تقنية جديدة تسمح بإجراء فحص واسع للآباء المرتقبين
لندن: «الشرق الأوسط»
طور الباحثون اختبارا جديدا مصمما لاكتشاف الطفرات الوراثية التي تشترك في أكثر من 400 مرض خطير. ويهدف الاختبار الذي اتضح أنه على درجة عالية من الدقة، مبدئيا، إلى اختبار الآباء المرتقبين من أجل اكتشاف الطفرات المرتبطة باضطرابات وراثية نادرة. وبفضل تقنية وضع التسلسل الجيني الرخيصة، يهدف العلماء إلى تقديم الاختبار الجديد مقابل مبلغ بسيط يقدر بمئات الدولارات، وهو مبلغ مشابه لتكلفة الفحوصات المتاحة حاليا لاكتشاف أمراض خاصة أو عدد محدود من الاضطرابات.
ويقول ستيفن كينغسمور، كبير المسؤولين العلميين في المركز الوطني لمصادر الجينوم (الأطلس الوراثي) والباحث البارز في هذه الدراسة: «نريد أن يصبح هذا الاختبار متاحا بنفس طريقة انتشار اختبار مرض (تاي ساكس) Tay – Sachs. وتجدر الإشارة إلى أن مرض (تاي ساكس) هو اضطراب وراثي نادر يصيب الأطفال ويكون مميتا عادة خلال السنوات القليلة الأولى من الحياة». وأضاف كينغسمور: «أدت 40 سنة من الخبرة مع مرض (تاي ساكس) في القضاء على هذا الاضطراب المروع بشكل جيد تماما في أميركا الشمالية. وقد تم هذا فقط على مقياس أكبر».
* رصد الجينات
* ويصاب الأشخاص الذين يرثون نسختين متحولتين من الجين وثيق الصلة بالمرض، بينما لا يصاب الشخص الذي يرث نسخة واحدة فقط. وتصيب هذه الأمراض الضحايا غالبا خلال مرحلة مبكرة من الحياة بنتائج خطيرة، ومن بينها العجز الحاد والوفاة. وفي حين تبدو هذه الأمراض نادرة بشكل فردي، فإنها تمثل مجتمعة نحو 20 في المائة من حالات وفيات الأطفال.
ويمكن أن يساعد اختبار الآباء المرتقبين للتأكد من وجود الطفرات، في منع الإصابة بهذه الأمراض أو التخطيط لعلاجها. والأزواج الذين يحملون الطفرات في جين خاص يرتبط بمرض معين يمكنهم الاختيار من بين التكيف مع الوضع أو إجراء فحوصات وراثية على أجنة مخصبة مجهريا، أو إجراء فحوصات قبل الولادة وإنهاء حالات الحمل المتأثرة.
وبينما يرتبط أكثر من 1000 جين بالاضطرابات المندلية الانتكاسية، فإن الفحوصات المتاحة الآن للآباء المرتقبين تفحص فقط الأمراض الأكثر شيوعا مثل التليف الكيسي، وتقدم بشكل أساسي إلى الآباء في المجموعات التي ترتفع لديها خطر الإصابة بالمرض. وعلى سبيل المثال، يتعرض يهود الأشكناز بشكل خاص لخطر متزايد من حمل طفرات مرض «تاي ساكس».
يقول إريك توبول، مدير معهد سكريبس للعلوم الانتقالية، الذي شارك في الدراسة: «القدرة على اختبار أكثر من 400 حالة نادرة يعد تقدما مهما بالفعل. ونحن لا نمتلك أي شيء يقترب من ذلك اليوم»، كما نقلت عنه مجلة «تكنولوجي ريفيو» الصادرة عن معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا.
وكان العائق الرئيسي للاختبارات الوراثية الواسعة هو التكلفة، لأن نوع تسلسل الحمض النووي «دي إن إيه» المستخدم في معظم الاختبارات التشخيصية الطبية مكلف جدا. واستفاد كينغسمور ومتعاونون معه من أحدث تقنية للتسلسل الجيني، يمكن أن تتابع كميات أكبر كثيرا من الحمض النووي بشكل أسرع وبتكلفة رخيصة. وقد حولت هذه التقنية الأبحاث الوراثية بالفعل، ولكنها قطعت طريقها ببطء نحو الاستخدام الطبي.
* اختبارات طبية
* يقول كينغسمور: «هناك سؤال مهم حول ما إذا كانت هذه التقنية قوية بشكل يكفي لأن تستخدم في الفحوصات الطبية لدى البشر». ووفقا للنتائج التي نشرت حديثا في دورية «ساينس ترانسليشنال ميديسين»، كانت الإجابة هي نعم. وعند مقارنتها مع تقنية أخرى وهي المصفوفات الدقيقة المصممة لاكتشاف طفرات وراثية محددة كانت الطريقة التي تعتمد على التسلسل دقيقة بنسبة 99.98 في المائة. وكان اختبار المتابعة للحمض النووي «دي إن إيه» لدى 100 شخص لديهم طفرات معروفة دقيقا بنسبة 100 في المائة.
وكانت ميزة الاختبار الذي يعتمد على التسلسل مقارنة بالاختبار الذي يستخدم المصفوفات الدقيقة هي أن الاختبار الأخير يمكن أن يكتشف الطفرات المعروفة فقط.
* ويمكن للتسلسل الجيني على الجانب الآخر، أن يحدد أي تغير في الجينات المرتبطة بالأمراض، حتى إن لم يكن قد تمت رؤيته من قبل على الإطلاق. (وبالنسبة لبعض الأمراض، تتسبب القليل من الطفرات الشائعة في معظم حالات الأمراض، ولكن بالنسبة لأمراض أخرى، يمكن أن يلحق الكثير من الأنواع المختلفة للطفرات خللا في الجين وثيق الصلة).
ومن أجل تطوير الاختبار الجديد، قام الفريق بتعديل التقنية الموجودة من أجل اختيار أجزاء متصلة من الجينوم البشري عبر ربط امتدادات من الحمض النووي المكمل إلى مناطق الاهتمام واستخراجهم من الحمض النووي. وبعد ذلك، استخدموا تقنية التسلسل من إنتاج شركة «إيلومينا» بهدف تحليل الحمض النووي المستخلص. ومنذ تقديم ورقتهم، وسع الباحثون من نطاق الاختبار لكي يختبر الطفرات المرتبطة بأكثر من 600 حالة مختلفة.
ويقول كينغسمور إن الاختبار يتكلف حاليا 618 دولارا، ولا يشمل أي تكاليف مرتبطة بعملية التسويق التجاري. ويتوقع كينغسمور أن تنخفض التكلفة خلال العامين المقبلين. ويهدف معهده، وهو مؤسسة خيرية طورت التقنية بقرض من مجموعة لمساعدة المرضى، إلى تقديم هذا الاختبار بتكلفة 500 دولار، وهي تكلفة تعادل تكلفة إجراء الكثير من الفحوصات الحالية.
يقول آرثر بوديت، رئيس قسم الجزيئات وعلم الوراثة في كلية بايلور للطب، الذي لم يشارك في هذه الدراسة إن «التقدم السريع في فحوصات التسلسل الجيني يجعل من الممكن جمع كمية هائلة من معلومات التسلسل بتكلفة يمكن التحكم فيها. ومن المحتمل جدا أن تصبح هذه الفحوصات أرخص كثيرا بمرور الوقت».
ولم يتوفر الاختبار بعد للآباء المرتقبين. وقد بدأ الباحثون الآن في اختبار التقنية داخل مختبرات طبية، وهي خطوة ضرورية في اتجاه اعتماد هذه التقنية بواسطة وكالة الغذاء والدواء الأميركية. ويقول كينغسمور: «نعتقد بأننا سوف نتمكن من تقديمها على أساس بحثي في صيف عام 2011».