباب التي أدت إلى رسوبك؟

معرفة الأسباب جزء أصيل من حل المشكلة، بل هي الطريق الوحيد لنجاحك وتفوقك من جديد، خاصة والنماذج المتفوقة للإخوة المعاقين تثبت أن الإعاقة عند أكثرهم كانت هي الحافز للتفوق، وانت لست أقل من أحدهم، ما عليك هو تكرار المحاولة ولكن بعد معرفة الإسباب وإزالتها، وعدم البكاء على ما فات جزء من التقدم.

أخي الحبيب: إن الإعاقة التي آلمتك قد تكون هي الخير لك وأنت لا تدري، بل هي دليل على محبة الله لك، متى ما تقبلت الأمر برضى وجعلت مرضاة الله هدفا تصل إليه، ألم تسمع يا أخي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ” {صحيح الجامع}.

ثم ما هو البلاء مقارنة بمن هو أكثر منا بلاء وأشد، نريدك أن تقرأ حول هؤلاء الأكابر لترى كيف رضاهم وقد أصابهم ما أصابهم، هذا أبو قلابة صاحب ابن عباس، كان من أعلم الناس بالقضاء وأشدهم منه فرارًا، وأشدهم منه فرقًا، قال أيوب السختياني عنه: ما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة، ابتلاه الله بالضراء، فصبر واحتسب وتجمل، يروي حكايته ابن حبان (في الثقات) بسنده عن الأوزاعي، عن عبد الله بن محمد، قال: خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا وكان رباطنا يومئذ عريش مصر، قال: فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا بِبُطَيْحة، وفي البُطيْحة خيمة، فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه وثقل سمعه وبصره، وماله من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: “اللم أوزعني أن أحمدك حمدًا، أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا”.

قال الأوزاعي: قال عبد الله: قلت: والله لآتينَّ هذا الرجل، ولأسألنَّه أنَّى له هذا الكلام، فهمٌ أم علمٌ أم إلهامٌ أُلهمه؟ فأتيتُ الرجل فسلمت عليه، فقلت: سمعتك وأنت تقول: “اللهم….. تفضيلا” فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها، وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها؟

قال: وما ترى ما صنع ربي؟ والله لو أرسل السماء على نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فأغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربي إلا شكرًا، لما أنعم علي من لساني هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني، لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسي على ضُرٍّ ولا نفع، ولقد كان معي بنيٌّ لي يتعاهدني في وقت صلاتي، فيوضيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسَّسه لي رحمك الله.

فقلت: واللهِ ما مشى خَلْقٌ في حاجة خلقٍ، كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجةِ مثلك. فمضيت في طلب الغلام، فما مضيتُ غير بعيد، حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت: أنى لي وجه رقيق آتي به الرجل؟ فبينما أنا مقبل نحوه، إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أتيته سلمت عليه، فرد علي السلام، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى. قال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي. قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى. قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا، قلت: لم يرضَ منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟ قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا. قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيَّره عَرَضًا لمار الطريق، هل علمتَ؟ قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا، أوجز رحمك الله. قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كُثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه، فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر.

قال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه، فيعذبه بالنار، ثم استرجع، وشهق شهقة فمات، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتي، رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع، وإن قعدتُ، لم أقدر على خير ولا نفع. فسجَّيته بشملةٍ كانت عليَّ، وقعدت عند رأسه باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ تهجم علي أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله، ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه، فعسى أن نعرفه، فكشفت عن وجهة، فانكبَّ القوم عليه، يقبلون عينيه مرة، ويديه أخرى، ويقول: بأبي عينٌ طالما غُضّت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام، فقلتُ: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي، صاحب ابن عباس، لقد كان شديد الحب لله وللنبي -صلى الله عليه وسلم-.

فغسَّلناه وكفنَّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفنَّاه، فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباط، فلما أن جَنَّ عليَّ الليل، وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلَّتانِ من حُلَلِ الجنة، وهو يتلو الوحي: “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار”، فقلتُ: ألست بصاحبي؟ قال: بلى. قلت: أنى لك هذا؟ قال: “إن للهِ درجاتٍ لا تُنَال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل في السرِّ والعلانية”.

أخي الحبيب: إننا نريد منك أن تشق طريقك بيدك، ونحن على ثقة أنك قادر بذلك إذا ما:
– تحصنت بالله أولا.
– ثم رضيت عن ربك، وهذا يكون بالقراءة وخاصة باب القضاء والقدر، وكذلك مشاهدة من هم أسوأ حالا.
– ثم وضعت لك خطة للتغلب بها على الصعاب، وجعلت الخطة مرحلية بمعني أن يكون لك هدف عام سنوي، ثم أهداف مرحلية كل أسبوع بل كل يوم تخدم هذا الهدف.

افعل هذا -يا أخي- واعلم ان طريق النجاح يبدأ بالاحتماء بالله والرضى عنه والاجتهاد، كما نوصيك أخي بالصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله عز وجل.

نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك والله الموفق.

المصدر

طالع أيضا

Related Posts

1 of 499