السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبت فتاة قبل مدة تقريباً أربعة أشهر، وخطيبتي في بادئ الأمر كانت جيدة جداً معي، من حيث التعامل وكل شيء، إلا أنها في آخر فترة لا أعلم ماذا حصل، أصبحت تختلق المشاكل على أتفه الأسباب.
للعلم أنا أعاملها معاملة جيدة جداً، خاصة عندما سمعت أن أباها يعنفها عندما كانت صغيرة، فأصبحت لها أباً قبل أن أكون لها زوجاً، ودائماً أقول لها: أنا أبوكِ وزوجكِ، وسأعوضك عن حنان الأب، وكل شيء.
لا أعلم، ربما بسبب اهتمامي الزائد بها أصبحت تدقق في أبسط تصرفاتي، وتصنع منها مشاكل كبيرة، ولأسباب تافهة جداً تقاطعني، ولا تتكلم معي، وتكبر الخلاف، وتصفني بأني مجرم، ومخطئ بحقها، رغم أن سبب الخلاف يسير جداً.
المشكلة ليست هنا، المشكلة رغم أني أعتذر، تقول لي قبلت عذرك، لكن في داخلها تبقى حاقدة علي، تبقى حزينة ومكتئبة، وهذا الشيء دائماً يحزنني.
أنا دائماً أحب أن أحل المشاكل بسلاسة وبساطة، ودائماً أنا من أبادر وأعتذر منها، وأبقى أعتذر وأراضيها لساعات أو ليوم كامل، ودون جدوى، ولا ترضى إلا بعد مرور ٣ أيام على أتفه مشكلة.
لا أعلم كيف أتصرف معها، إنني أخشى ألا أعيش معها مرتاحاً في المستقبل، وللعلم أني أحبها جداً، وهي أيضاً تحبني، ولا أعرف ماذا أفعل، هل أفسخ خطبتي أم ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي العزيز: بداية نحتاج أن ننبه لقضية مهمة يتهاون فيها كثير من شباب اليوم – هداهم الله – خصوصاً في مراحل الدراسة الجامعية، وهي حدود العلاقة بين الجنسين، بشكل عام، وطبيعة الحدود الشرعية بين المخطوبين بشكل خاص.
من المقرر شرعاً أنه في مرحلة الخطوبة لا تزال المرأة أجنبية عن الرجل، ولا تعتبر حلالاً لخاطبها، ولا بمثابة زوجته، ما لم يكن قد حدث عقد نكاح شرعي بين المخطوبين، بضوابطه وشروطه المعتبرة، ومن سؤالك يتبين أنك وهذه الفتاة في مرحلة الخِطبة، وبالتالي لا تزال أجنبية عنك، ولا بد أن تراعي الضوابط الشرعية في حدود العلاقة بينك وبينها، فالشرع وضع حدوداً تحقق مصالح العباد، وتضمن حفظ الأعراض، حتى لا يقع الإنسان ضحية لخطوات الشيطان، مهما حسنت نيته وقصده، فلا تحل الخلوة بالمخطوبة ولا الأحاديث العاطفية التي لا تكون إلا بين الأزواج، فكل ذلك من أبواب الفتنة والفساد التي يتساهل فيها كثير من الناس، وقد نبه الشرع الحكيم لذلك، ففي الحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي، وفي الحديث المتفق عليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم).
عليه فلا بد أن تتذكر -أخي وفقك الله- إلى أن العلاقة بين الجنسين عموماً، والمخطوبين خصوصاً محكومة بشرع الله وحدوده، وضعها الإسلام لا ليُضيّق على الناس، ولكن ليضمن حقوق وكرامة كلا الطرفين من أي فساد أو عبث أو اعتداء، ويمكن أن تطلع على تفاصيل حدود الشرع بين المخطوبين في هذه الروابط: (227869 – 248542 – 255147).
اعلم -أخي– وفقك الله، أن من مقاصد الخِطبة تحقيق مدى الانسجام والتوافق بين الخطيبين، عقلاً وروحاً وخُلقاً وشكلاً وديناً، وهو ما عبر عنه الشرع بـ (يدعوك إليها)، ففي الحديث يقول رسول الله صلى الله علية وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد، وهذا بدوره يتحقق التكامل بينهما فيكون ذلك بإذن الله سبباً لتحقيق الاستقرار الأسري، وصولاً إلى تحقيق أحد أهم مقاصد الزواج، وهو السكن والمودة والرحمة.
يتحقق الانسجام والتوافق بتضافر المشتركات بين المخطوبين، والاتفاق على الكليات، وهذه المشتركات تسهم في توحيد الاهتمامات، وتزيد من التفاهم والتوافق الذي يؤسس للاستقرار الأسري، والله سبحانه يقول: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)، وهذه الآية ترشدنا إلى أساس الانسجام، وأهميته في تحقيق التوافق بين الزوجين لضمان الاستقرار، فإن حدث الانسجام في القضايا الكُلية كالدين والخُلق، كانت بعض الأجزاء الصغيرة مثار نقاش وحوار وتناصح، لا مثار تنافر وخصام.
في مثل علاقتك نرشدك إلى مجموعة أمور، نسأل الله أن ينفعك بها:
أولاً: نرشدك -أخي- إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بينك وبين مخطوبتك، لتجعلها وفق حدود الله وشرعه، فلا بد أن يكون أساس البناء الأسري قائماً على طاعة الله ورضاه أولاً وأخيراً، قال تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين).
ثانياً: تنظر في عناصر الاتفاق والانسجام بينك وبين هذه المخطوبة، ومدى وجود عناصر كلية مشتركة بينكما، يمكن من خلالها تجاوز بعض الأخطاء العابرة والبسيطة والجزئية، واعلم أن مجرد الحب وميل القلب لا يحقق معايير التوافق، فالحب قبل الزواج مشاعر قوية متدفقة تمر على كلا المخطوبين فتجعلهم في كثير من الأحيان يعيشون بعيداً عن الواقعية، بسبب الإفراط في النظرة العاطفية، وبسبب تغذية ثقافة الإعلام والمسلسلات الرومنسية، التي تُبرز الجانب العاطفي، وتبالغ فيه، وتحجب جانب المسؤولية، وتبعات الحياة والزواج والأبناء بعد الزواج، فينتج ما يسمى بصدمة ما بعد الزواج، عندما تبدأ المسؤوليات والأعباء التي هي جزء مهم من الحياة الزوجية، وعندما لا يكون هناك انسجام وتوافق بين الزوجين لتجاوز هذه المرحلة بوعي وتفاهم، وإعطاء العقل دوره في النظر في العواقب والنتائج، فكثيراً ما يحدث الانفصال.
ثالثاً: نوصيك بالاستخارة، فقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: (إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
على ضوء هذه الخطوات يمكنك أن تقوم بتقييم تلك العلاقة، وطبيعة تلك الاختلافات بينك وبين خطيبتك، وعلى ضوئها تتخذ القرار المناسب، وأنت تشعر بالرضا.
نسأل الله تعالى أن يختار لك الخير.