السؤال
السلام عليكم..
أنا طالبة طب في السنة الثانية، مشكلتي هي أنني أشعر بأنني غبية وأن قدراتي على التفكير المنطقي والتحليل والحفظ متدنية مقارنة بزملائي، ومؤخرا تحصلت على هذه النتائج من خلال اختبار شامل للشخصية والمهارات والتخصص المناسب لكل شخص، قمت به بعد أن وجدته متوفرا في أحد المواقع.
مشكلتي أعمق من هذه، أشعر بأني لا أفلح في أي شيء منذ صغري، من خلال إجراء مقارنات مع غيري، أجد أن كل شخص يفلح في شيء ما، أما أنا فلا، حتى في الأشياء الصغيرة كالليونة وجمالية الخط، والقدرة على التواصل، فأنا انطوائية، ولكن أتمنى في قرارة نفسي لو كنت اجتماعية ومحبوبة بين الناس، ولكن أشعر بالنقص لنقص ثقافتي، فأنا لا أملك أي اهتمامات ولا مواهب، في كل يوم اكتشف مبدعا جديدا من خلال الإنترنت، وأتأكد أكثر من مدى فشلي، وأحس وكأن الله غاضب علي أو لا يحبني، لذلك لم يميزني بأي شيء.
فمثلا حتى عند قراءتي للقرآن لا أفهم، كما أجد عجزا في فهم الظواهر العلمية الفيزيائية، في حين هنالك من الأطباء من يناقش في كل المجالات، وأظن أن دخولي للطب راجع إلى التوفيق من عند الله بالدرجة الأولى، ثم لحرصي على إعادة الدروس عن طريق الكتابة حتى أجد نفسي حفظتها، وليس لذكائي.
لا أعلم كيف سأنجح في مجال الطب! فانا تلك التي تحلم أحلام اليقظة أنها عالمة زمانها، إلا أني اصطدمت بالواقع المؤلم، لطالما تمنيت أن أكون ناجحة في عدة مجالات، وأتقن عدة مهارات، ولكن أظن أن الذكاء يعيقني، فهل من نصائح؟ وهل أعتبر حقا غبية ويجب علي ترك مجال الطب لمن هم أجدر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلاً بك , وسررت كثيراً لاستشارتكِ لنا، وسأرتب أفكاري ضمن النقاط التالية داعية الله أن تجدي فيها الفائدة.
– بداية دعيني أخبركِ أنّ رسالتكِ بالرغم من أنها تحمل الكثير من المصطلحات السلبية عن نفسك, إلا أنني توقفت مُطوّلاً عند جملتك “أنا تلك التي تحلم أحلام اليقظة أنها عالمة زمانها”, فهي تعكس مدى طموحك وشغفك بالعلم ومدى رغبتك الكبيرة بأن تكوني فتاة متميزة، وأن تتركي أثراً ايجابياً عظيماً في محيطك, أي أنتِ بعيدة كل البعد عن الفشل “كما وصفت شعورك في عنوان رسالتكِ” فأتمنى منكِ أن تحافظي على هذا الجوهر الرائع داخلك, فهو الذي سيشحذ هممك طوال مسيرة حياتك.
– أريدك أن تعلمي أن الإنسان يُكوّن داخل نفسه على مدار سنوات حياته وخبراته الحياتية مجموعة من الأفكار الذاتية عن نفسه، قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية, لتجتمع سوياً وتشكل صورته الداخلية عن نفسه, وكلما توافقت وتلاءمت هذه الصورة والنظرة الذاتية مع إنتاج الإنسان ونجاحاته على أرض الواقع, كلما انعكس ذلك على تعزيز ثقته بنفسه, وبالتالي يحقق المزيد من النجاح في الحياة, وهذا التوافق قد لمستُه لديك, فتصورك عن نفسك أنك ستصبحين عالمة زمانك, وبذات الوقت أنت طالبة طب, وكلنا نعلم أن الطالب حتى يتمكن من دخول كلية الطب عليه أن يكون ليس طالبا ناجحاً فحسب, بل متفوقاً, وأنت حققتِ ذلك وأصبحت من الفئة الأكثر تفوقاً وتميزاً بين فئات الطلاب, وهم طلاب الطب.
– ما سبق يجعلني أنتقل إلى النقطة الثانية, وهي: دعيني أخبرك هنا أنه من خلال خبرتي المهنية هناك العديد من الاستشارات التي وصلتني من طلاب وطالبات كلية الطب، كانت تتمحور حول نفس المشكلة التي لديكِ وهي مشكلة انخفاض تقدير الذات، والتي تنتاب طالب كلية الطب خصيصاً في عامه الأول والثاني من سنوات الدراسة, وتفسير ذلك هو أن كلية الطب في أغلب البلدان العربية بشكل خاص لا يدخلها سوى الطلاب المتفوقون جداً، والذين لا ينقصهم في اختبارات الثالث الثانوي عن المجموع العام والتام سوى بضع علامات, وهذا يعني أن جو كلية الطب يمتاز بمستوى عالٍ جداً من المنافسة الشديدة, المنافسة هنا تكمن بين المتفوقين أنفسهم, وهذا يزيد الأمر صعوبة, ويُخلّف توتراً عالياً, وضعفاً في الثقة بالنفس, ولوماً للذات بأنه غير كفء للدخول إلى كلية الطب “كما حدث معكِ”.
ولكن دعيني أخبرك عزيزتي أن هذا الشعور ليس حقيقياً على الإطلاق, فأنتِ بالأساس لم تدخلي كلية الطب لو لم تكوني طالبة متميزة ومتفوقة على ذويها وأقرانها في مرحلة الثالث الثانوي, النقطة هنا هي حرب نفسية فقط لا غير, لذا عليك مواجهة هذه الحرب بصقل مهاراتك الشخصية وتقوية ثقتك بنفسك وتعزيز نظرتك الايجابية لذاتك من خلال تكثيف خبراتك الحياتية,أي إنّ هذه المنافسة فعلياً هي غير عادلة نوعاً ما, حيث إن المتنافسين جميعهم متفوقون بطبيعة الحال, فلا يوجد تفوق على التفوق, ولكن يوجد تميز بين بعضنا, وهذا هو جوهر الطبيعة البشرية, فنحن مختلفون عن بعضنا بتميز كل منا بصفات مختلفة عن الآخر, بهدف أن يقوم كل منا بدوره ورسالته في الحياة على أتم وجه.
– لذا برأيي أن النقطة الأهم التي علينا أن نركز عليها في رسالتنا هي كيف تعرفين نقاط اختلافك وقوتك، وهذا سيجعلك ترين نفسك متميزة, وذلك برأيي ما تحتاجينه فعلياً، أي أنك ما زلت لم تجدي نقاط قوتك واختلافك, بينما الآخرون من حولك قد عرفوا نقاط قوتهم في توقيت ما قد سبَقَ توقيتك, ولكن هذا لا يعني أبداً عدم وجود نقاط قوة وتميز لديك, ولكن توقيت معرفتكِ لتميزك يختلف عن توقيتهم, هذا كل ما في الأمر.
– وهنا لا تنسي نقطة مهمة, أنه عندما يصل طالب المرحلة الثانوية لعلامة أقرب إلى المجموع العام, فيكون ذلك من خلال انغماسه وتكريس أغلب وقته على الدراسة وإهماله لتنمية جوانب شخصيته المختلفة ومهاراته, وهذا ما عليك القيام به الآن, أي الموازنة بين دراستك الجامعية, وبين تطوير مختلف مهاراتك وجوانب شخصيتك، وهذا يستدعي منك أن تكتبي لنفسك قائمة بالنقاط التي ترغبين بتطويرها بنفسك, سواء بالجانب الاجتماعي, أو اللغوي, أو الرياضي, أو المهاراتي, أو جانب الاهتمام بالذات والصحة الجسدية, أو الثقافي, أو الديني, وذلك من خلال قراءة الكتب, أو مشاهدة الفيديوهات الوثائقية, أو الانتساب للكورسات التفاعلية سواء عن طريق الحضور أو الاونلاين.
– تستطيعين الاستعانة بالمقربين جداً إليك من العائلة أو الأصدقاء لتسأليهم عن وجهة نظرهم فيما يتعلق بالأمور التي تجيدينها, أو النقاط الإيجابية التي تمتاز بها شخصيتك بنظرهم, فهذه الآراء ستُعينك أيضاً على إغناء تلك القائمة وتعزيز ثقتك بنفسك، ولكن من الجيد أن تعلمي أنّ طريقة معرفتنا لما يُميّزنا يتوقف على بذلنا للجهد, فهناك من يحيون ويعيشون ويموتون وهم لم يدركوا ولم يكتشفوا أساساً ما يميزهم, وهناك أشخاص آخرون بذلوا الجهد الكافي لمعرفة ما يجعلهم متميزين عن غيرهم, وتلك كانت بمثابة الانطلاقة.
– لا أعلم مدى اعتمادية الاختبار الذي أجريتِه, ولكن تأكدي أنّ المهارات الشخصية متغيرة بتغير تدريب الإنسان لنفسه عليها, ودعيني هنا أخبرك قناعتي في هذا الأمر:
إن التميز والتفوق في تخصص ما يعتمد على نقط مهمة عديدة وهي: ميل الشخص وحبه للمجال, شغفه بأن يكون متميزاً بحياته ومؤثراً في مسيرته, والنقطة الثالثة والأهم هي الجهد والمحاولة والمثابرة والتدريب, فعلى سبيل المثال: إن أشهر لاعبي كرة القدم حول العالم تسمعينهم يقولون إنهم بدؤوا مشوارهم المهني من خلال العديد والعديد من المحاولات الغير صائبة لرمي الكرة, إلى أن تدربوا جيداً على لعب الكرة بشكل مميز وأصبحوا من مشاهير هذه الرياضة، وأيضاً أنجح العلماء عندما تقرئين قصصهم تتوقفين عند نقطة أنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من خلال عدد محاولات تجاربهم الغير صائبة, وليس من خلال ذكائهم وفطرتهم وموهبتهم, وأيضاً ألمع المُفكّرين الناجحين قد وصلوا لتميزهم في أفكارهم من خلال بذل جهدهم في التفكير مرة ومرتين وثلاثا لعدد مفتوح.
ما أريد قوله هو أنّ الموهبة ليست أساس النجاح والتميز كما يعتقد العديد من الناس, فهي قد تكون بداية انطلاقة للشخص فحسب, ولكن لا توصله إلى النجاح والتميز, أما التدريب المستمر فهو الذي يصل بالإنسان إلى التميز والحصول على مكانة مختلفة عن الآخرين, وبالتالي يجعله يحقق كل تطلعاته عن نفسه.
– تأكّدي عزيزتي أن الله سبحانه يميزنا جميعاً عن بعضنا بالمزايا التي تجعل كلّا منا مختلفاً ومتميزاً عن الآخر, وذلك بهدف أن نكمل بعضنا وأن يؤدي كل منّا دوره ورسالته في هذه الحياة, لا أن ننافس بعض, وهو سبحانه قد ميّزك بالعديد من الصفات, ولولا تميزك لما كنتِ قد نظرت لنفسك أنك ستصبحين يوما ما عالمة زمانك, فهذا التفكير هو حصيلة لأفكارك عن نفسك على مدار سنوات.
أخيراً: أريدكِ عزيزتي أن تتذكري أنّ الناجحين ليسوا بالضرورة بارعون وموهوبون في الأساس, هم آمنوا بأنفسهم وحاولوا واستمروا بالمحاولة دون يأس, أي ليس الذكاء ما يعيقك وينقصكِ على الإطلاق, بل التدريب والممارسة والمثابرة, وحينها ستصلين إلى كل ما تريدينه, وستحققين كل طموحاتك الجميلة.
أدعو لك بكل الخير والتوفيق في حياتك الشخصية والدراسية, وأتمنى أن لا تتردّدي في مُراسلتنا مُجدداً إذا كانت لديكِ أية استفسارات أخرى.