السؤال
السلام عليكم.
زوجي إنسان متزن، خلوق، لا يكذب ولا ينافق، ويعاملني معاملة جيدة، ونحترم بعضنا، ونعيش حياتنا بهدوء وطمأنينة، وهذا من فضل الله الكريم، وهو بار جداً بوالدته حيث أنها تسكن معنا منذ زواجنا.
ومشكلتي هي أنه لا يصلي، وقد حاولت معه كثيراً، أحياناً بالتكلم معه مباشرة وأحياناً بإرسال مواضيع عن تارك الصلاة عبر الرسائل الإلكترونية، وهو يحاول دائماً التهرب من هذا الموضوع قائلا سيأتي يوم وأصلي، فأقول له: متى؟ وهل تضمن أنك ستعيش حتى ذلك الوقت؟!
وأنا والحمد لله محجبة، وأقوم بفرائضي كلها، وأواظب على صلاة الفجر، وأقوم أحياناً بقيام الليل وأدعو له بالهداية، وأريد أن يكبر ابني على طاعة الله، واتباع سنة نبينا الكريم، ويرى والده يصلي كي تزرع فيه قيم ومبادئ الإسلام التي بدأنا نفتقدها في هذا الزمان، فهل هناك طرق أخرى كي أعظه بها؟!
لأنني أتمنى أن يجمعني به ربي في جنته؛ لأنني أحبه، ولأنه طيب.
وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد قال الله تعالى: (( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ))[الحجرات:7-8]، فالحمد لله الذي منَّ عليك بهذه الهداية العظيمة وبهذا التوفيق الجليل الذي جعلك به محافظة على طاعة الله مراعية حدوده، ونحن واثقون بإذن الله تعالى أنك ستفلحين في هداية زوجك ودلالته على الحق، فما هي إلا خطوات سهلة ميسورة ولعلك أن تجدي بعد ذلك ما تقر به عينك من زوجك، فإن الله جل وعلا هادي القلوب وهو الذي يشرح الصدور؛ كما قال تعالى: (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ))[الأنعام:125]. وقال تعالى: (( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ))[الكهف:17]، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء.. ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) أخرجه مسلم في صحيحه، ولذلك سمي القلب قلبا لأنه يتقلب ويتحول من حال إلى حال.
وأما عن حال زوجك الذي أشرت إليه فظاهر بحمد الله تعالى أن زوجك صاحب مروءة، وصاحب فضل في نفسه، فهو بحمد الله بار بأمه، محسنٌ لزوجته، صاحب خلق ولم يبق إلا أن يكمِّل هذه النعم بنعمة الدين، ولذلك فإننا نود أن تعرضي عليه سؤالك هذا على حاله، ثم تتركي لنا المجال لنوجه هذا الخطاب إليه مباشرة، فنقول لزوجك – حفظه الله تعالى ورعاه -:
إنك الآن في مِنَّة عظيمة ونعمة سابغة من ربك، فقد حباك الله تعالى بزوجة صالحة تحبك وتودك وتحرص على مصلحتك ليس في دنياك فقط بل وفي آخرتك أيضاً، فهي حريصة على أن تراك مرضيّاً ربك ساعياً في طاعته، وهي كذلك حريصة على أن تكون ذريتكما هي الذرية الطيبة الصالحة التي تنشأ نشأة طيبة على طاعة من الله، وعلى هدى من الله، ليتمم الله تعالى عليكم النعمة بالسعادة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
إن عليك أن تعلم علم اليقين أنه لا سعادة لك على وجه الحقيقة إلا بهذه الصلاة التي جعلها الله تعالى الركن الأعظم بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإننا نود أن ندخل في كلام صريح معك في هذا المعنى، فإن أمامك أمر عظيم وإنك لتستقبل خطباً جليلاً؛ فأنت أمام حدود الله، بل أنت بنفسك وبرمتك أمام رب العالمين في هذه الدنيا وأيضاً في الآخرة (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))[المطففين:6]، فعليك أن تتذكر أن هذه الصلاة إنما سيمت صلاة لأنها صلتك بربك وعلاقتك به، فإذا قطعتها فقد قطعت صلتك بربك.
وأيضاً فتأمل كيف منَّ الله عليك بهذه النعم التي لا تحصى ولا تعد، فكم من عاجز أشل لا يقدر على الحراك ولا يقدر على قضاء حاجته الإنسانية إلا بمعونة غير وها أنت بحمد الله تعالى سليم معافى تتحرك كيفما شئت وتروح وتجيء بنعمة من الله وفضل منه، وكم من أعمى قد حرم البصر ومنع النظر وأنت تبصر بعينيك بنعمة من ربك.
وكم من إنسان قد فقد نعمة السمع بل نعمة العقل بل نعمة الذرية بل نعمة المأوى الذي يؤويه، بل نعمة الصحة، بل نعمة ونعمة، فهل جزاء إحسان ربك إليك أن لا تصلي له وأن لا تسجد له وأن لا تنحني بجبهتك متذللاً لرحمته، إن عليك أن تدرك أنك أنت العبد الفقير إلى ربك وهو الغني الذي له الغنى الكامل عن جميع خلقه وعن جميع عباده؛ قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ))[فاطر:15-16]، إذن فليس أمامك وأنت بحمد الله تعالى الولد البار بأمه والزوج المحسن لزوجته والأب الحنون على ولده إلا بأن تجازي هذه النعم بالشكر والعرفان والخضوع والصلاة بربك الرحمن.
إن هذه الصلاة شأنها عظيم، وشأنها أجل من أن يوصف؛ كيف وقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) رواه الترمذي، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم فيها: (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله) رواه الطبراني، كيف وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع” رواه مالك، بل قد قال صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) متفق عليه، فهذا في شأن صلاة واحدة فكيف بتضييع الصلوات والتفريط فيها جملة وتفصيلاً!
بل لقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) -والعياذ بالله تعالى-، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
فهل ترضى بأن يحبط عملك وأن تلقى الله مفلسا يوم تعرض على ربك فتنشر الصحف وتنصب الموازين وتقام الجنة والنار وتذهل الأبصار وتضع كل ذات حمل حملها (( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ))[الحج:2].
إذن فلتتدارك نفسك، فإنك بحمد الله صاحب خلق وفضل وصاحب رعاية لوالدتك وزوجتك وولدك، فلم يبق إلا أن تحسن علاقتك بربك وأن ترجع إليه رجعة المؤمن الذي عرف تقصيره فتتداركه وعرف خطأه فأصلحه وعرف أنه قادم على ربه (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء:88-89].
وتذكر قول الله تعالى: (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ))[مريم:60-61]، وتذكر قول الله تعالى: (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ))[الماعون:4-5].
وختاماً فها هو الطريق أمامك طريق المغفرة وطريق الرحمة يناديك؛ قال تعالى: (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ))[الزمر:53-55].
ونحن واثقون بإذن الله تعالى بأنك سوف تكون ممن قال الله تعالى فيهم: (( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ))[الزمر:18].
نسأل الله تعالى أن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه ويرزقكم الهدى والتقى والعفاف والغنى.
وبالله التوفيق.