د. حسن محمد صندقجي
نحتاج أن ننصت بعناية إلى ما تقوله لنا بعض الدراسات الطبية المهمة في نتائجها وفحواها ومدى استفادتنا الفعلية السريعة منها. ومعلوم أن أهمية الدراسة الطبية لا تنبع فقط من إتيانها بشيء جديد حول جهاز خارق وغاية في الدقة للكشف عن الأمراض، ولا في اختراع وسيلة جراحية معقدة لعلاج أحد الأمراض المستعصية، ولا غير ذلك من النجاحات الطبية في محاربة الأمراض، بل إن الأهمية قد تنبع ببساطة من إثباتها إمكانية الاستفادة الواسعة لعموم الناس من وسيلة سهلة وبسيطة ومتوفرة، في تقليل الوفيات السنوية بالأمراض الشائعة الانتشار، التي تُقدر بالملايين في كافة أرجاء العالم. وكمثال، دعونا نتأمل واحدة من هذه الدراسات الطبية المهمة. في الرابع عشر من يونيو (حزيران) المقبل، ستنشر مجلة أرشيفات الطب الباطني Archives of Internal Medicine الأميركية نتائج دراسة الباحثين من «المركز القومي للسرطان» NCI في روكفيل بولاية ميريلاند حول تأثيرات تناول الألياف الغذائية Dietary fiber على خطورة الوفيات السنوية بالولايات المتحدة، وبقية أنحاء العالم.
الألياف هي أجزاء من مكونات النباتات، وتوجد في البقول والحبوب والمكسرات والفواكه والخضار بكل أنواعها وبدرجات متفاوتة. وهي أجزاء لا يتمكن جهازنا الهضمي من تكسيرها وتفتيتها وامتصاص محتوياتها، أي أنها عنصر غذائية «غير مهضومة». وعلى الرغم من أنها «غير مهضومة»، فإنها مفيدة للغاية، ولذا فإن تناولها ضروري لصحتنا. وكانت الدراسات الطبية السابقة قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن تناولها ضمن وجبات الطعام الصحي، يُسهم في تقليل الإصابة بأمراض الشرايين القلبية وتداعياتها، ومن الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض السرطانية، ومن الإصابة بمرض السكري، ومن الوصول إلى السمنة في وزن الجسم. كما يُسهم في تنشيط حركة قولون الأمعاء الغليظة، وتخفيف حدة الإمساك وتداعياته النفسية والبدنية، وفي خفض مستويات الكولسترول، وفي تحسين انضباط نسبة السكر بالدم، وفي خفض ارتفاع ضغط الدم، وتخفيف حدة عمليات الالتهابات بالجسم، وتخليص الجسم من السموم والمواد الضارة الأخرى المتسببة بأنواع من الأمراض السرطانية. وهي معلومات طبية أعاد ذكرها هؤلاء الباحثون في مقدمة دراستهم.
وفي دراستهم الحديثة هذه، قام الباحثون بمتابعة نمط التغذية لأكثر من 400 ألف شخص من الإناث والذكور، بدءا من عام 1995. وتتبعوا الوفيات التي حصلت بينهم خلال فترة التسعة أعوام التالية. وتبين لهم أن النساء والرجال الذين يتناولون نحو 25 غراما من الألياف أو أكثر يوميا، كان عموم الوفيات بينهم أقل بنسبة 22 في المائة من أولئك الذين يتناولون أقل من نحو 10 غرامات من الألياف يوميا. هذا بالعموم للوفيات أيا كان سببها، وبشيء من التخصيص، كانت الوفيات بسبب أمراض القلب أو أمراض الجهاز التنفسي أو الأمراض الميكروبية المعدية أو الأمراض السرطانية، أقل بنسبة وصلت إلى حد 56 في المائة إذا تم تناول الألياف من الحبوب والبقول بالذات. أي أن ما خلص إليه الباحثون مفاده أن تناول الألياف الغذائية له علاقة إيجابية وثيقة بتقليل خطورة الوفيات من أمراض القلب والشرايين ومن أمراض الجهاز التنفسي ومن الأمراض الميكروبية المعدية ومن أي أسباب مرضية أخرى.
وبالتالي فنحن بحاجة إلى أن نتناول الألياف الغذائية ضمن منظومة غذائنا اليومي. وتنصح الإرشادات الطبية في جانب التغذية الرجال الأقل من عمر خمسين سنة بتناول نحو 38 غراما من الألياف يوميا، وتنصح من هم أكبر من ذلك بتناول 30 غراما يوميا منها. كما تنصح النساء الأقل من عمر خمسين سنة بتناول 25 غراما من الألياف يوميا، وتنصح الأكبر من ذلك منهن بتناول 21 غراما من الألياف يوميا.
ويمكن الحصول على هذه الكميات من الألياف من مصدرين رئيسيين؛ الأول، الحرص على تناول المنتجات الغذائية النباتية المحتوية على كميات عالية أو متوسطة من الألياف، مثل الحبوب الكاملة غير المقشرة والبقول والمكسرات والفواكه والخضار. والثاني، تجنب تناول الأطعمة المعدة من الحبوب التي تعرضت لعمليات إزالة طبقة القشرة عنها، مثل الخبز أو المعكرونة أو الحلويات أو غيرها مما يُصنع باستخدام الطحين الأبيض لحبوب القمح، أو الدقيق الأبيض.
وعلى سبيل المثال، فإن نصف كوب من بقول الفاصوليا الجافة ذات شكل الكُلية يحتوي على نحو 8 غرامات من الألياف، بينما يحتوي نصف كوب من البازلاء على 5 غرامات منها، ومن التين أو التمر على نحو 7 غرامات منها، ومن السبانخ على 4 غرامات منها. وتحتوي ثمرة معتدلة الحجم من الأرضي شوكي، أو الخرشوف، على نحو 7 غرامات من الألياف، ومن البطاطا الحلوة على نحو 5 غرامات من الألياف، ومن التفاح أو البرتقال على نحو 4 غرامات منها.