من الأمور المسكوت عنها في الكثير من المجتمعات؛ سواء العربية أو حتى أكثر المجتمعات انفتاحاً، موضوع العذرية لدى المرأة، ونجد أن بعض الحالات قد تدفع حياتها ثمناً لذنب ليس لها أي ذنب في حدوثه؛ مما يجعل الحديث عن هذا الموضوع الشائك أمراً مهماً، ويجب شرح الحقائق للشباب والشابات المقبلين على الزواج، وذكر الحقائق العلمية من قِبل المختصين؛ بعيداً عن الخجل أو الخوف؛ حتى نصل للهدف المطلوب وهو نشر الوعي الصحي، والتأكيد على أهمية تقديم البرامج الوقائية للأبوين، ومساعدتهما لتقديم الإرشادات المطلوبة لحماية الأطفال من البنات والأولاد، بما يتناسب مع عمر الطفل؛ ليحموا أنفسهم من التحرش والاعتداء الجنسي، وتقديم العون النفسي والجسدي لمن يحتاجه منهم.
الحالة:
وصلتني رسالة مطولة من آنسة مقبلة على الزواج، تقول إنها وصلت إلى حد لا تستطيع أن تتحمل ما قد يحدث معها إذا ما عرف السر الذي تحمله منذ طفولتها، ويعذبها إلى درجة أنها قررت عدم الزواج مطلقاً، ولكن بعد إصرار الأهل، الذي تحول إلى نظرات قاتلة من الشك والريبة، وأيضاً إلى أن سألتها إحدى أخواتها إن كان لديها «ميول خاصة لنفس الجنس»، وتقول: هنا قررت أن أطلع أختي على ما حصل معي، وأن تساعدني لإيجاد حل لهذه المصيبة وتساندني، وتقول: تعرضت للخداع من قبل أحد الجيران عندما كنت في السادسة عشرة من العمر، وقعت في حبه، وهو يكبرني بأكثر من 20 عاماً، وأوهمني أننا سنتزوج بعد أن يستقر في عمله الجديد، وحلف لي بالله أنني زوجته، ومن هنا وقعت الكارثة.
وبعد أن حدث ما حدث؛ اختفى تماماً، مما جعلني أتأكد من أن كل ذلك كان وهماً، وتحملت كل الألم الذي يمكن لإنسان أن يتحمله، ووضعت كل طاقتي في دراستي، وقاومت كثيراً كل عروض الزواج، إلى أن أصبح أهلي يشكون في تصرفاتي، وواجهتني أختي بما يدور في ذهنهم، وهنا قررت أن أكون شجاعة وأواجه الأمر، وشعرت بالراحة عندما أكدت لي أختي أنها في صفي، وسؤالي هنا، أنني أبلغ من العمر 33 عاماً، ولا أعرف ما حدث لغشاء العذرية، مع أن اللقاء كان لمرة واحدة، ونزلت بعض نقاط دم، ثم أصبح الوضع كما كان، والشخص المتقدم لي يريد إتمام الزواج بسرعة، وأرجو أن تساعدوني في الرد بسرعة؛ فهذا الموضوع يتعلق به مصيري وحياتي، هل يمكن إيجاد طريقة لإصلاح ما حدث؟ وهل هذا نوع من الخداع للزوج؟ وهل يمكن أن أصبح امرأة طبيعية في العلاقة الحميمة، على الرغم من كل الخوف الذي في داخلي، والذي أصبح يمنعني من أن أتعامل مع أي رجل؟
الإجابة:
آنستي.. شكراً لك ولأختك على الثقة في البحث عن حلول لهذه المشكلة، والتي تعاني منها حالات عديدة في كل المجتمعات الشرقية والغربية بصورة عامة، ويرجع السبب في ذلك إلى المفهوم الخاطئ لدى البعض، والذي يحصر مفهوم «العذرية لدى الفتاة» في هذا الغشاء الرقيق؛ مما يجعلهم يهتمون بتوعية البنت بالمحافظة عليه، مع عدم الانتباه إلى أهمية تقديم الوعي الشامل للمفهوم الأشمل لمعنى العذرية، والذي يشمل العفة، الطهارة، والنقاء النفسي والجسدي، وأيضاً الصدق والإخلاص، وهنا اسمحي لي بأن أؤكد على حقيقة مهمة وهي أن وجود غشاء عذرية خارجي يحتاج إلى وجود معايير نقاء داخلي، وصدق مع الذات من قبل الرجل والمرأة، ومن أهم الحقائق المرتبطة بهذا الموضوع ما يلي:
أولاً: كما نعرف جميعاً أن هذا الغشاء الرقيق موجود في أول فتحة المهبل لدى المرأة منذ الولادة، ويختلف في الشكل والتكوين من أنثى إلى أخرى، ونجد في بعض الحالات، إما أن يكون غير مكتمل، أو أنه مغلق تماماً ولا يوجد به فتحة تساعد على نزول دم الحيض؛ مما يشكل حالة طارئة تستوجب التدخل الجراحي، كما أن بعض الأنواع تكون مطاطية ولا تزول مع الجماع، وإنما تزول مع الولادة الطبيعية.
ثانياً: المسألة متشعبة؛ خاصة فيما يتعلق بالعفة والطهارة لدى النساء عنها لدى الرجال، وهو أمر مهم جداً لتنبيه الفتيات من أن يقعن ضحية لمثل هذه الخدع التي يستخدمها ضعاف النفوس لنيل غرض ما من الفتاة بدون زواج؛ فمفهوم الزواج يختلف تماماً عما يحاول مثل هؤلاء الأشخاص التلاعب به؛ لأن مسألة فقدان غشاء البكارة، من المواضيع الحرجة والخطيرة في حياة البنت، سواء الاجتماعية، والأهم الناحية النفسية؛ لما ينتج عنها من اضطرابات وقلق، وأحياناً الاكتئاب.
ثالثاً: من المحاذير الخطيرة، أن يتم حدوث «الحمل» من علاقات غير مشروعة، حتى ولو لم يتم إزالة هذا الغشاء بالإيلاج، ويحدث ذلك عند وصول الحيوانات المنوية إلى مدخل المهبل، وهو أمر في غاية الخطورة، ويجب شرح أبعاده للفتيات للتوعية به، وأيضاً يجب توضيح هذه الأمور للشباب، وعدم استغلال عاطفة الشابة لتحقيق «أهدافه السيئة» دون معرفة، أو عن جهل منه لخطورة العواقب الناتجة عن ذلك.
رابعاً: موضوع «إعادة إصلاح الغشاء» أمر ممكن أن يعيد إصلاح الأثر الجسدي، ولكن ماذا عن الأثر النفسي العميق، والمضاعفات السيكولوجية التي تنتج عنه؟ وما مستقبل العلاقة الحميمة مع الزوج، والتي بالتأكيد كما تقولين تشكل حاجزاً في قدرتك على التعامل مع الرجال عموماً؟ هذا الأمر يحتاج إلى العلاج النفسي لتصبحي قادرة على التخلص من آثار الصدمة النفسية، وأيضاً لتتهيئي للعيش مع زوجك؛ خاصة وأنكما ستكونان معاً في مواجهة متغيرات الحياة.
خامساً: وجود أختك معك وبجانبك عنصر مهم لتقديم الدعم النفسي، وأيضاً لمساعدتك على تخطي هذه المرحلة، ناقشي معها كل الاحتمالات المتاحة، وأيضاً تعرفي على شخصية الزوج ومدى تفهمه للأمور وقدرته على التعامل مع مصاعب الحياة، ووازني بين ما يشكل حلاً سريعاً ومؤقتا للمشكلة، وبين العلاج الناجع والشامل لهذه المسألة الشائكة في حياتك، وتذكري أن تجارب بنت الستة عشر ربيعاً، غير كافية لاتخاذ القرار المصيري في الحياة؛ مقارنة بعمرك الآن.
سادساً: قبل أن تقومي باتخاذ أي إجراء أو قرار، يجب زيارة طبيبة النساء والتوليد؛ للتعرف على حجم الآثار الناتجة عن ذلك اللقاء المشؤوم، ومعرفة وضع وحالة الجهاز الحساس لديك؛ حتى تستطيعي اتخاذ القرار الصائب من وجهة نظرك وأنت على بينة ووضوح.
نصيحة
الثقافة الجنسية للذكور والإناث أمر حيوي وأساسي لحمايتهم من خطر الاندفاع وراء العواطف الملتهبة في مرحلة المراهقة، وأيضاً لتعريفهم على صعوبة إصلاح ما قد يفسده بعض ضعاف النفوس، والقاعدة الذهبية تقول: الاستعداد للمواجهة خير من إصلاح الضرر، والتأكيد على أهمية تربية الأولاد والبنات على العفة واحترام الآخر؛ بدلاً من التركيز على المظاهر الخارجية لما تعنيه العذرية لدى الطرفين.