قالت منظمة الصحة العالمية ان مئات الملايين من الاشخاص في البلدان الفقيرة يعانون من اضطرابات في الصحة العقلية لم تخضع للعلاج يمكن القضاء عليها بوسائل رعاية غير مكلفة. وأصدرت المنظمة التابعة للامم المتحدة كتابا ارشاديا للاطباء والممرضين المتخصصين في الرعاية الاساسية لمعالجة المرضى المصابين بالاكئتاب والذهان وايضا الامراض العصبية ومنها الصرع والزهايمر وغيرها من اشكال الخرف. وقالت مارجريت تشان المديرة العامة للمنظمة “نواجه سوء فهم يتمثل في ان الرعاية الصحية العقلية هي عنصر ترف في الاجندة الصحية ولكنها تتكلف دولارين فقط للشخص في العام ” والدولاران هو متوسط تكلفة توفير العلاج في البلدان النامية والتي تقول المنظمة ان بها 75 في المئة من المصابين بمشكلات في الصحة العقلية والعصبية على مستوى العالم. ويهدف الكتاب الارشادي المؤلف من 100 صفحة وعنوانه “فجوة الصحة العقلية دليل تدخل” الى مساعدة موظفي الرعاية الصحية على تقييم وعلاج المرضى الذين يعانون من اعراض تشمل القلق والوهم وفقدان الذاكرة والافكار الانتحارية. وجاء في الدليل انه يمكن علاج المرضى من خلال خدمات اجتماعية منخفضة التكلفة أو في وحدات صغيرة يشرف عليها مساعدون طبيون بدلا من المستشفيات المتخصصة.
وبما أن الجنرال سلفاكير هو في الوقت نفسه رئيس «الحركة الشعبية» الجنوبية وقائد جيشها، فإن من المؤكد أن موقفه هذا هو موقف الحركة الرسمي، ما يبعث على الاعتقاد بأن قيادة الحركة.
وهي أيضا القيادة الحكومية في العاصمة الجنوبية جوبا، قد وطدت العزم على تسخير كل ما يتوافر لديها من إمكانات حكومية وشعبية، للدعوة إلى خيار «الاستقلال» واستخدام قوة القهر والمال والدعاية ضد خيار الوحدة.
يمكن القول إذن ونحن على مقربة 13 أسبوعا من الموعد المقرر لعملية الاستفتاء، إن انفصال الجنوب بات حتميا.. ممهدا بالتالي لقيام كيان دولة مستقلة. والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو: هل ستكون هذه الدولة المستقلة قابلة للحياة والبقاء؟
هناك عوامل مهمة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وفي مقدمة هذه العوامل أن الولاءات السياسية في الجنوب السوداني تحكمها وتتحكم فيها الانتماءات القبلية. وانطلاقا من هذه الحقيقة الأساسية، علينا أن نستحضر إلى الأذهان أن الحركة الشعبية الحاكمة بقوتها المسلحة، لا تمثل سوى قبيلة واحدة.
ورغم أن قبيلة «الدينكا» تعتبر الأكبر بين القبائل الجنوبية من حيث العدد، إلا أن القبائل الأخرى مجتمعة تشكل الأغلبية الساحقة للسكان.
ومنذ قيام سلطة الحكم الذاتي في الجنوب تطبيقا لاتفاقية السلام عام 2005، ظلت حكومة «الحركة» الدينكاوية تمارس سياسة تمييزية ضد القبائل الأخرى، بما أدى إلى نشوء حركة تذمر قبلي في أنحاء متفرقة من الجنوب، تطورت سريعا إلى صدامات دموية بين قوات الحركة والميليشيات القبلية الأخرى.
القيادات السياسية لهذه الميليشيات المناوئة للحركة وحكومتها، تعارض الدعوة إلى الانفصال، ليس انطلاقا من قناعة سياسية بخيار استمرار الوحدة مع الشمال، ولكن تخوفا من استمرار احتكار الحركة الدينكاوية لأجهزة السلطة في الدولة المستقلة المرتقبة.
ومما يضاعف من هذا التخوف أن حكومة الحكم الذاتي تنفق أكثر من 60% من عائدات النفط الجنوبية على جيش الحركة، إما على شكل مشتريات أسلحة حديثة، أو رواتب وامتيازات تترافق معها ممارسات فساد مالي يشارك في ارتكابها أيضا بعض وزراء السلطة وكبار الموظفين. فلكل من هؤلاء حسابات مصرفية شخصية في بنوك العاصمة الكينية نيروبي، تتغذى من الاختلاسات.
خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ قيام سلطة الحكم الذاتي، تلقت هذه السلطة من الحكومة المركزية في الخرطوم نحو 6 مليارات دولار هي نصيب الجنوب من عملية اقتسام الثروة النفطية مع الشمال.
والآن فإن القادة السياسيين للميليشيات القبلية المعارضة يتساءلون: أين ذهبت هذه الأموال؟ وهو سؤال ينطبق أيضا على أموال المساعدات الخارجية التي تتلقاها الحكومة الجنوبية بصورة مباشرة.
الانفصال وما يعقبه من إعلان قيام جمهورية في الجنوب، سيكون بمثابة إشعال الشرارة الأولى لحرب جنوبية ـ جنوبية ذات طابع قبلي.. تكون امتدادا أشد وأوسع نطاقا للصدامات الدموية القبلية الواقعة، والتي تجاوز عدد ضحاياها حتى مطلع العام الماضي 1200 قتيل.
من ناحية أخرى فإن عملية الاستفتاء نفسها قد تتحول إلى مشكلة خطيرة، ربما تنذر باحتكاك مسلح بين الشمال والجنوب.
القيادات السياسية في كل من الشمال والجنوب، تأمل أن يجري الاستفتاء في موعده المحدد. لكن كيف يكون هناك أصلا استفتاء، مع بقاء المشكلة العالقة التي ينبغي أن تحسم كشرط لإجرائه؟
أبرز هذه المسائل ترسيم الحدود. وهنا نلاحظ أن قادة الحركة الجنوبية ينادون ضمنيا بعقد الاستفتاء في موعده، حتى لو لم يتفق الطرفان على حلول نهائية للمسائل العالقة. ومثل هذا القول الغريب لا تفسير له سوى أنهم يضمرون شرا.
إذ كيف يعقل أن تقوم دولة جديدة، دون أن تكون لها حدود رسمية شرعية!
أغلب الظن أن الطرف الجنوبي يتعمد تعطيل عمل اللجنة المشتركة لترسيم الحدود، حتى يحل موعد الاستفتاء دون أن تتمكن اللجنة من استكمال مهمتها..
وفي هذه الحال تعمد قيادة الحركة إلى إعلان الدولة المستقلة من داخل البرلمان الإقليمي الجنوبي، مع ضم مناطق جغرافية شمالية، وتحديدا منطقتي جنوب النيل الأزرق (الانقسنا) وجنوب كردفان (جبال النوبة).. بالإضافة إلى ضم منطقة «أبيي» المتنازع على تبعيتها.
بكل المؤشرات المتوافرة، يبدو أن هذا مخطط مدعوم من الولايات المتحدة بقوة، كما يستنبط من التصريحات المتواترة للمسؤولين في الإدارة الأميركية، بمن فيهم الرئيس أوباما نفسه، بالإصرار على إجراء الاستفتاء في موعده المقرر، حتى لو تبين أن هذا متعذر عمليا.
وعلى هذا النحو يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة تخطط لإقحام الجنوب في حرب جديدة مع الشمال.. إذ ليس من المتصور أن يتقبل الشمال انتزاع أجزاء من أراضيه، دون أن يضطر إلى استخدام القوة المسلحة لاستردادها.
أجل.. ستكون هناك جمهورية جنوبية. لكنها ستكون دولة صدامات داخلية وخارجية، مهلهلة النسيج منذ لحظة ولادتها.
* نقلا عن “البيان” الإماراتية