السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم فريق إسلام ويب على ما تقدمونه لشباب اليوم، وأدعو الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
أنا شاب جامعي بعمر 19 عاماً، تفضل الله علي، وبدأت الالتزام بالطاعات والفرائض، منذ سنة تقريباً، عندما دخلت الجامعة، أدرس بجد، وأجد أن جانباً كبيراً يتحقق في ذاتي من الدراسة -والحمد لله- دائماً أجد التوفيق من عنده تعالى، فأنا شاب طموح، وأسعى إلى أن أتخرج وأعمل بجد.
تبدأ مشكلتي بأني أعيش في أسرة تفتقر إلى البصمة الإسلامية، وهي بالتالي تفتقر إلى الكثير من الصواب والمنطق، لم أكن لألاحظ ذلك في طفولتي إلا حينما وعيت على الدنيا والتزمت بشعائر الله ومبادئ الإسلام أصبحت أشعر بذلك.
ولدت من أب مسلم وأم مسلمة، ولكنها كانت مسيحية، أي أنها أسلمت بعد زواجها من والدي، وبالتالي فإن أقارب أمي كلهم مسيحيون، وقد اعتدنا على أن نختلط بهم، وتقبلناهم كما هم، رغم الكثير من المعوقات، ورغم أنه ليس بذلك الاختلاط الكبير.
أبي في الخمسينات من عمره، وهو لا يصلي ! حاولت جاهداً منذ أن تمسكت في الصلاة أن أقنعه بالالتزام بها، وهو يراني أخرج إلى المسجد في بعض الأحيان، ولا يتأثر بشيء، أصبح يعاني من ضيق في الدخل في الآونة الأخيرة وأصبحت حالتنا المادية تضيق! وأنا أعلم أنه لولا فضل الله علينا ورحمته لما وصلنا إلى هنا، حيث إن أبي مسلم بالهوية فقط، وما زال الله بفضله يرزقنا.
من جهة أخرى أمي أعلنت إسلامها، ولكن لم تتحسن، بمعنى أنه مضى ثلاثون عاماً على حجة الإسلام، وما زالت تتكاسل وتتهرب حين أشجعها على الصلاة، ليس فقط الصلاة، هي أيضاً ليست محجبة، ولا تلتزم باللباس الشرعي، وأصبحت أغبط أصدقائي حين أرى عائلاتهم الإسلامية الملتزمة، وأصبحت أتمنى أن أستيقظ وصوت القرآن يخرج من التلفاز، وأمي تصلي وتدعو لي، وأبي في المسجد.
حتى أختي رغم تدينها في الفترة الأخيرة إلا أنها لا تلبس الحجاب، وهذا كله من سوء تعامل أبي وأمي فهم لم ينصحوها بكلمة واحدة، بل لم يظهروا إعجابهم بالأمر حينما قالت مرة من المرات إنها تريد أن تتحجب!
أوضاعنا تسوء سواء مادياً أو نفسياً، وباعتقادي أنها تسوء لأننا نبتعد عن الله، وأنا بالرغم من اعتقادي أني شاب قوي أصبحت ظروف بيتنا تؤثر علي وعلى دراستي، وحتى على نفسيتي فأصبحت أشعر بالضعف قليلاً في المجتمع، وعند تعاملي مع الآخرين، وأشعر بأن هناك نقصًا ما حين يحدثني أحد عن أسرته، وشعوري بعدم الرضا عما يجري في البيت يجعلني أتذمر يومياًَ، ويحيطني بمشاعر سلبية لا أعلم إلى أين ستقودني!
أرجو أن تفيدوني بنصيحتكم، وجزاكم الله ألف خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
مرحبًا بك -أيها الولد الحبيب و نسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق. نحن نشكر لك تواصلك معنا، ونشكر لك حرصك البالغ على الالتزام بدينك والحفاظ عليه، وهذا عنوان سعادتك في دنياك وآخرتك.
نحن على ثقة تامة -أيها الحبيب- بأن هذا التدين لن يجر لك إلا الخير، فإن الله تعالى وعد الصالحين من عباده بالحياة الهنيئة الطيبة فقال: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.
نصيحتنا لك -أيها الحبيب- بأن تهون على نفسك، وأن تتفكر في نعم الله تعالى عليك، فإن ذلك سيبعث في نفسك الأمل، ويقوي لديك الرغبة بمزيد من الثبات على الطاعة والإكثار منها، فاحمد الله تعالى على إسلام والدتك، فإنها بالإسلام نجت بعون الله تعالى من الخلود في نار جهنم، وهذا من فضل الله تعالى عليك وعليها، رغم ما هي عليه من المعاصي فإن ذلك خير بلا شك مما كانت عليه قبل الإسلام.
نحن نشاركك الهم الذي تجده بسبب ما ترى عليه والديك، ولكننا نأمل -أيها الحبيب- أن تكون سببًا في تغيير حالهما، ونشد على يديك بمواصلة الطريق الذي بدأته من محاولة نصحهما وتذكيرهما بالله تعالى، وننصحك بأن تتخذ الأساليب المؤثرة عليهما.
لا شك -أيها الولد الحبيب- أن أدبك معهما وإظهار حرصك لهما على سعادتهما وبرهما، لا شك أن هذا سيؤثر في أنفسهما لا محالة، ونصيحتنا لك بأن تتودد إليهم قدر الاستطاعة، وتصرح لهما بحبك لهما، وحرصك على الخير لهما والسعادة في الدنيا والآخرة.
من الوسائل المؤثرة -أيها الحبيب- أن ترتب زيارات مع بعض أسر أصدقائك الملتزمة بأسرتك، فلعل أباك يختلط برجال متدينين يتأثر بهم، وكذلك أمك.
من الأساليب المؤثرة أيضًا أن تُهديهما شريطًا، أو نحوه مما سُجل عليه مواعظ تذكر بالجنة والنار، وما فيهما من النعيم أو العذاب، فالمواعظ التي تذكر بالله تعالى ولقائه، والوقوف بين يديه، ومشاهد القيامة، وما يلقاه الإنسان في قبره، هذا النوع من الوعظ يطرد عن القلب الغفلة، وينبه الإنسان لما ينتظره بعد الموت، وغالبًا ما يستفيق الناس من غفلتهم بسبب هذا التذكير، وإذا صلح القلب صلحت سائر الأعمال.
حاول أن توصل هذه الكلمة المؤثرة إلى أذن والديك بالطريقة الحسنة التي يصحبها الأدب، والرفق، وإظهار المحبة لهما، والحرص على منافعهما، ونحن على ثقة تامة -أيها الحبيب- بأن الكلمة الجميلة، والأسلوب الحسن سيكون له تأثيره يومًا ما، فلا تعجل، وكن على علم تام بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها كيف يشاء، وإنما علينا الأخذ بأسباب الهداية والصلاح.
ما أنت فيه -أيها الحبيب- من الوضع الذي ذكرتَ ينبغي أن يكون مشجعًا لك على زيادة الخير، فإنك بحاجة إلى مزيد من الاجتهاد ومجاهدة النفس، ومحاولة إصلاح الغير لاسيما الأقارب، وكل هذا عمل صالح تُؤجر عليه، فإذا رأيت من حُرمه من أصدقائك وأصحابك فينبغي أن تتذكر نعمة الله تعالى عليك الذي هيأ لك هذه الظروف؛ التي تدعو فيها إلى الله تعالى من خلال أسرتك، وهيأ لك هذه المناسبات التي يستعملك فيها في طاعته، والدعوة إلى دينه، فكل هذا خير عائد عليك لا محالة.
كن على ثقة بأن الله تعالى سيعينك وسيتولى أمرك، فإنه وعد بذلك فقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وأولى الناس بإحسانك إليهم أبواك وأختك، وقال سبحانه وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين} فلا تيأس من رحمة الله، ولا تقنط من هداية الله تعالى لوالديك وأختك، وابذل ما في وسعك من الأسباب والكلمة الطيبة، مريدًا بذلك وجه الله، حريصًا على منافعهم.
كذلك أكثر من الدعاء لهم، فإن الدعاء من أعظم الأسباب لتحصيل المقصود، وبذلك تكون قد فزت بثواب الله تعالى، وأخذت بالأسباب المُنجية لوالديك من عذاب الله، فإن قدر الله تعالى ما تحب فالحمد لله، وإن قدر خلافه فكن على ثقة بأن الله تعالى له الحكمة البالغة يفعل ما يشاء ويقدر ما يريد.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وأن يهدي والديك، وأن يزيدك حرصًا على الهداية والصلاح.