السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر (26) سنة جامعية، جميلة من أسرة معروفة، وثرية في منطقتنا.
مأساتي بدأت بعد التخرج من الجامعة منذ عامين تقريباً فإنني أحس بالملل والضجر نتيجة الفراغ الذي أعيشه، فلا أعمل أي شيء في هذه الحياة سوى الأكل والنوم!
فأبي منعني من العمل بحجة أننا أغنياء، ولا حاجة لي للعمل وبحجة أن المجتمع الذي نعيش فيه يعج بالفاسدين وعديمي الأخلاق، بالرغم من أنه مجتمع عربي ومسلم.
هذا كله من جهة ومن جهة أخرى فإنني لم أتزوج بعد رغم كل المواصفات التي أعددتها لكم آنفا، والتي من المفروض أن تجلب أي شاب لي، فأنا أطرح السؤال دوماً لماذا لم أتزوج بعد؟! وأحياناً أشك بأنني محسودة أو أصابتني عين أو سحر منعني من الزواج.
أطلب منكم أن تجدوا لي حلاً لمشكلتي هذه، وأود أن تعطوني الطريقة الصحيحة للرقية الشرعية وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك صلاحاً وهدىً واستقامة، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عوناً لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإن قضية الزواج كما لا يخفى عليك من القضايا التي تتعلق بالقدر، ونحن نعلم أن الإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى).
فالقدر هو ما قدره الله تبارك وتعالى، ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بقوله: (إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) فقبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قدر الله مقادير كل المخلوقات، ومن هذه المقادير الأرزاق، والأرزاق كما تعلمين معناها واسع.
فالأموال من الأرزاق، والأولاد من الأرزاق، والصحة أيضاً من الأرزاق، والجمال كذلك من الأرزاق، والأخلاق كذلك من الأرزاق، والعلم والتعليم والتعلم من الأرزاق، وكذلك الأزواج من الأرزاق.
فالله تبارك وتعالى قدر لكل إنسانة الرجل الذي سوف يرتبط بها، وأحياناً قد تتزوج المرأة بأكثر من رجل يكون هذا أيضاً قد قدره الله قبل خلق السموات والأرض.
وأحياناً قد يتزوج الرجل بأكثر من امرأة وهذا أيضاً قدره الله قبل خلق السموات والأرض، وأحياناً تتزوج الفتاة في سن مبكرة، وهذا أيضاً قد قدره الله قبل خلق السموات والأرض، وأحياناً قد تتأخر، وأحياناً قد يتقدم لها أكثر من خاطب، إلا أنها لا توفق مع واحد منهم.
ثم يأتيها إنسان بعيد عن تصورها أو عن تخيلها تماماً، بل قد يكون ليس من منطقتها بالكلية، بل قد يكون غريباً عنها من حيث النسب ومن حيث الأصل، ولكن الله تبارك وتعالى شاء في تقديره القديم أن يكون هذا هو زوجها.
فهذه المسألة تجعلنا في حالة من الاطمئنان الكبير؛ لأن الذي قدره الله هو كائن لا محالة؛ لأنه لا يتحرك متحرك إلا بأمره، ولا يسكن ساكن إلا بأمره، والله تبارك وتعالى يقول: (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ))[الملك:1-2].
أختي الكريمة: هذا الكون الكبير الهائل الذي علمنا منه أشياء وغابت عنا أشياء أكثر وأكثر كله مملوك لله تبارك وتعالى، مخلوق له جل جلاله سبحانه وحده المتصرف فيه، القادر على إدارة أموره وشؤونه صغيرها وكبيرها، سرها وعلانيتها، المحسوس منها وغير المحسوس.
فقضية الأزواج هذه قضية بيد الله تبارك وتعالى وحده، لا يمكن لأحد كائناً من كان أن يتحكم فيها أبداً، لأنها مما اختص الله تبارك وتعالى به، لأنها من الأرزاق التي أخبر الله تبارك وتعالى عنها بقوله: (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ))[الذاريات:22]، وبما أنها في السماء وليست في الأرض فلا يمكن لأهل الأرض أن يتدخلوا فيها بحال من الأحوال، حتى وإن حاول الإنسان أن يعرض ابنته أو حاولت الفتاة أن تعرض نفسها، أو حاولت أن تتكلم مثلاً مع بعض الرجال لعل أحداً مثلاً أن يُعجب بها، كل هذا لا يقدم ولا يؤخر مطلقاً؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله.
فهكذا ينبغي أن نعلم أن هذه المسألة بيد الله وحده ولا دخل لأحد فيها.
ثانياً: فيما يتعلق باحتمال الحسد أو العين أو السحر، هذا لا ننفيه أيضاً، فقد يكون فعلاً موجوداً، بل يكون من أسباب تأخر الزواج، وهو أيضاً بقدر الله تعالى؛ لأن الحاسد لا يؤثر بنفسه، وإنما شاء الله تعالى أن يجعل عينه مؤثرة فأثرت، كذلك الساحر أيضاً لا يؤثر وحده بقدرة ذاتية فيه وإنما شاء الله تعالى أن يجعل سحره سبباً فكان سبباً، وكذلك الحاسد أو العائن لا يملك من الأمر شيئاً، ولذلك قال الله تعالى: (( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ))[البقرة:102]، فهذا الساحر يأتيه عشرات من الناس يومياً ولا ينجحون مع الكل، بل إنهم لو نظرت إلى حال هؤلاء السحرة لوجدتهم من أفقر الناس.
لماذا هم لا ينفعون أنفسهم؟! لم يستطيعوا أن ينفعوا أنفسهم بأن يغتنوا مثلاً أو يكون في أيديهم الذهب مثلاً، ولذلك هم دجلة سحرة لا يقدرون أن يقدموا لأنفسهم خيراً أو يؤخروا عن أنفسهم شرّاً، ولذلك هم يضرون ولا ينفعون، ولو أرادوا النفع لكان الأولى بذلك أنفسهم من غيرهم.
ومن هنا فإني أقول لك أختي الكريمة: احتمال فعلاً وجود هذه الأشياء وأنها قد تكون مؤثرة، ولذلك لا مانع من الرقية الشرعية.
والرقية الشرعية قطعاً إذا لم تنفع فهي لن تضر، خاصة إذا كانت رقية شرعية صحيحة من كلام الله تعالى وكلام النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وأنت لو كتبت على موقع جوجل أو غيره من المواقع البحثية كلمة (الرقية الشرعية) سوف تأتيك عشرات المواضيع والمواقع التي تتكلم عن الرقية الشرعية وعن الآيات التي تستعمل في المس أو العين أو الحسد أو السحر، وكذلك الأحاديث والأدعية الموجودة.
هذه مسألة سهلة بإذن الله تعالى، وكذلك هناك أيضاً بعض الكتيبات، وهناك بعض النشرات،وهناك كذلك كتب، وهنالك أشرطة أيضاً لبعض الرقاة، وبمقدورك أن تعالجي نفسك بنفسك، وهناك كتاب -لو أن لديكم هذه الكتب منتشرة في بلادكم- يسمى (عالج نفسك بنفسك)، تستطيعين من خلاله أن تقومي برقية نفسك بنفسك دون تدخل من أحد،
ويمكن لوالدتك أن تقوم بذلك أو والدك أو إحدى أخواتك، ولا يلزم حقيقة أن نذهب لبعض الرقاة أو نستعين بهم إلا في حالة عدم الاستطاعة وعدم القدرة على رقية أنفسنا بأنفسنا.
أما إذا أكرمك الله تبارك وتعالى وزالت أعراض هذا الأمر فإن هذا هو المقصود؛ لأن الرقية عبادة، فنحن نتوجه بها إلى الله تعالى ونتضرع إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرفع عنا البلاء، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير.
وهذا ما ننصح به كل أخت أو أخ يشعر بأنه في حاجة إلى الرقية أن يبدأ بعلاج نفسه، بالآيات المعروفة والأحاديث المشتهرة في هذا الأمر، مع الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، ومع بعض العبادات كعبادة مثلاً الصيام والدعاء وهو صائم أن الله عز وجل يمنَّ عليه بقضاء حاجته، كذلك أيضاً الدعاء في أوقات الإجابة، كذلك أيضاً الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قال له: أأجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إذن تكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبك).
فإذا لزمت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دائماً وبكثرة سوف يكفي الله همك وسوف يرزقك بالزوج الصالح بإذنه تعالى، وكذلك عليك بالإكثار من الاستغفار؛ لأن الله تعالى قال على لسان نوح عليه السلام: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ))[نوح:11-12].
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث ما كنت، وأن يرزقك زوجاً صالحاً يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.