السؤال
السلام على إخواني وأخواتي..
أنا إنسانة مسلمة، أعرف أن ما أقوله سيبدو سخيفاً للبعض، ولكن هذه هي الحقيقة، أنا مصابة بحول منذ صغري، ومنذ صغري وأنا أعاني سخرية الناس وتهكمهم بسبب هذا، حاولت مراراً أن أتغلب على ضعفي، وأن لا أبالي بما يقولون، لكن الأمر كان صعباً، رغم ذلك أنهيت دراستي وتخرجت، وصرت أعمل مدرسة، وبصعوبة الأمر مع تلاميذ ينتهزون الفرص لمضايقتي وإزعاجي، أكاد أجن، كلما حاولت التعايش مع الأمر أفشل، والأدهى أنني لا أطلب حتى للزواج بسبب هذا، ترى ما عساني أفعل؟! أعرف أن هذا من قلة الإيمان، لكن ما ذنبي أنا؟ إلى متى سأعاني من سخرية الناس أو من شفقتهم ومن نظراتهم المركّزة على عيني؟ ومن نفور الخطّاب مني بسبب ما أنا عليه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنك أشرت إلى أن هذا الكلام الذي سوف تذكرينه قد يبدو أمراً لا داعي له أو كما ورد في تعبيرك، ولكننا نقول: كلا..إن هذا الأمر الذي ذكرته ليس هو بالأمر الهين على النفس، وليس هو بالأمر الذي لا يلتفت إليه، فأنت فتاة لك مشاعرك، لك أحاسيسك، لك شعورك الذي يجعلك تعيشين مشقة ظاهرة من هذه المعاملة التي قد تجدينها من بعض الناس الذين ينتهزون الفرص للاستهزاء بعباد الله عز وجل، ولا يراعون مشاعرهم – فأنت بحمد الله عز وجل – لست ضعيفة في إيمانك لأجل هذا الشعور، فينبغي أن تنتبهي إلى هذا، إن الذي يحصل لك هو ألم من هذا الواقع الذي قد تعيشينه مع بعض الناس الذين لا يقدرون المشاعر، ولا يقدرون أحاسيس الإنسان، فيطلقون العبارات ويطلقون الإشارات والتلميحات التي تشير إلى بعض الأمور التي قد تكون واقعة للإنسان، وما أكثر أن يقع هذا من الناس، وإن كانوا ليسوا جميعاً سواءً في هذا.
فأنت معذورة في هذا الألم، وتشعرين بالحرج لأجله، فإن الإنسان لا يحب أن يكون محل سخرية الناس، ولا ريب أن هذا يحزنه ويضايقه، فما الإنسان إلا كتلةٌ من المشاعر والأحاسيس، فلا تعودي على نفسك باللوم لأجل ذلك، ولا تظني بنفسك أنك ضعيفة الإيمان – فأنت بحمد الله – مسلمةٌ لأمر الله، وأنت مقرةٌ ومذعنة لحكمه العظيم – جل وعلا – ولا اعتراض لك على هذا، وإنما ألمك من جهة تعامل بعض الناس معك.
فأبشري يا أختي! أبشري بقول نبيك الأمين صلوات الله وسلامه عليه الذي يقول: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) خرجه الترمذي في سننه، وأيضاً يا أختي فلئن كان أصابك شيءٌ من الحول في العين فهذا أمرٌ يقع لكثير من الناس، وقد يقع للفتيات وفيهن جمال وحسنٌ ومنظر مقبول، ولكن قد يبتلين بهذا الأمر والذي هو بنسبة ليست بالضئيلة – كما لا يخفى على نظرك الكريم – فحينئذ لابد أن تنظري في أمرين مهمين:
فالأمر الأول: أن يكون هنالك فحص طبي للنظر في درجة هذا الحول، والنظر في إمكان معالجته من الناحية العضوية، فهذا من بذل الأسباب في هذا، ولا ينبغي أن تتواني في هذا الأمر متى ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
والأمر الثاني: أن تنظري إلى هذا الأمر نظرة المؤمنة التي تعلم أن الله جل وعلا يبتلي العبيد، فيرفع درجاتهم، ويجعل هذا البلاء سبباً لخيرهم، نعم ..سببٌ لئن ينالوا الخير والفضل، فإن قلت: وكيف ذلك؟ فالجواب: إنه ما نطق به نبيك الأمين – صلوات الله وسلامه عليه – عندما قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) خرجه مسلم في صحيحه.
وأيضاً يا أختي! فإنك بحمد الله قد من الله عليك بأمور حسنة ظاهرة، فأنت -إن شاء الله- كما نحسبك، ولا نزكي على الله أحداً، صاحبة دين وصاحبة صلاة وصاحبة حجاب وصاحبة تقوى لربك، لست كاللاهثات وراء الحرام، وأيضاً قد من الله عليك بنعم أخرى، فلئن كنت قد أصابك هذا الأمر، فقد منحك الله جل وعلا القدرة على البصر، فتأملي في تلك الفتاة عن يمينك وهي عمياء، لا تبصر وإذا أرادت أن تقضي حاجتها قيدت من يدها لتدخل الحمام ولتجلس لقضاء حاجتها، وتأملي في تلك الفتاة العرجاء أو تلك التي فقدت القدرة على الحركة من أصلها، فإذا أرادت قضاء حاجتها حُملت حملاً وربما لم يكن لها قدرة على أن تقوم بشأنها الخاص، وتلك الفتاة التي شوه منظرها تشويهاً كاملاً، بل من الناس من يفقد عقله ببعض الحوادث أو يولد كذلك كما هو معلوم، إذن: فلابد من النظر إلى نعم الله الأخرى التي آتاك، فبهذا يخف عليك الأمر، وتشعرين حينئذ بأنك لابد أن تسجدي لله – عز وجل – شكراً وثناءً عليه جل وعلا على ما منّ عليك من هذه النعم التي لا تحصى، قال تعالى: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ))[النحل:18].
وأما عن كيفية التعامل مع هذه الكلمات التي قد تصدر من بعض الناس، فخير ما تقومين به – يا أختي – هو ألا تلتفتي إلى هذه الكلمات، وألا تعطيها أي اهتمام ولا أي بال، ولو قُدر أنها صدرت من بعض الناس وعرفت مقصده من ذلك، وأنه تعمد إخراجها بقصد الاستهزاء، فإنك يمكنك أن تردي عليه بوضوح وبآية واحدة، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[الحجرات:11]، فلا تلتفتي لهذه المضايقات لو قُدر وجودها، وأيضاً لا تحملي كل إشارة تصدر من الناس أو كل نظرة على هذا المعنى، فإنك قد يقع في نفسك أن هذه الفتاة تنظر إليك شفقة عليك، وأن تلك الصديقة تنظر إليك وتتأمل في هذا الأمر في عينيك، فلا ينبغي أن ينقدح هذا في نفسك، خاصةً مع معارفك من أخواتك وصاحباتك وقريباتك، بل تشاغلي عن ذلك، ولا تجعلي هذا الأمر هماً على قلبك.
واعلمي -يا أختي- أن الله جل وعلا لا ينظر إلى أبدان الناس ولا إلى أموالهم، ولكن ينظر إلى ما هو أعظم من ذلك، كما خرجاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فلتطيبي نفساً ولتبذلي جهدك في طاعة الرحمن ولتسأليه جل وعلا من فضله، وأيضاً فإن هذا الأمر ليس بمانعٍ حقيقي من الزواج، فكم من فتاة على هذا النحو تزوجت ولديها الأسرة الفاضلة، بل وكانت أيضاً محبوبة من زوجها، فتوكلي على ربك وهوني على نفسك، واسأليه جل وعلا أن يزيدك من فضله، والتمسي أيضاً أسباب العلاج في ذلك.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه.