السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد استشارتكم بخصوص دراسة مقارنة الأديان.
نحن نعيش بالأردن، حيث لا تتوفر مثل هذه الدراسة بالرغم من أن الأردن مليئة بالتخصصات كالقانون والاقتصاد وإدارة الأعمال…الخ، ولكن مقارنة الأديان ليست متوفرة بالرغم أن الشريعة تدرس، ولكن المطلوب هو أن يدرس الطالب جميع الأديان، أو على الأقل المشهورة جدا، علما بأن الذي سيدرس علم مقارنة الأديان لست أنا، وإنما لمولود جديد ونريد تأسيسه منذ البداية، فما هي النصيحة منذ الطفولة؟ وهل تنصحوني في بلد معين لدراسة هذا التخصص عند بلوغ هذا الطفل السن المطلوب؟ وكم هي المدة التي يحتاجها الشخص لدراسة هذا الأمر؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الذي ينبغي للإنسان المسلم – أيها الحبيب – أن يبدأ أولاً بتعلُّم الدين الحق، الذي جاء به محمّدٌ صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الرسالات، والكتاب الذي أُنزل على النبي محمّد صلى الله عليه وسلم أنزله الله تعالى مُهيمنًا على الكتب السابقة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومُهيمنًا عليه}.
فالواجب على المسلم أن يبدأ أولاً بتعلُّم الدين الحق، وتعلُّم ما يجب عليه تعلُّمه من العقائد الدينية، والفرائض التي يجب عليه تعلُّمها، وتعلُّم المهنة التي يُمارسُها، ونحو ذلك من العلوم المطلوبة من الإنسان المسلم أولاً، ثم إذا أراد الاستزادة بعد ذلك فيستزيد من تعلُّم الدين الحق أولاً، فإذا رسختْ قدمه في العلوم الدِّينية الشرعية وتحصَّن وأصبح قادرًا على حماية نفسه من الباطل، قادرًا على ردِّ الشبهات التي قد تَرِدْ عليه؛ ففي هذه الحال يمكن أن ينظر في الأديان الأخرى، فإنه أصبح قادرًا على التمييز بين الحق والباطل، قادرًا على ردِّ الباطل حين يرد عليه، أمَّا قبل ذلك فإنه يُخشى عليه أن يختلط عليه الحق بالباطل فيقع في مهاوي الهلاك.
ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من النظر في كتب الأمم السابقة، كما رُوي في الحديث، وإن كان فيه كلام عند المحدثين، لكن مجموع طُرقه تُنبئ عن أن له أصلاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – وقد أخذ جُزءًا من التوراة، فقال له رجلٌ من الأنصار: (ويحك/ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرَى إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ الْيَوْمِ وَأَنْتَ تَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ؟) يعني: وقد كان وجه الرسول تغيّر وتلوّن حين رأى عمر يقرأ من التوراة، فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: (لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَاللهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي).
وعمر – رضي الله تعالى عنه – انتفع جدًّا بهذه الوصية، فأصبح لا ينظر في الكتب المتقدّمين، وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان خوفًا على المسلمين من أن يفتحوا الباب واسعًا للنظر في التوراة والإنجيل، ومن المعلوم أنه قد ناله ما ناله من التحريف والتبديل.
ولذلك حذّر العلماء قديمًا وحديثًا من النظر في كتب الأديان الأخرى لمن ليس أهلاً لتمييز الحق والباطل، بل وقد يصل الأمر إلى عدم الجواز، كما صرّح بذلك كثيرٌ من فقهاء الإسلام.
إذا علمت هذا – أيها الحبيب – علمت مدى خطورة دراسة مقارنة الأديان لكل أحدٍ من الناس، فضلاً عن الصّغار، أمَّا مَن تحصّن – كما بدأنا الحديث – وعرفَ الحقَّ بأدلته، وكان قادرًا على ردِّ الشبهات التي قد تَرِدْ عليه؛ فهذا إذا اطلع على الأديان الأخرى وعلم ما فيها بقصد تفنيد ما فيها من الباطل، وردِّ ما فيها من الشبهة، والدفاع عن الحق، فهذا علمٌ يُحمد ويُشكر له.
وبهذا تعلم – أيها الحبيب – أن تعليم الصّغار الأديان الأخرى من الخطورة بمكان.
نسأل الله تعالى التوفيق لنا ولك.