السؤال
السلام عليكم
أنا شاب، عمري (19) عاماً، وطولي (170) سم، ووزني (56) كلغ، من عائلة -ولله الحمد- ميسورة الحال، لا توجد أي مشاكل عائلية، أنا أكبر الأولاد، وإن شاء الله بعد بضع سنوات يمكنني الزواج لتوفر الظروف، لربما يمكنني ذلك بعد إكمال الجامعة، ولكن لدي مشكلة نفرتني من الزواج هي أن جسمي نحيف جداً، وبنيتي العظمية صغيرة يعني عظامي رقيقة، حتى إن معصمي بقطر 6 إنش، يعني تقريباً مثل متوسط عظام الإناث.
هذا الموضوع أخذ حيزاً كبيراً من تفكيري في المدة الأخيرة؛ لأن الشخص بعد البلوغ وبعد أن تطول قامته تبدأ النحافة في الظهور بشكل أوضح! أنا -والحمد لله- مؤمن بالله، وراضٍ بما حكم لي، وأنا أقرأ كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك ليست لدي مشكلة في قبول نفسي ولا جسدي؛ لأنها قسمته سبحانه، أنا راض بها حقيقةً وليس مجاملة.
وأيضًاً أنا لا أريد أن أجعل نفسي في مكان لا يناسبني أو لا قدرة لي عليه، فالحمد لله لدي كثير من النعم ولكن موضوع جسمي النحيف (عند الزواج) صار يؤرقني بسبب تفكيري في الشكل النحيف والقوى القليلة، وهذا يسبب لي نقصاً في الهيبة والمكانة، وتنطوي عليه بعض الأمور، فأنا لا أريد أن أكون زوجاً ضعيفاً فهذا لن يعجب أي امرأة؛ لأنه بالطبيعة الرجل أقوى من المرأة، وأنا أريد أن أكون قوياً ومسيطراً ولا أكون أضعف من زوجتي.
ومشكلة أخرى هي: أنني لست قوياً فأنا لا أستطيع التغلب على كثير من الذكور، بل حتى كثير من النساء، فكيف أحمي عائلة وزوجة وأبناء، والقوة وبناء العضلات حل مؤقت يزول بمجرد قلة الأكل، فهل أترك الزواج رغم رغبة والدي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.
جميل أن يكون لديك قبول لنفسك، وأن تكون راضياً بما قسم الله من رزق في شكلك وجسمك، فالرزق في ذاتك يكون في الخَلْق وهي صفات الجسم من طول وعرض وشكل، ويكون في الُخُلق وهي صفات النفس كالكرم والشجاعة، فأي الرزقين يحاسب عليه المرء عند الله تعالى؟
لا شك أنه يحاسب على الصفات الخُلُقية من الاتصاف بصفات الخير أو صفات الشر، أما شكل جسمه وطوله وعرضه فلا يحاسب عليه عند الله تعالى لأنه لا يملك تغييره، وكل ما لن يحاسب عليه المرء عند الله فهو غير مؤاخذ به عند الناس، مثل شكلك ولونك ومكان مولدك، فالعقلاء من البشر لا يحاسبون الناس على أشكالهم وألوانهم، أما غير العقلاء فلا كلام لنا معهم!
والقاعدة القرآنية واضحة في ذلك تمام الوضوح: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، والتقوى من صفات النفس لا من صفات الجسد.
ولعله اتضح لك بعد هذه المقدمة بأن شكلك لا حساب عليه عند الله، ولا مؤاخذة عليه عند عقلاء البشر، لذلك لا ينبغي أن تهتم ولا أن تفكر في هذا الأمر أساساً!
ومع ذلك فما دمت ميسوراً ويمكنك اللجوء إلى العلاج، فيمكنك زيارة الطبيب العام والتحدث معه حول كيفية تقوية جسمك، وقد يشير عليك بالذهاب إلى أخصائي تغذية أو علاج طبيعي ونحو ذلك.
أما بالنسبة للزواج فنحن -في الواقع- نشجعك على ذلك طالما لديك القدرة المادية وظروفك مهيأة، والزواج لا يمنعك من مواصلة مشوارك التعليمي أو مشوارك المهني، بل قد يزيد من استقرارك النفسي.
أما مفهوم فرض الهيبة على الزوجة فهذا راجع إلى بعض الصور المغلوطة عن هذا الأمر، فليس مطلوباً من الزوج أن يكون شخصاً متسلطاً يفرض هيبته بالقوة، بل ينبغي عليه فرض احترامه لا فرض هيبته، وبينهما فرق، فالزوجة التي تحترم زوجها تحبه، أما التي تهاب زوجها فهي تخاف منه، ولا شك أن البيت يصمد بالحب لا بالخوف!
كما أن مفهوم القوة ليس في العضلات فقط فهذا أصبح مفهوماً بدائياً في عصر الرمح والسيف، أما اليوم فقد أصبحت الأسلحة إليكترونية، يمكن أن تشارك النساء في إدارتها أيضا بجانب الرجال.
وبما أنك تلتزم بالكتاب والسنة -وهذا أمر حسن- فإن السنة النبوية ذكرت أن القوة هي في الجانب النفسي لا الجانب العضلي، فقد أخبر النبي ﷺ : “ليس الشديد بالصرعة -أي الذي يصرع الناس بعضلاته المفتولة- إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
وهكذا نجد أن القوة الحقيقية تكمن في قوة الصفات النفسية لا الصفات الجسدية.
نرجو ألا تفكر في الانسحاب من الزواج بسبب نظرتك لنفسك، ولكن قد تتفق مع الوالد على تأجيل الزواج لفترة معينة؛ من أجل إنجاز بعض مشاريعك الدراسية أو المهنية.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.