السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شُخصّت منذ سنتين تقريباً بالرهاب الاجتماعي، ونوبات الهلع، أصبت بهما بعد موقف محرج تعرضت له، أحمد الله أنني تحسنت بعد الدواء، ولم تعد تأتيني نوبات الهلع إلا قليلاً، أظن يوجد رابط بين سؤالي وهذا المرض.
أعمل معلمة في منزلي لخمسة أطفال (رابع وثاني)، أعمل كي لا أبقى وحيدة وأعود لدوامة الرهاب.
لا يوجد لدي أطفال، وأنا في غربة، التدريس ليس لهدف مادي أبداً، ولم أقبل أن آخذ من أهلهم إلا الحد الأدنى من الأجر، لكني أشعر دائماً أن جهودي غير كافية، وأجلد ذاتي بشكل مستمر، قلبي يؤلمني والتفكير لا ينتهي بالتقصير فماذا أفعل لأزيد الرضا عن نفسي، والله يعلم أنني أقوم بكامل واجباتي تجاههم ولا أبخل بأي معلومة عليهم.
الأطفال متعبون جداً، وهدفهم اللعب وليس الدراسة مهما تعبت معهم أشعر أنهم يستنزفون طاقتي بدون أي تقدم، أهل الأطفال يضغطون عليّ وهم يعلمون علم اليقين أن أطفالهم متعبون ولم يجدوا أي معلمة تقبل بتعليمهم من شدة تقصيرهم في السنوات السابقة، مثلاً يوجد فتاة صغيرة لا تستطيع التهجي حتى وهي عندي منذ شهر ونصف فقط، وأهلها دائما يضغطون علي من أجل أن تحصل على علامة ١٠ وهم لا يستطيعون الفهم أنها صغيرة، ولا أستطيع في يوم وليلة أن أجعلها تقرأ فهل أفصل الطلاب لأرتاح من هذا الإحباط، أم أتجاهل ضغوط الأهل؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، وأرجو أن تعلمي أن الإنسان يتعرض لمواقف، ولكن من الخطأ أن يقف عند المواقف التي تعرَّض لها، ويحاول الشيطان أن يذكرك ما حصل، فاعلمي أن تلك صفحات قد طُويت، فلا تعودي إلى الوراء، ولا تحاولي البكاء على اللبن المسكوب، فإنه لا يعود، وانظري دائمًا إلى الأمام، واستقبلي الحياة بأملٍ جديدٍ وبثقةٍ في ربِّنا المجيد.
واعلمي أن أكثر ما نطرد به هذه الاضطرابات هو اللجوء لذكر الله تبارك وتعالى، وتلاوة كتابه، وشغل النفس بالمفيد، والحمد لله أنك متفرّغة لتدريس هؤلاء الأطفال، ونسأل الله أن يتقبّل منك هذا العمل.
أمَّا بالنسبة للضغوط التي تأتيك من أهلهم فينبغي أن تكوني واضحة معهم، نحن دائمًا نفضّل عندما يأتي طفل – أو بعد شهر ونصف الآن – يجب أن تقفي معهم لتقييم شامل، وتُبيّني لهم أن هذا الطفل كان في الوضع كذا، وأنه وصل كذا، وأنك تبذلين مجهودًا كبيرًا، وبعد ذلك يمكن أن تُخيري الأسرة بأن تأخذ هذا الطفل أو تتركه، قولي لهم: “إذا وجدتُّم معلمة أفضل مني فالحمد لله أنا سأكون أوّل من يفرح وأوّل مَن يسعد، فهؤلاء أطفالي”، لكن لابد أن يعرفوا هذا الواقع، لابد أن يعرفوا أن تقصير السنوات الماضية لا يمكن أن يُتدارك بسرعة، والتعليم مسألة تراكمية، يعني يمكن يُبنى على ما سبق، وبالتالي لابد أن نوضّح هذا حتى لا تتحمّلي فوق طاقتك.
إذًا اجلسي معهم، وقولي هذا هو الوضع، وهؤلاء الأطفال كان هناك تقصير، والآن أنا سعيدة لما حصل من تقدُّم، وإن كان لم يظهر لكم، لأني لست مسؤولة عن الذي حصل، وإذا وجدتُّم مَن تُجيد هذا الدور ومن يمكن أن يُدرِّسهم فأنا سأكون أول من أسعد وأفرح لهم، فأنا أحب هؤلاء الصغار، وأريد تقدُّمهم.
ثم طالبي الأسرة أن تقوم بدورها في الواجبات المنزلية، في مساعدتهم بعض الوظائف، في مساعدتهم لك على ضبط هؤلاء الصغار، لأن الفوضى لا يمكن أن يتعلّم معها الطفل، بل سيشوش على الآخرين.
فلا تحمّلي نفسك ما تُطيقيه، خاصة وأنت حسب كلامك أنك متطوّعة، فأنت راضية بالحد الأدنى والقليل من الأجر، وبالتالي لا تظلمي نفسك، ولا تُجهدي نفسك، ولكن كوني واضحة معهم، وهم بالخيار بعد ذلك إن أرادوا أن يذهبوا إلى معلمة أخرى، أو يبتكرون وسائل، أو يذهبوا بهم إلى أي مكان، فهذا شأنهم، أنت تُؤدّي العمل الذي يُرضي الله، والظاهر أنك تقومين بما عليك بزيادة، فلا تلومي نفسك، ولا تجلدي ذاتك، ولا تقفي طويلاً أمام الكلام الذي يصدر منهم، ولكن مسألة التقييم مهمة، وأفضّل أن تكون مكتوبة، تُبيّنين لهم أننا استمررنا كذا، والحاصل كذا، تُعطيهم تقريرًا مكتوبًا حتى يعرفوا أين وصل هؤلاء الصغار، وما هي توقُّعاتك، وماذا تُريدين من الأطفال ومن ذويهم.
نسأل الله أن يُعينك على الخير، ونسعد بالاستمرار في التواصل، ونكرر الوصية بكثرة الدعاء، وبكثرة الذكر، وكثرة الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأشغلي نفسك بالمفيد، ونحيي هذه الروح من الخير التي دفعتك لتعليم الصغار، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.