استشارات اجتماعية

فتاة تشكو تعثّر أمورها وزواجها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا فتاة أبلغ من العمر 24 عاماً، وقد تخرجت من الهندسة المدنية، ومشكلتي أنني أحس بأن كل أموري معسرة، فلا أقدم على عمل أو أدخل فيه حتى يتعسر، وقد شعر أصدقائي بذلك، وقالوا لي: لا تقربي علينا فإن كل أمورك معسرة.

وقد شمل التعسير أمر الزواج، فما من أحد يتقدم إلي حتى يتعسر الموضوع، مع أنني أتمنى أن يرزقني الله بزوج صالح ودائماً أدعوه ولا أعمل شيئاً يغضب الله، ودائماً أرضي والدي ولا أغضبهم مني، وأحفظ القرآن وأحضر الدروس الدينية وأساعد الفقراء والمحتاجين وأجبر خواطرهم، ولكني أحس بأن لا أحد يحبني ولا يحس بي فألتجئ إلى الله تعالى وأدعوه لعله يفرج همي، فما عاد شيء يسعدني في هذه الدنيا، وأتمنى من الله أن يقبضني إليه لكي أرتاح من هذه الدنيا، ودائماً أدعو وأدعو وأحس بأن الله تعالى لا يسمعني ولا يستجيب لدعائي، فماذا أفعل؟ لأنني لا أرى سوى السواد أمامي، وعيناي لا تجفان من الدموع.

أعينوني وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فهذه كلمات تدل على أن صاحبتها تتألم ألماً عظيماً وتعاني معاناة شديدة.. نعم إن كلماتك الكريمة تدل على مدى الضيق الذي تجدينه في صدرك، إنك تشعرين أن الدنيا قد ضاقت في عينيك، فأنت تحسين بأن الأمور قد تعثرت تعثراً ظاهراً حتى إنك قد صرت تشكين في قربك من ربك وتشكين في استجابة ربك جل وعلا لدعائك، بل وزاد الأمر في نفسك حدة أن بعض صاحباتك قد طلبوا منك عدم الاقتراب منهم وعدم الاختلاط بهم ظنّاً منهم أنهم إن اقتربوا منك أن الأمور تتعثر، أي: بعبارة

العوام التي يستخدمونها (منحوسة)، فهذا الذي وقع لك لابد فيه من وقفات.

فنود الآن أن تنظري إلى هذا الكلام وأن تتمعني فيه تمعن الفتاة المؤمنة العاقلة التي تريد أن تصل إلى الحق، فإنه ما حملك على كتابة هذه الكلمات إلا ابتغاءك الفرج من الله جل وعلا وابتغاء الوصول إلى الحق، فتأملي في هذا الكلام وقفي هذه الوقفات لتجدي بعد ذلك أن الأمور قد زالت عنك إن شاء الله وأنك قد وصلت إلى حلٍّ لكل هذه المشاكل وذلك بمنِّ الله وحده جل وعلا وتوفيقه وحده، فلا حول ولا قوة إلا به جل وعلا.

فأول وقفة في هذا المقام هو أن تنظري في صحة هذا الشعور وهو أن أمورك كلها متعثرة، فهل هذه العبارة صحيحة؟ والجواب: كلا؛ إن هذه العبارة ليست بصحيحة، كيف تكون أمورك معثرة وأنت فتاة مؤمنة محافظة على عرضها قد صانها الله جل وعلا أن تكون لاهثة وراء الحرام طالبة لما يغضب الله جل وعلا كما تقع في ذلك كثير من الفتيات ممن هانت عليهنَّ كرامتهنَّ وهانت عليهنَّ أعراضهنَّ وضيعن دينهنَّ وشرفهنَّ، فأنت بحمد الله عز وجل قد صانك الله جل وعلا من ذلك، فأنت قد أعطاك الله جل وعلا المنظر المقبول الذي هذا أقل أحواله، وأعطاك الله جل وعلا السمع والبصر والقوة والقدرة على الحركة، وأعطاك هذا العقل الذي تميزين به بين الصحيح والسقيم بين الخير والشر، ثم بعد ذلك أتممت تعليمك حتى حصلت شهادة مرغوبة لدى الناس يحرص الكثير منهم على أن يحصلها، ثم ها أنت الآن يتقدم إليك بعض الخطاب، ثم يحصل شيء من الموانع فلا يتم ذلك، فدل ذلك أيضاً على أنك مرغوبة من الرجال بحمد الله عز وجل وأن فيك من الصفات ما يُحرص عليها عند أولي الألباب.

وأيضاً فأنت محافظة على بر والديك وقد جعلك الله جل وعلا في هذه الأسرة الكريمة مع والدين يرعيانك تحبينهما وتتبادلين معهما العواطف الكريمة، وأنت أيضاً تحفظين كتاب الله وتحضرين دروس العلم ودروس الوعظ، فأي فضل الذي عليك، كيف تقولين إنك صاحبة أمور متعثرة وأنت معك هذا كل الفضل، قال الله تعالى: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ))[النحل:18]، نعم، قد يحصل لك شيء من الإحباط نتيجة موقف من المواقف، فهذا قد لا يسلم منه إنسان، ولكن أن تظني أنك متعثرة الأمور أو أنك بلسان العوام منحوسة، فهذا نزغ من الشيطان، بل إن عليك أن تستغفري الله جل وعلا من هذا الظن، فلا تظني بربك هذا الظن، كيف تظنين به أنه يعثر أمورك وها أنت قد وصلت إلى هذه الأمور الفاضلة بحمد منه وفضل جل وعلا.

وأما تلك الكلمات التي قد سمعتها من بعض الجاهلين الذين يقولون ابتعدي عنا فإننا نخاف أن يصيبنا شيء من النحس الذي لديك، فهذه الكلمات تدل على أمرين اثنين في الغالب: فالأمر الأول: جهل فاضح، والأمر الثاني: حسد ظاهر..

فإن كثيراً من الناس يحسد غيره فيصدر في حقه مثل هذه الكلمات ليثبط الإنسان وليصيبه بالإحباط، فاعرفي ذلك واحرصي عليه وكوني مؤمِّلة بربك، فتأملي في تلك الفتاة التي فقدت بصرها، أو تلك الفتاة التي خلقت وهي ذات عاهة مستديمة، أو تلك الفتاة التي تشوهت نتيجة حادث من الحوادث فزال منظرها أو زالت بعض حواسها فلا تستطيع أن تقضي حاجتها الإنسانية إلا بمعونة غيرها، كيف يكون حالك إذن لو كنت كذلك – عافاك الله من كل سوء -؟!

إذن فهذه الوقفة تقتضي منك أن تسجدي لله شكراً ويلهج لسانك بحمده والثناء عليه، وأن تقولي كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ومن معافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، فهذا هو موقفك الذي تقومينه والذي لابد أن تثبتي عليه وأن تشدي يديك عليه، وبهذا يظهر أن هذا الظن إنما هو ظن قد ألقاه الشيطان ووسوس به وحصل هناك ضعف في النفس فاستقر في نفسك هذا المعنى، والحمد لله أن الله جل وعلا لم يجعلك تصلين إلى مرحلة القنوط واليأس، فـ((إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ))[يوسف:87]، وقال تعالى: ((وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ))[الحجر:56]، وأنت بحمد الله لست بقانطة ولا بيائسة، فعليك بأن تتمسكي بهذا الأصل العظيم وأن تلهجي بذكر الله والثناء عليه على ما حباك به من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى.

وأما عمَّا تشعرين به من الإحباط نتيجة تعثر بعض الأمور؛ فيمكن رد ذلك إلى أمرين اثنين: فالأمر الأول: أمر الزواج، وهذا أشده على نفسك، والأمر الثاني: ما قد يعرض لك من مشاكل في أمور العمل ونحوها، فهذان الأمران هما عامة مشاكل الناس.

فأما أمر الزواج فالأمر يحتاج منك إلى صبر، ويحتاج منك أن تستديمي الدعاء، وأن لا تكلي من الدعاء، إن الذي وقع لك من شعورك أن الله لا يسمعك ولا يستجيب لك إنما هو من نزغ الشيطان؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يستجاب للعبد ما لم يعجل، قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: دعوت فلم يُسْتَجب لي؛ فيستحسر ويدع الدعاء)، فهذا هو الاستعجال المذموم الذي ذمَّه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ألحي على ربك، واطلبي منه العون واطلبي منه التوفيق.

وأيضاً فحصول المشاكل في العمل لا يعني تعثير الأمور، فكم من إنسان هو ناجح بحمد الله في حياته وعلى قرب من ربه ومع ذلك تعرض له مشاكل عديدة ومصائب عديدة، وهذه هي طبيعة الابتلاء فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي، وفي الحديث: (ما يصيب المسلم من نصب -أي تعب- ولا وصب -أي مرض- ولا هم ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق على صحته، بل قد قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.

فهذا هو نظرك ولابد أن تنظريه؛ فبهذا ترتاح نفسك وتطمئن إلى قرب الله جل وعلا وإلى معيته، ألا تريدين أن يكون الله معك؟ فكوني قريبة من ربك بشعورك وبعملك وبنفسك وبذكرك، فهكذا تحصلين قرب الله جل وعلا؛ قال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))[العنكبوت:69].

ومما يشرع لك في هذا المقام صلاة الحاجة، وهي صلاة ركعتين نافلتين وبعد السلام تحمدين الله وتصلين على نبيه ثم تدعينه بما تيسر، كأن تقولي: ربي برحمتك التي وسعت كل شيء هب لي زوجاً صالحاً يسعدني ويقر عيني ونقيم معه شرعك برحمتك يا أرحم الراحمين… ونحو هذا الدعاء الجائز وليس في هذا دعاء مخصوص ولكن يجوز لك أن تجتهدي في الدعاء. ومن الأدعية الكاملة الشاملة العظيمة في هذا المقام التي هي دعاء الاضطرار للرحمن جل وعلا؛ فقد خرَّجا في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ: (لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ)، فاسجدي لله وناده بما ناده العبد الصالح يونس عليه الصلاة والسلام: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))[الأنبياء:87]، وعليك بهذا الدعاء الكريم: (رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدى إليَّ، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شكَّارةً لك رهَّابةً لك مطواعةً إليك مخبتةً أواهةً منيبةً، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني، واسلُلْ سخيمة قلبي)، والحديث أخرجه أبو داود في السنن.

وعليك بهذا الدعاء أيضاً: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، ((أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))[الأنبياء:83]، (اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وضلع الدين وغلبة الرجال)، (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك)، ومن أعظم الأدعية التي تحرصين عليها: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)، ومن أعظمها: (حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). والزمي هذا الدعاء أيضاً: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).

فالزمي هذ الأدعية، واستحضري استجابة الرحمن، وأحسني الظن به، وتوكلي عليه بقلبك، واحرصي على أن تفزعي فزعة الملهوفة؛ وستجدين بإذن الله قول الله جل وعلا أمامك: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))[البقرة:186].

ونود أن تعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية لمتابعة التواصل معك وتقديم الإرشاد والعون لك، ونسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يفرج كربك وأن يزيل همك وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه وأن يجعلك من الصابرين الذين أثنى الله عليهم بقوله تعالى: ((إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ))[هود:11]، وبقوله جل وعلا: ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ))[فصلت:35].

وبالله التوفيق.

Related Posts

1 of 39