استشارات اجتماعية

حديث الزوج عن الجنس والطعام والشراب قبل الدخلة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم بأسئلتي جزاكم الله عنا كل خير.

سؤالي هو: ماذا أعمل للزوج الذي تم عقد قراني عليه، وقبل الدخلة يكثر الحديث معي بالهاتف عن أمور الجنس، وأنا ساكتة لا أرد عليه أحياناً، وأحياناً أقول له أنه من العيب أن نتكلم بالهاتف بأمور الجنس، فلنؤجلها بعد الدخلة، وقلت له أكثر من مرة: نريد أن يكون الكلام فيه شيء من الغزل ممكن، لكن لا يتعمق في الأمور التي تحدث في ليلة الزفاف وما شابه، وهو لا يهتم لكلامي ويكرر كلامه في هذه الأمور، وكأنه لم يسمع شيئاً مني! بحيث أصبحت لا أحب الكلام معه، فهو لا يسألني مثلاً: هل محتاجة شيء وأنت بعيدة عني؟ هل صحتك بخير؟ ماذا فعلت في يومك هذا؟ وما هي متطلباتك أو تحضيرات الفرح أو فستان الزفاف أو عن شغله أو علاقاته العامة، أو أحوال الحياة بصورة عامة، أو الأخبار مثلاً… وغير ذلك فالحياة مليئة بأمور تخص الإنسان المسلم. وقد جاء عيد الأضحى ولم يكلف نفسه ويبعث لي هدية أو مبلغاً من المال لأشتري هدية، حتى في فترة الخطوبة ألغى موضوع الهدايا ولم يعترف بها! فضاق بي الأمر، وقلت له: لماذا لم تقل لي، ماذا تريدين هدية في العيد؟

وقصدي أن أحرجه ولم أقصد الهدية بحد ذاتها لأني أعرف أن الهدية تهدى ولا تطلب فتذهب قيمتها وفرحتها, وكأنه لم يسمع مني أي سؤال بل إنه لم يحس بإحراج, بصراحة أنا خائفة من طباع هذا الرجل الذي لا يتكلم إلا بالجنس، وإذا يريد تغيير الحديث وتنويعه فيتكلم بالطعام، وبالتفصيل الممل، ماذا آكل؟ وكيف آكل؟ وكيف الطبخ؟ وما فوائد هذا الأكل على الجنس؟ وما تأثيره على المعدة بطريقة مقززة؟ ويكاد يغمى علي وأنا أسمع كلامه هذا .

والشيء الغريب أنه يصلي كل صلاته بالجامع ويصوم تطوعاً لوجه الله، وهذا السبب بصراحة هو الذي جعلني أوافق عليه كزوج، لكن بمرور الأيام اكتشفت أموراً لا أجد في نفسي احتمالها! وهذا بوقت الخطوبة وعقد القران، فكيف سيكون حاله معي بعد الزواج؟! لا أعرف! أنا حائرة بصراحة وأفكر بكلامه فلا أجد نفسي تتقبل مثل هذا الإنسان, فهل نحن حيوانات حتى نقضي حياتنا نفكر بالجنس والأكل فقط؟ عفواً على كلامي هذا، لكني في موقف لا أحسد عليه وأخاف أن أستمر بهذا الزواج، وعندما يتم زواجي عليه أجد نفسي لا أستطيع الاستمرار معه وتكون المشكلة أكبر…فما رأيكم؟ أفيدوني أفادكم الله.

علماً أني حاولت وحاولت معه وبكل الطرق لأغيره لكنه من النوع الذي لا يحب أن يتغير، وأظن أنه تعود على هذه الطباع، والطبع كما تعلمون يغلب التطبع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنها الهمة العالية والأدب الراقي، إن الذي يحملك على هذه الكلمات إنما هو طلبك لأكمل الأخلاق وأفضلها وأحسنها، فأنت تعلمين أن الحياة عطاء وبذل، إنها الحياة السعيدة عندما تكون لله عز وجل، فتكون كلها لله، فهذه هي الحياة الطيبة التي يشعر المؤمن بالسكينة تغمره والطمأنينة تستقر في نفسه والرحمة تغشاه، بل والسعادة التي يجني ثمرتها حياة طيبة يعيشها في حياته، وعند لقائه ربه: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[النحل:97].

فهذه هي الهمة التي تجعل المؤمنة حريصة طلاَّبة لمعالي الأمور، وهذا هو الذي نراه – بحمد الله عز وجل – من خلال كلماتك الكريمة، فأنت تريدين أن يكون هنالك قدر من الاهتمام بهموم الأمة، بالدعوة إلى الله جل وعلا، بتزكية النفوس، فكل ذلك يدل على خير وفضل ويدل أيضاً على نية صالحة وعلى هذه الهمة التي منَّ الله عليك بها، وقد قال تعالى: (( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))[الحديد:21].

ومع هذا يا أختي فلابد لك أن تنظري فيما يقع لك من زوجك الكريم نظرة شرعية، فإنه لا يخفى عليك أن زوجك مشتاق إليك، وأنه يتلهف لذلك اليوم الذي يجمعه بك عندما يجمعكما بيت الزوجية، ويجد أنه قد ضم زوجته الحبيبة إلى صدره وحصل بينهما ما يحصل بين الأزواج، فهو يتكلم في هذه الأمور ويريد بذلك أمرين اثنين:

فالأول أن يشعر بالسعادة والفرح عندما يتكلم مع فتاة قد عرف أنها قد صارت زوجته الحلال له.

والأمر الثاني هو: أنه قد يقصد بذلك تهيئتك لهذا الأمر حتى إذا التقيت به في ليلة الزفاف كنت متهيئة لهذا الأمر من الناحية النفسية، وكنت متعودة عليه وعلى كلامه في هذا الشأن. فهذا هو الذي قد يحمله على مثل هذا الأمر.

وأما كلامه في الأكل والشرب فهذا لا يحسن للرجل أن يكثر منه، ولكن قد يكون هدفه أيضاً من ذلك هو أن يفهمك طبائعه التي لديه وما يحب وما يشتهي من المطاعم والمشارب ليعرفك على نفسه، فإن بعض الناس قد يظنون أن هذا سبيل للتعريف للنفس على الوجه الأكمل مع الزوجة حتى قبل الزفاف وربما أولوا هذا الأمر اهتمامهم وذكروا أشياء تتناول الكلام على الألوان التي يحبها الإنسان، وطبيعة الأثاث والملبس وغير ذلك بتفاصيل دقيقة نظراً لما يرونه من أهمية في هذا الشأن، فهذه وجهة نظر قد تكون قائمة له، فعليك يا أختي أن تتعاملي معه بالإحسان وبالرفق، وأن تجعلي من همك أن ترتقي بزوجك إلى أعلى المراتب في القرب إلى الله جل وعلا، لاسيما وأنك قد أشرت أنه بحمدِ الله محافظ على طاعة الله قائم بصلاته، بل ويحافظ عليها في المسجد، وأيضاً أنه له حظ من صيام وتعبد، فهذه تدل على الخير والفضل.

وأما ما أشرت إليه من أنه قد يقصر في أمر الهدايا أو الملاطفة بالكلام، فهذا أمر لابد أن تنظري فيه من الناحية المادية التي لديه من جهة، مع أنه من الإنصاف أن يقوم بشيء من هذه الأمور خاصة في الأعياد ولو كانت أمراً يسيراً، ولكن التمسي له العذر بما قد تجدينه من الحالة المادية التي لديه وبعد المسافة التي بينكم، وما أشرت إليه كذلك من أمر عدم ملاطفته لك بالكلام ومراعاته لك في هذا الشأن، فهذا أمر يؤخذ رويداً رويداً، ومع الأيام والليالي يتعود الزوج على طباع زوجته وتتعود الزوجة على طباع زوجها، واجعلي من همتك الرقي بنفسك والرقي بزوجك، فأنت الزوجة المصلحة – بإذن الله عز وجل – ولا ينبغي أن تكثري من التفكير في الانفصال عن زوجك بسبب هذه الأمور والتي لا تصل – بحمد الله عز وجل – إلى أمر محرم – كما لا يخفى على نظرك الكريم – .

فابذلي الجهد وأصلحي واجعلي من هدفك وغايتك أن ترتقي بنفسك لأعلى المقامات بطاعة الرحمن وأن ترتقي بزوجك كذلك، فإنك خير المتاع لزوجك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم في صحيحه. ويمكن أن تتلطفي مع زوجك بالكلام في هذه الأمور، وأن تشاركيه بالقدر اليسير وأن تبيني له أن لكل حادث حديثاً بإذن الله عز وجل مع أنه لا مانع منها شرعاً لأنك زوجته بحكم العقد الشرعي -كما لا يخفى على نظرك الكريم-.

فلا ينبغي أن يظل في فكرك أمر الانفصال عن زوجك لاسيما وأنه لم يصدر منه – بحمد الله عز وجل – ما يعيبه في دينه، وإن كان ينبغي له أن يراعي بعض الأمور التي أشرت إليها في أمر الهدايا ونحوها كما جرى بذلك أعراف الناس، إلا أنك بصبرك وحسن تلطفك وحسن مراعاتك، وكمال أدبك وحيائك تستطيعين أن تصلي به إلى أرقى المقامات – بإذن الله عز وجل – في المستقبل، فما عليك إلا الصبر والنية الصالحة، والدعاء له بأن يوفقه الله جل وعلا لأحسن الأخلاق، وأحسن الأعمال وأن يجنبكم جميعاً سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال، فهذا خير ما تقومين به، وهو الأمر الذي يحبه الله تعالى، فقد قال جل وعلا: (( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ))[النساء:128]، ومع أنك -بحمد الله عز وجل- لم يقع بينكم شقاق ولا خلاف، ولكن مادة الصلح خير من مادة الخلاف، فانتبهي لذلك واحرصي عليه، ونحن نحمد الله عز وجل الذي يسر لك الزوج الصالح لاسيما وأنه لا يخفى على نظرك الكريم أن الفتاة المؤمنة لا غنى لها عن زوج صالح يعينها على طاعة الله وتعفه ويعفها وتبذل المشاعر الكريمة وتتبادل معه هذه الأحاسيس الإنسانية التي لا غنى للناس عنها، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه، ونسأل اللهَ أن يتمم لكم أمركم على خير الأمور وأتمها وأفضلها وأحسنها وأن يجنبكم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39