الباحة: د. عبد الحفيظ خوجة
حول هذا الموضوع، التقت «صحتك» الأستاذ الدكتور محمود رشاد، أستاذ طب الأطفال بجامعة الأزهر – مصر، استشاري ورئيس قسم الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الملك فهد – الباحة، سكرتير عام مؤتمر الباحة الدولي الرابع لطب الأطفال (الذي نظمته مؤخرا المديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة بالتعاون مع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال والاتحاد العربي لجمعيات طب الأطفال)، فأفاد بأن هذا الموضوع كان أحد المواضيع التي اهتم بها المؤتمر، وأن الدراسات والأبحاث العلمية تشير إلى أن العقاب البدني الذي يناله الأطفال في سن مبكرة له علاقة بنزعات العنف في الرشد، وكأن العنف رد فعل على ما ناله الأطفال من آبائهم في الصغر. وكذلك أظهرت الدراسات أن الإساءة تولد الإساءة، وأن العنف يولد العنف، وأن الطفل الذي يعامل بوحشية وعنف في طفولته يسعى للانتقام في الكبر لارتكاب جرائم عنف، وأن إساءة معاملة الآباء للأطفال ترجع إلى ما عاناه هؤلاء الآباء في طفولتهم من ألوان الحرمان.
دراسات سعودية
ويضيف أ.د. محمود رشاد أن هناك دراسة محلية حديثة أكدت تعرض 21% من الأطفال السعوديين للإيذاء بشكل دائم، وكشفت الدراسة التي أجراها مركز مكافحة أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية مؤخرا، عن تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي بشكل عام، حيث اتضح أن 45% من الحالات تتعرض لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية، ويمثل الإيذاء البدني نسبة 25.3%، وغالبا ما يكون مصحوبا بإيذاء نفسي.
صور الإيذاء الشائعة
إن أكثر صور الإيذاء البدني تفشيا هي الضرب المبرح للأطفال بنسبة 21%، يليها تعرض الطفل للصفع بنسبة 20%، ثم القذف بالأشياء التي في متناول اليد بنسبة 19%، ثم الضرب بالأشياء الخطيرة بنسبة 18%.
وأعلى نسبة للأطفال الذين يتعرضون للإيذاء البدني بصورة دائمة هم في المرحلة الثانوية بنسبة 28.4%، ثم المتوسطة بنسبة 25.3%، ثم المرحلة الابتدائية بنسبة 23.4%.
وأكدت نتائج الدراسة أن إيذاء الأطفال يحدث بصورة أكبر في الأسر ذات الدخل المنخفض والأسر الفقيرة، وتشير النتائج إلى أن أكثر الفئات تعرضا للإيذاء هي الفئة التي يقل دخل الأسرة فيها عن ثلاثة آلاف ريال بنسبة 29.5.
العنف الأسري
يعرف العنف الأسري أو العائلي بأنه «السلوك الذي يقوم به أحد أفراد الأسرة من دون مبرر مقبول، ويلحق ضررا ماديا أو معنويا أو كليهما بفرد آخر من نفس الأسرة، ويعني ذلك بالتحديد: الضرب بأنواعه، حبس الحرية، الحرمان من حاجات أساسية، الإرغام علي القيام بفعل ضد رغبة الفرد، الطرد والسب والشتم والاعتداء، الاعتداءات الجنسية، والتسبب في كسور أو جروح جسدية أو نفسية.
إن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، إذ إن من ضرائب التنمية والتحضر ظهور مشكلات اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمعات التقليدية، حيث إن قضايا العنف الأسري كانت في مرحلة ما قبل التنمية أقل بسبب نمط الأسرة الممتدة التي يوجد فيها الأب والأم والأبناء وأبناء الأبناء وزوجات الأبناء، وهذا هو النمط الذي كان سائدا في ذلك الوقت. وفي ظل هذه الأسرة، تكون السلطة الأسرية موزعة على الأفراد بطريقة شبه متساوية، الأمر الذي يشكل حماية لأفراد الأسرة من تسلط شخص واحد، وإذا حصل اعتداء من شخص من أفراد الأسرة على آخر، فسوف يجد المعتدى عليه مصادر كثيرة للدعم والمساندة الاجتماعية، فيسهم ذلك في تخفيف مصابه.
كما أن الحياة في زحام المدينة واشتداد المنافسة على فرص العمل وازدياد الاستهلاك مع ضعف الموارد وانخفاض الدخول وتراكم الديون على الأفراد وعجزهم عن تلبية متطلباتهم الأساسية وضعف الروابط الأسرية، كلها مجتمعة تعد المنبع الذي ينبع منه نهر العنف الأسري.
إن العنف ضد الأطفال من المظاهر الاجتماعية الخطيرة التي تجب السيطرة عليها نظرا لعواقبها التي لا تؤثر على مستقبل الطفل فقط بل تؤثر على مسار المجتمع بكامله وللأسف أن مثل هذه المشاعر قد تتفاعل وتتعقد أكثر في المستقبل إن لم تعالج أولا بأول.
علاج المشكلة
إساءة معاملة الأطفال هي عبارة عن حلقة تتكرر جيلا بعد جيل، فالطفل الذي تعرض لصدمة إساءة المعاملة يمكنه تكرار النموذج في الرشد، وبذلك ينقل إساءة المعاملة للجيل القادم. والطريقة الوحيدة لإيقاف هذه السلسلة هي العمل مع الآباء، والقائمين على رعاية الأطفال ممن يحتاجون لمساعدة.
إن علاج المشكلة ينبغي أن يتم من خلال مؤسسات اجتماعية متخصصة تهتم وتعمل على إجراء الدراسات والبحوث للوقوف على حجم المشكلة وتحديد العوامل المؤدية إليها ومعرفة أفضل الطرق للتعامل معها، بالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية والنفسية لهذه الفئة وأسرها. أما الجانب العلاجي لهذه المؤسسات فينبغي أن يهدف إلى حماية هؤلاء الأطفال وتوفير جميع أوجه الدعم والمساعدة والرعاية العلاجية المتخصصة.
يستطيع اخصائيو الصحة العقلية وآخرون منع إساءة معاملة الطفل عن طريق:
– تأسيس برامج تعليمية لتدريب القائمين على الرعاية الأبوية الجيدة وامتلاك المهارات.
– زيادة وعي الأفراد ببدائل سلوكيات الإساءة، وبذلك يمكنهم البحث عن المساعدة لتقويم أطفالهم من دون اللجوء لإساءة معاملتهم.
– تثقيف أفراد الجمهور حول إساءة معاملة الأطفال ليتمكنوا من الإبلاغ عن حالات الإساءة بحيث يمن التدخل بشكل مبكر.
– إقامة علاقة ثقة مع الأطفال بحيث يتمكن الطفل من الإخبار عن سوء المعاملة بشكل مريح.
خصائص الأطفال الأكثر تعرضا للإساءة من قبل القائمين برعايتهم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات، الذين تم فصلهم عن أمهاتهم لفترات ليست قصيرة بسبب المرض، نتيجة عمل غير مرغوب فيه، ناقصو النمو، التوائم، ذوو الاحتياجات الخاصة، أطفال يعانون من عيوب خلقية أو من أمراض مزمنة، أطفال التبني، ظهور بعض الأعراض النفسية مثل التبول اللاإرادي، ثورات الغضب، زيادة الحركة، ظهور مشكلات تتعلق بمستوى التعليم المدرسي والأكاديمي.
الأشكال الرئيسة لإساءة معاملة الطفل – إساءة معاملة الطفل الجسدية.
- إساءة معاملة الطفل الجنسية.
– إساءة معاملة الطفل النفسية.
– الإهمال.
إن العنف ضد الأطفال خاصة في المدارس ربما يشكل الظاهرة الكبرى بعد العنف المتداول من بعض الوالدين أو الإخوة الأكبر وغيرهم من الأقرباء أو الجيران أو الغرباء نحو مثل هؤلاء الأطفال. ومن الملاحظ أن هناك الكثير من أشكال العنف ضد الأطفال سواء كانت بشكلها الظاهر عضويا أو المتخفي نفسيا، مما يشكل منحدرا خطيرا في مستقبل هؤلاء الأطفال وتأثيره على المجتمع كافة.
خصائص الآباء المسيئين لأبنائهم ثبت أن الآباء أو الأمهات المسيئين لأطفالهم:
– كانوا في طفولتهم يعانون من نفس المشكلة.
– هؤلاء الآباء تعرضوا في طفولتهم لتجارب من الحرمان أو القسوة.
– يحملون أفكارا ومعتقدات خاطئة حول كيفية تربيتهم لأطفالهم.
– يعانون من مشكلات نفسية تجعلهم يميلون أكثر للنزعات العدوانية.
– المدمنون وشاربو الخمور.
– إن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تضيف عبئا من الضغوط النفسية على مثل هؤلاء الآباء، وتجعلهم أكثر عرضة لسوء المعاملة والإساءة للأطفال.